دستور كل "المُصِرِّين" على تركيع المصريين
دستور كل "المُصِرِّين" على تركيع المصريين
علاء الدين الزناتي
خبر وتعليق
الخبر:
في صحيفة الديلي تلغراف في مقال لمراسلها في القاهرة ريتشارد سبنسر بعنوان "الملصق الترويجي لدستور مصر الجديد يثير جدلاً". وقال سبنسر إن "هناك العديد من الأسباب التي جعلت هذا الإعلان الذي جاء تحت عنوان "دستور يمثل الجميع" مثاراً للجدل.
ورصد سبنسر هذا الملصق الترويجي لدستور مصر الجديد الذي جاء في خلفية مؤتمر صحفي لعمرو موسى رئيس اللجنة المكلفة بتعديل الدستور وأثارت جدلا بسبب وجود خطأ لغوي في اللافتة، إضافة إلى تصويرها لخمسة وجوه معظمها لا تحمل أي ملامح مصرية. (المصدر: بي بي سي العربية: الاثنين، 16 ديسمبر/ كانون الأول، 2013، الديلي تلغراف: مصر تروج لدستورها الجديد بوجوه أجنبية)
التعليق:
قد يبدو الخبر طريفاً من وجه، ولكن الحقيقة أن "شر البلية ما يُضحك"، فالخبر يعبر عن هذه المهزلة المسماة بالدستور الجديد لمصر الكنانة ومهزلة المؤسسات الحاكمة فيها والرويبضات القائمين عليها "المـُصرِّين" على تركيع أهل مصر الكنانة.
هؤلاء الرويبضات يحاولون أن يسحروا أعين الناس بفضائيات إعلامية لا هم لها سوى شحن الناس للتصويت لهذه المهزلة الإنسانية المسماة بـ "الدستور الجديد"، هؤلاء الرويبضات يسترهبون الناس بالبطش والقمع بفزّاعة مهترئة مبتذلة تُسمى "الإخوان" و"التكفيريين" و"الإرهاب"، ويتخذونها ساتراً للحرب على الإسلام وحملة دعوته والتنفير من العمل من أجل الإسلام وحمل دعوته وتحكيمه في دولة، بل والتنفير من الإسلام نفسه!
هؤلاء الرويبضات أعلنوا في مؤتمرهم الحاشد عن مواعيد الاستفتاء على هذا الدستور الباطل الذي صاغوه بأيديهم الملوثة بالدماء، والذي ما شهدت له حتى الدساتير الوضعية مثيلًا، يضعون فوق رؤوسهم ملصقاً دعائياً يفضح استخفافهم بأهل مصر الكنانة وسخريتهم منهم، ويثير حتى عجب الكافر! فيقول مراسل "الديلي تلجراف" ريتشارد سبنسر في مقاله: (إنه بمجرد النظر للصورة يمكن لأي شخص أن يميز ذلك، حيث جاءت الفتاة الوحيدة في الصورة مثلا بلا حجاب، رغم أن أغلبية الفتيات المصريات يرتدينه، بجانب شخصين آخرين أحدهما من ذوي الاحتياجات الخاصة والآخر طبيب يتسمان بملامح غربية واضحة) متسائلاً عن هذا الشعار المثير للجدل على حد قوله "دستور يمثل الجميع"!
