ما لذي دفع إيران والغرب للعب على المكشوف؟
وهل هو تغيير سياسات أم كشف أقنعة؟
طريف يوسف آغا
لاأعتقد أن توقيع الاتفاق النووي بين إيران والغرب مؤخراً هو تغيير في السياسات الدولية، بل لايتعدى كونه كشف أقنعة دفعت إليه الثورة السورية المباركة دون غيرها. فتعالوا نرى كيف ولماذا تخلى أصحاب الشعارات عن شعاراتهم وأصحاب المبادئ عن مبادئهم.
أشرت في مقال سابق إلى أن الشرق والغرب، باختلاف أديانه ومعتقداته ومبادئه وسياساته، يعادي العرب المسلمين لأسباب تاريخية بحتة، فما كنا ومانزال نعتبره فتوحات مجيدة حصلت في صدر الاسلام ومابعده، كان باقي العالم ومايزال يعتبره كوارث وهزائم حلت به حينها وآن آوان الانتقام من أحفاد أصحابها. وصدف أن هؤلاء الأحفاد يعيشون على أرض تعوم فوق بحار من النفط وغيره من الثروات، ومتمتعة بموقع استراتيجي بين القارات، مما أضاف على الغرب والشرق واجب التسابق على التحكم بها. فوضعوا أولاً اتفاقية سايكس- بيكو ونفذوها، واستغلوا الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في أوربا خلال القرون الماضية ليمنحوهم فلسطين تحت شعار (وطن بلا شعب لشعب بلا وطن). ثم استغلوا أيضاً الشعور بالظلم الاجتماعي الذي كان يتحكم بنفوس العلويين في سورية، فمنحوهم حكمها تحت شعار (العطف على الأقليات)، موظفين هاتين الفئتين، بالاضافة لتثبيت أنظمة ديكتاتورية في بقية الدول العربية والاسلامية، لخدمة أغراضهم الاستعمارية.
طالما تشدق الغرب بدفاعه على الحريات وحقوق الانسان والتغني بها، وشاهدناه كيف تحرك بسرعة لدعم الثورات في أوربا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينيات. وطبعاً لم يفعل ذلك من أجل الحرية كما يدعي، ولكن لأنها ثورات أتت من شعوب مسيحية ونشبت ضد أنظمة شيوعية معادية ليس إلا. ولكن لما وصلت رياح الحرية إلى الشعوب العربية، وخاصة إلى سورية المجاورة لاسرائيل، كان لابد من إفشالها. وقد فعل الغرب ذلك اتجاه سورية من خلال تشكيل ماسماه تحالف (أصدقاء الشعب السوري) ليكون الهدف منه شراء الوقت لنظام الأسد كي يتمكن من القضاء على الثورة عسكرياً، وأيضاً لإغراق المعارضة بالوعود الكاذبة بالتسليح النوعي، ثم التراجع عن ذلك في اللحظة الأخيرة لبث اليأس في نفوسها ونفوس الشعب. ولكن لما لم تتوقف الثورة، اضطر هذا الغرب إلى الكشف عن أوراقه وإظهار عمق تحالفه الظاهر مع إسرائيل وتحالفه المخفي مع إيران ومع كل من يساند الأسد لتقاطع المصالح، وهو فعل نفس الشئ في مصر ولكن بدعم الانقلابيين وزج الحكومة الشرعية في السجون.
إيران، بدورها، والتي طالما تغنت بمعاداتها للغرب وخاصة لأمريكا وإسرائيل، وبعد أن وجدت أجيرها الذي يدير لها محافظة الشام (محافظتها الخامسة والثلاثين) قد شارف على الانهيار، سارعت هي الأخرى وكشفت عن تحالفها الحقيقي مع الغرب ضد العرب المسلمين. والكل بات يعلم كيف ربطت إيران مفاوضاتها النووية بالموضوع السوري متبعة بذلك اسلوب المقايضة، ويبدو أنها بدأت مشروعها النووي بالأصل لالتكمله ولكن لتفاوض عليه وتبادل به. يبدو أن لقب (الشيطان الأكبر) الذي كان يطلق فيها على أمريكا عاد الآن إلى حقيقته وهي (الحليف الأكبر)، أما العداوة المعلنة مع إسرائيل فيبدو أنها هي الاخرى في طريقها إلى كشف القناع عنها قريباً. وهي عداوة تكذبها أصلاً عدة حقائق منها أنه يعيش في إيران ملايين اليهود الايرانيين وفي إسرائيل عشرات الألوف من المواطنين اليهود من أصل إيراني والذين يستثمرون مليارات الدولارات في بلاد الولي الفقيه، وذلك بالاضافة أيضاً لحقيقة أن طهران وحدها فيها مئتي كنيس يهودي بلا مسجد واحد للسنة، علماً بأن نسبة السنة فيها تفوق بكثير نسبة اليهود.
