اجتماع شرم الشيخ الثلاثي .. إسرائيل تحدد الجدول السياسي والأمني لمصر والإمارات
أفاض الإعلام الإسرائيلي في الحديث عن أهداف اللقاء الثلاثي الذي جمع رئيس الوزراء بينيت في شرم الشيخ مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ، وحدد تلك الأهداف وفق صلاته الوثيقة بالمستوى السياسي والمستوى العسكري الإسرائيلي بالتالي :
أولا : توحد الأطراف الثلاثة لمنع الإدارة الأميركية من رفع اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب الأميركية الذي تصر عليه إيران في أي تجديد للاتفاق النووي بينها وبين الدول التي وقعته معها في 2015 ، وبينها أميركا ، وألغاه ترامب في 2018 .
ثانيا : العمل على وقف مساعدة إيران لمن تسميهم إسرائيل وكلاءها في المنطقة ، وتقصد بهم محور المقاومة .
ثالثا : الاجتهاد لقطع الطريق على تجديد الاتفاق النووي بين إيران وبين تلك الدول ، ودائما جهرت إسرائيل بمعارضتها الشديدة لهذا التجديد ، وجزمت بأنها لن تلتزم به إذا جدد .
رابعا : تدارس إمكان مساعدة إسرائيل للإمارات في تخفيف التوتر بينها وبين أميركا الذي نشأ بسبب موقف الإمارات من الهجوم الروسي على أوكرانيا ، وعدم زيادتها لإنتاجها من النفط لتخفيض سعره !
خامسا : وهذه من المصيبات الكُبَر ، سعي إسرائيل لمساعدة مصر في مواجهة أزمة نقص القمح التي سببها ذلك الهجوم لكون روسيا وأوكرانيا مصدرين أساسيين للقمح الذي تستورده مصر . ونسأل : ما على مصر من ضرر إذا رفعت أميركا اسم الحرس الثوري من قائمة إرهابها الباطلة التي يجب أن يتصدرها اسمها ، أميركا ، قبل أي جهة عالمية أخرى ، ويجب أن تشاركها محميتها وصنيعتها إسرائيل هذا التصدر ؟! وما مصلحة الإمارات في إبقاء اسم الحرس الثوري الإيراني في تلك القائمة ، وهي صاحبة علاقات تجارية ومالية ومصرفية واسعة مع إيران ؟! ومئات الآلاف من مواطنيها وسكانها من أصول إيرانية ؟! وما الذي تربحه من معاداة دولة جارة مسلمة ، وما الذي تربحه من انطراحها التام في الحضن الإسرائيلي ؟! وهل هي الآن أكثر أمنا بعد هذا الانطراح الذي تعمقه بسرعة منفلتة من أي ضابط أو حذر ؟!
وهل ما أطلق عليها من مسيرات يمنية يسوغ كل هذا الصراخ على أمنها ، ويخيل لها أن إسرائيل تستطيع حماية هذا الأمن ؟! وهل تجهل أن أسرع وأسهل حل لمشكلة هذا الأمن أن تخرج يدها من الموضوع اليمني ؟! وهل تظن الجمع بين كل الألوان والمتناقضات في سياستها الخارجية حكيما ومجديا ؟! بعد استقبال الرئيس بشار الأسد بيومين طار ولي عهد أبو ظبي للاجتماع مع بينيت بحضور السيسي في شرم الشيخ ، ألم يتنبه لأي مفارقة في الحدثين ؟! كل خطوات السياسة الإماراتية ترسم في واشنطن وتل أبيب ، وما يظهر فيها من جرأة واستقلالية لا يتعدى كونه أدوارا مسرحية مأذونا بها من أميركا وإسرائيل اللتين تظاهرتا ، مثلا ، بالغضب من زيارة الرئيس بشار ، ولو كانتا غاضبتين منها حقا لما تجرأت الإمارات على إتمامها . إنهما ، خاصة أميركا صاحبة الكلمة الآمرة في كل سياسة الدول الخليجية ، تَهِبان قادة هذه الدول مظهر الاستقلالية في هذه السياسة لحفظ هيبتهم في عين شعوبهم . وما مصلحة الدولتين ،مصر والإمارات ، في وقف مساعدة إيران لمحور المقاومة العربية ؟! لو نظرت الدولتان نظرة سياسية صحيحة لمحور المقاومة لأدركتا أن انتصاره انتصار لهما ، وهزيمته هزيمة لهما ، ولسارعتا إلى مساعدته