سوريا: أين أخفى النظام جثث مئات آلاف السجناء
قدّمت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا صحافيا استقصائيا مهما يجيب على سؤال مزعج يحاول النظام السوري (وربما العالم؟) إخفاءه: أين ذهب مئات آلاف السوريين الذين قتلوا في السجون والمعتقلات خلال الفترة التي مرّت منذ الثورة السورية التي انطلقت في مثل هذه الأيام قبل 11 عاما؟
قامت المنظمات العالمية والمحلية المدافعة عن حقوق الإنسان، وكذلك الكثير من المنشقين، بتوثيق عمليات الإبادة الجماعية وقتل المدنيين التي تعاونت على إنجازها أجهزة الأمن وقوات الجيش والميليشيات المحلية والأجنبية الحليفة للنظام عبر الاعتقالات والخطف وقمع أشكال المعارضة السياسية والعسكرية، وكانت أشهر المحاولات التوثيقية هي ما قدّمه المجند المنشق “قيصر”، والذي كان مكلفا بالتقاط صور جثث المدنيين من ضحايا التعذيب والقتل، والتي غطّت الفترة حتى انشقاقه عام 2013، وتقديمه 55 ألف صورة لمعتقلين وقتلى داخل السجون السورية.
يقدّم تقرير “نيويورك تايمز” مشاهد عن طريقة عمل ماكينة الإخفاء الجماعي السري للمعتقلين القتلى، حيث تقوم آليات ثقيلة بشق خنادق وحفر، ليتم إيصال الجثث في الظلام في شاحنات عسكرية أو شاحنات تبريد الطعام، ويصل عدد القتلى إلى مئات في بعض الأيام، وفيما ضباط استخبارات يراقبون العملية إذ يقذف القتلى في المقابر الجماعية، ويقوم العمال المكلفون بإحكام إغلاق الخنادق بكميات من القمامة لمنع الكلاب من التهام الجثامين.
حقق القائمون على التقرير مع أربعة أشخاص عملوا في تلك المواقع واستخدموا المعلومات في تحديد مواقع التصوير عبر صور الأقمار الصناعية، وبتلك الطريقة تمكنوا من كشف مواقع مقبرتين جماعيتين قرب دمشق تحتوي كل واحدة منهما على جثث الآلاف، وهو ما يعني أن هذه المواقع تحتوي أيضا على أدلة قوية على جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات بشار الأسد، والتي تتضمن التعذيب والقتل الممنهج للمعتقلين.
حسب أرقام متداولة ضمن شبكات حقوق الإنسان فهناك أكثر من 130,000 شخص اختفوا في مراكز اعتقال النظام منذ بدء الثورة عام 2011، وهناك اعتقاد سائد بين السوريين الذين يعرفون طبيعة النظام، أن أغلب هؤلاء المعتقلين لقي حتفه، وهو ما يؤكد، بناء على شهادات منشقين شاركوا في عمليات الدفن الجماعي، وعلى صور الأقمار الصناعية المساندة لشهادات هؤلاء، أن النظام أسس آلية بيروقراطية هائلة يقوم عملها على نقل الجثث من السجون والمشافي إلى تلك المواقع السرية.
أحد هؤلاء الشهود، كان ضمن أحد فرق هذه الآلية، وقد أكد وجود شاحنتين تنقلان الجثث مرتين في الأسبوع، وتحملان ما بين 150 إلى 600 جثة، كما أن فريقه كان يستقبل عشرات الجثث أسبوعيا من سجن صيدنايا، والذي سمّته منظمة “العفو الدولية” “المسلخ البشري”، وكانت الجثث الآتية من صيدنايا لأشخاص قتلوا حديثا شنقا أو بالرصاص.
تعيد الوقائع الموثقة حديثا تذكير العالم بالعار الإنساني الفظيع الذي يمثله نظام بشار الأسد، كما تعيد مطالبة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بالتزامن مع لقائه أمس بوزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، بـ”إعادة سوريا إلى الجامعة العربية”، تأكيد الرابطة الوثيقة بين اجتياح أوكرانيا الجاري حاليا، والتدخل الروسي في سوريا منذ عام 2015.
فتح التخاذل العالمي (والأمريكي خصوصا) عن نجدة السوريين العالقين في “مسلخ” النظام (حتى بعد استخدامه السلاح الكيميائي)، الباب أمام إدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للاعتقاد أن المنظومة العالمية غير قادرة (ولا راغبة) على ردّ تدخلاته العسكرية في أوكرانيا أو غيرها.
وبهذا المعنى، فقد شارك العالم، خوفا أو تواطؤا، في القبر الجماعي لمئات آلاف السوريين.
وسوم: العدد 973