رؤوس جهّال ضالّون يضلّون الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي

مما جاء في الحديث الشريف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" إن الله لا يقبض العلم ينتزعه من العباد انتزاعا، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسا جهّالا، فسئلوا ، فأفتوا بغير علم، فضلّوا ، وأضلّوا".

وهو حديث أخبرنا عن آفة تصيب العلم بقبض العلماء ، فيخلفهم رءوس جهّال يدّعون العلم متطفلين عليه، وهم على ضلال، فيضلّون به الناس . وهذا الإخبار منه عليه الصلاة والسلام لا يقتصر على زمن دون آخر بل هو أمر متوقع في كل عصر. وليس من المبالغة  القول أننا نعيش في زمن فيه شيء مما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظهور هؤلاء الرءوس الجهال  حيث بدأت بوادرهم  تظهر بالرغم من أن العلماء لا زالوا بيننا  بحمد الله تعالى ، وإن كان بعضهم في زماننا هذا يعدون  في حكم الأموات ،وقد منعوا من هداية الناس منعا أو سكتوا خوفا على أنفسهم  من خطر يتهدد حياتهم ، في حين أن البعض الآخر اختار سكوت الشيطان الأخرس طمعا في عرض الدنيا الزائل أو تزلفا  مع شديد الأسف  ونسأل الله تعالى أن يتداركهم بلطفه قبل أن يقبضوا ، وهم  بذلك قد تخندقوا في خندق الضلال المبين .

 ومع هذا الوضع الذي آل إليه حال العلم  عندنا تحيّن الرءوس الجهّال  الفرصة السانحة ، وانكبوا على نشر ضلالهم خصوصا وقد أسعفهم انتشار وسائل التواصل بين الناس  على أوسع  نطاق، وساهم إلى جانب ذلك ظرف الجائحة حيث تعطلت بيوت الله عز وجل عن توجيه  الناس مدة زمنية معتبرة طال عهدهم بارتيادها  ، ولا زال  حالها بعد رفع الحظر عنها لم يعد  بعد إلى سابق عهدها ، ذلك أن دورها  أصبح لا يزيد عن أداء الصلوات الخمس التي تؤدى على غير ما كانت عليه في فترات زمنية  جد وجيزة ، مع  استمرار إغلاق أماكن  الوضوء فيها ، وخلوها مما يسدها مسده، كما أن دورها  لا يزيد عن صلاة الجمع المحصور وقتها في دقائق معدودات  أيضا ، وهو ما يصعّب من مهمة  بعض الخطباء  المخلصين الجادّين في توجيه الناس التوجيه الصحيح أما البعض الآخر منهم فصعودهم المنابر وغيابهم عنها سيّان ، ومقابل هذا يجد الرءوس الجهّال أمامهم المجال واسعا لنشر ضلالهم مع توفر وسائل التواصل الاجتماعي  ، وتوفر الوقت الكافي ، وغياب ما يكبل منابر الجمعة من قيود .

وكأمثلة  فقط لا يراد به الحصر على أولئك الرءوس الجهّال  ، ودون سرد أسمائهم لأنهم في حقيقة الأمر نكرات إذا وزنوا بميزان العلم الحق ، نذكر بعض ضلالهم وقد تقاسموا مهام تضليل الناس حيث يتقنع بعضهم بقناع الإسلام وما هم بمسلمين بشهادة ألسنتهم  على ما في قلوبهم أو تخطه أقلامهم حيث يشككون في مصداقية الكتاب والسنة تكذيبا وتشكيكا ، وفي علم من لهم أعلم بهما  من أهل العلم ، ويزعمون أنهم  يستدركون على هؤلاء سوء فهمهم لهما أو قصورهم وتخلفهم  في ذلك . ومن نماذج ما يظنونه استدراكا على هؤلاء لي أعناق آيات من الذكر الحكيم من خلال أوهام تأويلاتهم الضالة كزعمهم أن الضرب في آية معالجة نشوز النساء ليس ضربا على وجه الحقيقة بل هو ضرب أريد به وجه مجازي ، وأن قطع يد السارق والسارقة ليس قطعا أو بترا على وجه الحقيقة بل هو مجرد منع هذه اليد من الوصول إلى المسروق ... إلى غير ذلك من التراهات ، ويعتمدون في ذلك ركوب المعاني المجازية لألفاظ القرآن الكريم يسردونها على الناس لتشكيكهم في دلالاتها الحقيقية، وصرفهم عنها إلى ما يريدونه هم من دلالات باطلة ضالة مضلة بالعودة إلى قواميس اللسان العربي ، واستعراض كل معانيها المجازية كما هو الحال بالنسبة للفظة الضرب تمثيلا لا حصرا ، ففضلا عن معناها الحقيقي الذي هو إلحاق الأذى بالجسم تستعمل استعمالات شتى في سياقات متعددة منها :