لا لمعاداته والعمل على وقف مساعدة إيران له . أين وحدة الأمن العربي في موقفهما هذا ؟! كيف قدمتا الأمن الإسرائيلي على الأمن العربي ؟! نزلت أول أمس من السيارة في الحادية عشرة ليلا قافلا من العمل ، وتوقفت بين مسارات شارع صلاح الدين الأربعة حتى يعبر رتل من شاحنات مصرية محملة بمواد البناء الخاصة بالمدن المصرية الثلاث الجديدة في غزة . كانت الشاحنات متقاربة في سيرها ، وكنت كلما مرت واحدة أرفع يدي أحيي سائقها ، وقلت لنفسي : " سبحان الله ! قدر مصر أن تتجه دائما شمالا إلى فلسطين وإلى بقية الشام ، متى يختفى الحاجز المسمى إسرائيل بين مصر والشام لتعود الحياة والحركة بينهما شمالا وجنوبا إلى صيرورتها التاريخية قبل نتوء هذا الحاجز الفاصل المشئوم ؟! " . وما مشكلة مصر والإمارات مع تجديد الاتفاق النووي ؟! لا مشكلة حقيقية لهما معه ، وأي اختلاق لهذه المشكلة ليس سوى تماهٍ مع موقف إسرائيل المفرط في التهويل من خطورته على أمنها وأمن الدول الخليجية ومصر ، وأحيانا تذهب في التهويل من هذه الخطورة إلى درجة جلية التضليل والتزييف ، فتصنفها تهديدا للعالم كله لابتزاز تأييده لموقفها الهستيري منه ، وهي الدولة النووية الوحيدة في المنطقة ، ومالكة 300 رأس نووي ، وفي حربي 1967 و 1973 جهزت بعضها لضرب القاهرة ودمشق . ما أولى الدول العربية بالاقتداء بإيران في رسوخ ثباتها وصلابة صبرها على حقوقها الوطنية في مفاوضاتها مع الدول الموقعة على الاتفاق النووي الأول ! هذا الثبات ، وهذا الصبر ، درسان ملهمان لكل شعوب العالم التي تهددها عدوانية أميركا وقوى الغرب الأوروبي الاستعماري ومخلوقتهما المشوهة إسرائيل . وإذ ننتهي إلى خامس أهداف الاجتماع نقول : هذا الهدف مصيبة كبرى ، ومضمونه مساعدة إسرائيل لمصر في أزمة نقص القمح الذي نجم عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا اللتين تستورد منهما مصر هذه السلعة الحيوية ! ما الذي تستطيعه إسرائيل في هذه الاستيراد ولا تستطيعه مصر ؟! ولم تكون إسرائيل " واسطة خير " لها ، لمصر ، فيه ؟! هذا تعاظم إسرائيلي باطل ، وتحميل " جمايل " مقزز يفجر سخرية حادة ، واللوم فيه يرتد على أنظمة الحكم والتحكم العربية التي فتحت لها بابه واسعا بلا انغلاق . صارت إسرائيل السيد الآمر لأكثر هذه الأنظمة ، تحدد لها جدولها السياسي والأمني ، وتدفعها للتماهي مع الجدول السياسي والأمني الخاص بها المعادي في جوهره لكل ما هو عربي وإسلامي ، و في هذا السياق من التماهي تتواصل السلطة الفلسطينية مع الأردن في نشاط محتدم لتنسيق خطواتهما لمواجهة ما قد يحدث في الضفة والقدس في شهر رمضان من صدامات بين الفلسطينيين والمستوطنين والجنود الإسرائيليين ، وتواصلهما استجابة لرغبة إسرائيلية محمومة متخوفة من هذه الصدامات وتحولها إلى انتفاضة ثالثة ، والوطنية والعدل والحق أن تلوم السلطة والأردن إسرائيل على جرائم جنودها ومستوطنيها في الضفة والقدس وانتهاكهم لحرمة المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي الذي لا يتوقف ، وتتركاها تواجه منفردة عواقب هذه الجرائم ، لكنه التماهي مع الجدول السياسي والأمني الإسرائيلي الذي لا تتخلى عنه كثير من الدول العربية ، ورأينا كيف تجلى هذا التماهي في أهداف الاجتماع الثلاثي في شرم الشيخ التي أفاض الإعلام الإسرائيلي في الحديث عنها .
وسوم: العدد 973