حزب النهضة التونسي من مرحلة التآمر لإفشاله في تدبير شؤون تونس إلى مرحلة التآمر لاستئصاله
لا شك أن حدث إضرام النار في مقر حزب النهضة التونسي يدل على أن الجهات الداخلية والخارجية غربية وإقليمية التي دأبت على التآمر عليه منذ فوزه بثقة الشعب التونسي وتبوئه المركز الأول في الانتخابات التشريعية، قد انتقلت من مرحلة السعي لإفشاله عن طريق عرقلة نشاطه النيابي من خلال اعتماد العناصر العلمانية المستفزة له تحت قبة البرلمان إلى مرحلة السعي لاستئصاله ليكون مصيره كمصير حزب الحرية والعدالة في مصر الذي لم يحرك العالم الغربي ساكنا حين تم الانقلاب الدموي عليه وعلى رئيسه الشرعي ، وعلى الديمقراطية الناشئة في مصر بعد عقود من الحكم العسكري الشمولي بل بارك الانقلاب وأضفى عليه شرعية هو في الأصل فاقدها لأن مصالح هذا الغرب مرتبطة به ، ولأن مصير الشعب المصري ، ومصير الديمقراطية في مصر لا تعنيه في شيء مع أنه يتبجح بالوصاية على الديمقراطية في عموم العالم .
وفي صيغة غير صيغة الانقلاب العسكري الدموي في مصر ، اخترعت صيغة انقلاب جديدة في تونس حيث صار بقدرة قادر رئيسها المدني المنتخب ديمقراطيا عسكري الباطن مدني الظاهر، فتجرأ على دستور ما بعد ثورة الشعب التونسي الذي عانى لعقود من حكم شمولي مستبد ، ولوى بعنق فقراته ، وأوّلها حسب مزاجه ليعطل عمل البرلمان ، ويلغي حصانة أعضائه المنصوص عليها دستوريا ليفعل بهم ما يشاء ، ويقيل الحكومة ورئيسها ، ويعتقل من شاء ، وينصب في حكومة طبخها طبخا من شاء ، ويجعل المؤسسة العسكرية في قبضه ، وقد سقط قناعها الذي كانت تتقنع به مدعية أنها بعيدة عن التدخل في الشأن السياسي ، وأنها تحترم اختصاصها المتمثل في الحفاظ على أمن البلاد بما في ذلك الحفاظ على المكسب الديمقراطي الذي ضحى من أجله الشعب خلال ثورته على الديكتاتورية والفساد . وما زال الرئيس المدني ظاهرا والعسكري باطنا ينقلب على فقرات الدستور الواحدة تلو الأخرى حتى انتهى إلى التفكير في إلغائه ووصفه بالمعيب ،وبأنه أصل الأزمة التي تمر بها البلاد ، وهو بذلك يهدف إلى قدّ دستور على مقاس استبداده لينفرد بالسلطة كما تملي عليه ذلك جهات خارجية غربية وإقليمية انبرت منذ ثورات الربيع العربي للإجهاز عليها لإبقاء الوطن العربي محضن الدكتاتوريات المقيتة والحكم الشمولي العفن .
ومن غير المستبعد أن تنكب قيادة حزب النهضة ، ويعاد الزج بها في السجون والمعتقلات ، وبداية هذا السيناريو المحتمل كثيرا هو حدث إضرام النار في مقر حزبها كفعل يتوقع منه الرئيس المتنمر رد فعل ليحصل بذلك على مبرر وذريعة لجعل مصير مناضلي حزب النهضة كمصير مناضلي حزب الحرية والعدالة المصري، فيصفي منهم من يصفي ، ويقبر منهم من يقبر في السجون والمعتقلات حتى الموت . وإذا لم يحصل هذا السيناريو ، فسيتجه رهانه على ترويض هذا الحزب ، وتوريطه في مشاركة صورية في الحكم من أجل إفقاده مصداقيته أمام الشعب الذي وضع فيه الثقة على أساس احترامه مرجعيته الإسلامية أو بهذا الشرط .
وأمام تسارع وتيرة استبداد الرئيس التونسي، يكتفي الغرب العلماني راعي الديمقراطية في العالم كما يدعي بدعوته بلطف إلى العودة إلى المسار الديمقراطي دون اتخاذ موقف صارم من انقلابه على الديمقراطية ، وهو ما يجعل هذا الغرب محل اتهام بخصوص التآمر مع جهات إقليمية في الوطن العربي على حزب ذي مرجعية إسلامية لأنه يختلف مع علمانيته .
والذي يغيب عن الجهات المتآمرة على الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في الوطن العربي أن الذي جعلها تصرح بهذه المرجعية بغض النظر عن احترامها لها أو عدم احترامها ،هو يقينها بأن الشعوب العربية تراهن على الإسلام للخروج من طور الاستبداد والفساد السياسي ، ومن وضعية التخلف الذي طال أمده واستفحل أمره ، وهو ما لا يريده الغرب العلماني الذي تتوقف مصالحه على استمرار هذا الوضع المزري.
والذي يغيب أيضا عن تلك الجهات أن إرادة الشعوب من إرادة الله الذي لا غالب إلا هو سبحانه وتعالى ، وأنها إرادة لا تقهر مهما كانت الأحوال والظروف ، وأن طبيعة الإسلام أنه كلما حورب ، وتعرض للتضييق ازداد قوة وتمكنا في الأرض.
وليس أمام الجهات المتآمر عليه من خلال التآمر على كل من يرفعه شعارا ، ويجعله مرجعية أفرادا أو أحزابا أو جماعات سوى القبول به ، والتعامل معه كواقع ، والتسليم بشراكته في الحياة السياسية ، لأنه صمام أمان الأمن والسلم والاستقرار، والتاريخ يشهد على ذلك .
وسوم: العدد 959