ضرب القلب إذا تحرّك ـ وضرب الجرح إذا اشتد ألمه ـ وضرب العرق إذا اختلج ـ وضرب في الماء إذا سبح ـ وضرب الزمان إذا اشتد على الناس ـ وضرب بين الناس إذا أفسد بينهم ـ وضرب آباط الأمور إذا عرف بواطنها ـ وضرب أكباد الإبل أو ضرب في الأرض إذا سافر ـ وضرب الخيام إذا رفعها ـ وضرب الأرض بذقنه إذا أطرق استحياء ـ وضربت العقرب أو الحية إذا لدغت ـ وضرب عصفورين بحجر إذا أصاب هدفين مرة واحدة ـ وضرب على الآلة الموسيقية إذا عزف ـ وضرب ـ وضرب  الشيء عرض الحائط إذا أهمله ـ وضرب الفحل الناقة إذا جامعها ...  إلى غير ذلك من الاستعمالات المجازية المتعددة لهذه اللفظة.  ومثل هذه اللفظة لفظة القطع ، ولفظة اليد أيضا، فلهما أيضا  العديد من المعاني المجازية إلا أن من ينكرون الضرب في آية معالجة النشوز أو البتر في آية إقامة حد السرقة يعدلون عن معناهما الحقيقيين  إلى بعض معانيهما المجازية لتعطيل حكم الله عز وجل ، وهم يزعمون أنهم أعلم وأذكى  من أهل العلم  ويسخرون من فهمهم لما أراد الله عز وجل في محكم التنزيل.

ولا بد من الإشارة إلى أن تنامي تيار الرءوس الجهّال الذين ينشرون الضلال بين الناس  عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت ذريعة  تجديد فهم الإسلام هو نتيجة الظرف الذي تمر به الأمة المسلمة التي يستهدفها التيار العلماني الغربي  في دينها و في تدينها بعدما تأكد لديه أنها متمسكة به لا تحيد عنه قيد أنملة  ، ولا تقبل بديلا عنه مما يعرض عليها من ضلاله المبين .

وهذا التيار العلماني له وجهان : واحد سافر يمثله المجاهرون بعلمانيتهم جهارا نهارا ، وهم يطالبون بالعلمانية بديلة عن الإسلام في بلاد الإسلام  بكل وقاحة ، وآخر مقنع يدعي أصحابه أنهم مسلمون مجددون ، وأصحاب فهم موفق للإسلام يقدمونه بديلا عن فهم السابقين القاصر في نظرهم ، وهدف هؤلاء جميعا هو التمكين لشرائع العلمانية في بلاد الإسلام ، وجعلها بديلة عن شرع الله عز وجل.

وإلى جانب هؤلاء العلمانيين سافرهم ومقنعهم يوجد رءوس جهّال آخرون من نوع آخر يروجون لعقائد فاسدة تحسب من الإسلام وما هي منه في شيء ، وقد فصّل في ضلالها المبين أهل العلم في الزمن الأول ، وطرق تسويق أصحابها لها بين الناس ، لا تختلف عما ذكرناه سابقا من ليّ أعناق نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف ، واعتماد ما يسمى بالتفسيرات الباطنية التي تضرب صفحا عن المعاني الحقيقية والظاهرة  لألفاظ القرآن الكريم ، وتذهب كل مذهب في تأويلاتها المجازية التي تخدم أهداف تلك العقائد الفاسدة ، وبعض تلك التأويلات عند بعض أصحاب تلك العقائد  مثيرة للعجب بل  للسخرية والضحك أيضا حيث تفسر بعض ألفاظ القرآن الكريم على أنها إشارات إلى أشخاص بعينهم يقدّسون ، وترفع أقدارهم فوق قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم  أو تسوّى بقدره حاشاه. ومن هؤلاء من يدّعون أنهم من أهل السنة والجماعة ،وما هم منهم إن هم إلا مخادعون لتمرير أوهام عقائدهم  الفاسدة ، ونشرها بين المسلمين ، وهم كالعلمانيين المقنعين يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي ، وينالون من أهل العلم  قديمهم ومعاصرهم ، ويسفهون آراءهم ، ويشككون في علمهم وفي مصداقيته ، وكم من أغرار وعوام وسوقة وقعوا في شراك ضلال هؤلاء، فاستبدلوا عقيدة  الصحيحة المقدسة لله تعالى وحده دون شريك التقديس اللائق به ، و المعظمة لرسوله صلى الله عليه وسلم التعظيم الخاص به، والذي أمر به رب العزة جل جلاله ، ومالوا إلى العقائد الضالة المنحرفة والمقدسة لمن لا حق لهم في تقديس أو تعظيم ، وهو ما يوقع في أنواع خطيرة من الشرك .

وفي الأخير نأمل أن ينبري البقية من أهل العلم من ذوي الشجاعة الجرأة ـ  ونسأل الله تعالى ألا يقبضهم ولا يقبض العلم بقبضهم ـ  لهؤلاء للرءوس الجهّال الضالين المضلين بكل فئاتهم على نفس مواقع التواصل الاجتماعي لدحض ضلالهم حماية للأغرار وللعوام منه ، وصيانة لدينهم ، و بذلك يتم  قطع للطريق أمام أهداف العلمانية المقيتة ، و أهداف العقائد الضالة المضلة  على حد سواء . 

وسوم: العدد 969