وأياً كانت مواد هذا الدستور فهو لا يختلف كثيراً عن الدستور الذي سبقه، دستور 2012، سوى أنه نُزعت منه ورقة التوت المزيفة التي كان يتمسك بها الكثيرون من واضعي دستور 2012، وهي الادعاء بأنه دستور إسلامي، رغم أنه كان كسابقيه من الدساتير الوضعية مخالفًا لكتاب الله وسنة رسوله، وكلاحقه دستور 2013 الذي سيُستفتى عليه، فجميعها دساتير تكرس مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية، أي الدولة العلمانية، التشريع والسيادة فيها للشعب، ويلمزون دولة الإسلام - دولة الخلافة - من طرفٍ خفي بكلمة "الحديثة"! فواضعو دستور 2013، المسمَّون بـ "لجنة الخمسين"، مع فزاعة "الإخوان" و"التكفير" و"الإرهاب" و"عدم الاستقرار"، ومع بطش العسكر والشرطة الداعم لهم، لم يراعوا حتى ورقة التوت المزيَّفة التي حرص عليها واضعو دستور 2012، وهي ادعاء "الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية"، فمحوا هذه العبارة من قاموس النقاش الدستوري إرضاءً لأنفسهم ولأمثالهم ممن يسمَّون زوراً بـ "النخب" الثقافية والسياسية الليبرالية، الكارهين للإسلام كنظام حياة وإلى كل ما يمت إلى هذا المفهوم بصلة، ولا يريدون إزعاج أسماعهم بمثل هذه العبارات، فلم يراعوا مشاعر أهل مصر الكنانة المسلمين، وذهبوا يمحون أيَّ أثر تُشتمّ منه رائحة الإسلام وأحكامه التي كانت تشتم من بعض مواد دستور 2012، وأيَّ أثر يُبقي أو يحفظ البقية الباقية من "الهوية الإسلامية" المزعومة التي كان يدعيها أصحاب دستور 2012، فأزالوا هذه الرتوش التجميلية جميعها بكل صلافة واستفزاز!
ثم كانت الجريمة الكبرى التي من أجلها وضع دستور 2012، وزاد وأمعن فيها دستور 2013، وهي ليست تمكين المؤسسة العسكرية من أن تكون دولةً داخل الدولة فحسب كما كان يشرعن لها دستور 2012، بل تمكين المؤسسة العسكرية من أن تكون دولة فوق الدولة، بوزير دفاعٍ ليس لأحد عليه سلطان، لا شعب ولا رئيس دولة ولا رئيس وزراء!
فمواد كلا الدستورين، مهما كان بها أو لها أو عليها، لا تساوي المداد الذي كُتبت به، والغرض منها، كل الغرض، هو أن تبقى المؤسسة العسكرية بوزير دفاعها هي الحاكم الحقيقي والفعلي لأهل مصر الكنانة، أما الغاية فهي أن تظل مصر الكنانة، مصر المسلمة، المتشوقة لحكم الإسلام، المحبة لله ورسوله، خاضعةً للقيم الرأسمالية الليبرالية الممسوخة، التي يفرضها علينا الغرب الكافر وعلى رأسه أمريكا في الثقافة والإعلام، بأدواته المطبوعة والمرئية والمسموعة، وبالسينما والكتب، بواسطة "نخبٍ" تسمى زورًا وبهتانًا "بالنخب الثقافية"، وفي مناهج التعليم المغلوطة المشوهة التي تطعن في الإسلام وأحكامه وتاريخه، وتبني شخصيات متنازعة الهوية بين رأسمالية علمانية في الأفكار والمفاهيم ووطنية وقومية في كثير من المشاعر وإسلامية في أعماق النفوس! وهكذا تظل مصر الكنانة مرتعاً خصباً ترعى فيه أمريكا مصالحها وتروي نهمها من ثروات مصر، تحتفظ بما تحتفظ به وتقايض منها بما تريد مع من تريد أن تقايضه، لتظل مصر الكنانة حامية لأمن (إسرائيل) وحدودها. وما سوى ذلك فكل ما يُكتب في هذه الدساتير لا قيمة له ولا شرعية له حتى عند أصحابه!
ولكن من وسط هذا المكر، مكر الليل والنهار، من وسط هذا المكر الذي لتزول منه الجبال، من وسط هذا الكيد العظيم، نبشركم بأن أهل مصر الكنانة لن يركعوا لغير الله، ونبشركم ونبشر أنفسنا حقيقةً بقوله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾
علاء الدين الزناتي
رئيس لجنة الاتصالات المركزية في حزب التحرير – ولاية مصر