إسرائيل نفسها، والتي طالما تظاهرت بمعاداتها لنظام الأسد الابن ومن قبله الأب، إنما منحته بذلك شرعية ودعاية ساعدته على مدى أربعة عقود على الاحتفاظ بلقب ملك المقاومة والممانعة والقومية العربية الأوحد. ولكن وما أن بدأ عرشه بالاهتزاز تحت ضربات الثورة، حتى رأينا كيف خرج الحاخامات اليهود ولقبوه (ملك إسرائيل) وناشدوا الاسرائيليين بالصلاة من أجل انتصاره. وهاهو رئيس الوزراء نتنياهو يلعب على المكشوف أيضاً ويصرح قبل أيام بأنه سيتحالف مع الأسد لأنه أفضل من يصلح ليكون جار الدولة العبرية. وكلنا يذكر كيف سارع ابن الخال العزيز رامي مخلوف إلى التذكير في بداية الثورة أن أمن إسرائيل هو من أمن نظام الأسد، ضارباً بعرض الحائط كل الشعارات التي رفعها نظامه على مدى أربعين عاماً. وقد لعبت إسرائيل نفس الدور مع الجار المصري، فأبدت تخوفها من مظاهر الديمقراطية التي بدأت تظهر هناك، ثم أبدت دعمها العلني للانقلاب العسكري بمجرد حصوله.
ولكن كل هذه الجهات كانت بحاجة لمبرر للتخلى عن سياساتها المعلنة ولمعاداة الثورة السورية لصالح بقاء نظام لم يعرف التاريخ الحديث أكثر منه وحشية ودموية. فلم تجد أفضل من ورقة التكفيريين التي سبق وجربت في عدة دول ونجحت باخراج النظام الديكتاتوري من أزمته، ونذكر على سبيل المثال الجزائر والعراق والشيشان وغيرها. عندما يقحم الديكتاتور التكفيريين على خط أي أزمة يواجهها مع شعبه، يكون قد ضرب عصفورين بحجر واحد: يوفر المبرر الذي تتمناه القوى الخارجية لأن لاتدعم الثورة (خشية أن ينتهي ذلك السلاح بيد التكفيريين)، كما ويدفع الشعب لأن يقارن بين نظامه (بكل علاته) وبين هؤلاء الذين يقطعون الرؤوس ويجلدون ويرجمون باسم الدين. وإذا علمنا أن الكثير من زعماء ومقاتلي (داعش) على سبيل المثال كانوا سجناء في زنزانات النظامين السوري والعراقي، وتم الافراج عنهم أو تهريبهم بطريقة مريبة، فيمكننا أن نفهم لماذا عمليات هذه الفصائل تصب في النهاية في مصلحة النظام وليس العكس كما يدعي الطرفان. وإذا أضفنا لكل ذلك اعتداء تلك الفصائل التكفيرية بالقتل والخطف لقادة الجيش الحر والكتائب المعتدلة وناشطي الاغاثة والاعلاميين في المناطق المحررة لفهمنا لماذا لايسعنا إلا أن نتهمها بالتواطؤ مع النظام لتشويه صورة الثورة وبالتالي إفشالها.
أتت الثورة السورية عام 2011 لتكشف كل تلك الأقنعة والأوراق ولتسقط الشعارات التي رفعتها إيران وحلفائها من جهة والغرب وحلفائه من جهة ثانية، مكرسة الحقيقة الوحيدة حالياً في الشرق الأوسط والتي لاتتحمل أي مجاملة وهي: أمن وأمان ورغبات إسرائيل. وهذا دليل لالبس فيه على خطورة هذه الثورة بالذات على النظام العالمي لكونها وضعت حداً للعب من تحت الطاولة.