حرائر في أروقة الانقلابيين
حرائر في أروقة الانقلابيين
عزة مختار
لم أكن يوما أتصور أن هناك وجها آخر لبلادي لا يحتمله عقلي ، ولا يحيط به خيالي ، وجوه ليست كتلك الوجوه التي التقيتها يوما في المسيرات اليومية التي نقوم بها في مواجهة انقلاب الظالمين ، وجوها لم أرها طوال عام كامل حكم فيه الرئيس المنتخب تعرض فيه لكل أنواع الضغط النفسي من إهانات شخصية وهجوم غير مسبوق علي حاكم مختار من شعب حر ، وحرية لم يحلم بها شعب من الشعوب ، وطهارة يد لم تعرفها أروقة الحكم في مصر يوما ، وقلوب حرة تعشق تراب بلادها وتموت دون حريتها وحرية الآخرين
وجوه كالحة مظلمة تحمل حقدا ما تصورت أن يكون في بشري من قبل ، ورغم شهودي كثيرا من المذابح في رابعة ومسيرات بعدها إلا أنه يبدو أن هناك نوع من البشر هان عندهم القتل ولم تهن عندهم كرامتهم وإنسانيتهم ، هكذا نحن ، وهكذا تربينا ، وهكذا غرسوا فينا ، الحرية أغلي من الحياة ، والكرامة أغلي من الدم .
انطلقت المسيرة وسط تحذيرات مشددة بأن البلطجية والأمن سوف يتعدون عليها ، وأنه يجب علينا الحذر ، لكن ما الذي نحذره ، وكيف نحذره ، الحذر الوحيد هو عدم السير فيها ، وتجنب ما يمكن أن يحدث من مواجهات بيننا وبينهم ، مواجهات مجحفة وغير متوازنة ، مجموعة من النساء والفتيات والطلبة وبعض الرجال الذين تبقوا ممن اعتقلوا أو قتلوا أو مطاردون من أجهزة الانقلاب .
لم يكن القرار سوي بالاستمرار والوصول بالمسيرة إلي النقطة المعتادة والشوارع المتفق علي السير فيها ، لكن قوات الانقلاب لم تمهلنا دقائق حتى بدأت بالاعتداء علينا في شراسة لم نعهدها من قبل بهذا الحجم ، قنابل الغاز أحاطت بنا من كل اتجاه بكثافة ، المدرعات حاصرتنا أكثر من مرة لنتفرق في شوارع جانبية ثم نلتقي مرة أخري في حالة ما يشبه الماراثون وفي تصميم عجيب من الشباب علي المواصلة ، وقعت حالات كثيرة إثر الاختناق الناتج عن كثافة الغاز المستعمل ، قنابل صوت مفزعة لاحقتنا من شارع لشارع ومن مكان لمكان ، سمعنا طلقات نارية وحالة إصابة لفتاة أصابتها الرصاصة في بطنها وخرجت من ظهرها
اضطررنا للاحتماء ببعض العمائر ، منا من استطاع الوصول إليها ومنا من أدركه البلطجية ليقذفونا بالزجاج والطوب حتى حاصرونا تماما مع مجيء قوات شرطة الانقلاب ليلقوا القبض علينا ( أنا وابنتي ) ، كنت منهارة تماما من تأثير الغز الكثيف فطلبت ممن كانوا يرافقونا في سيارة الشرطة الوقوف أمام احدي الصيدليات ليشتري لي دواءا للقلب أحتاج إليه خاصة في تلك حالة الاختناق التي أمر بها غير انه حتى لم يقم بالرد علي ، بل استمر في السير وبسرعة غير عادية إلي قسم الشرطة ليصطحبنا إلي هناك في حراسة ثلاث سيارت كبيرة محملة بجنود المن المركزي ، ووسط طلقات نارية احتفالا بخطفنا من الشارع .
توجهنا لداخل قسم شرطة دمياط الجديدة لأتعرف علي ذلك العالم المجهول الذي لم أكن أعرف عنه شيئا من قبل .
كررت طلبي بأنني احتاج إلي الدواء فقال لي أحدهم وهو مخبر أمن دولة أعرفه جيدا " وإيه اللي خرجك من بيتك أصلا " ، ورغم حاجتي للدواء حقيقة إلا أنني كان من الممكن أن أترفع عن طلبه لكنني قلت في نفسي لأكشفهم أمام أنفسهم أنهم ليسوا رجالا ، بل إنهم ليسوا بشرا
كنت أحسب أن أخلاق الرجولة في مصر غير مرتبطة بالاتجاه ، فالرجل والشهامة ، والخلاق ، ومعاملة النساء هي بديهيات بالنسبة للرجل الشرقي كما تعلمنا دوما ، لكن الحقيقة المرة غير ذلك تماما ، الحقيقة أن هناك نوعا من الناس باع
باع كل الشيء
الدين
الضمير
الأخلاق
الوطن
وأخيرا رجولتهم
سباب غريب ربما بعضه التبست علينا معانيه غير أننا عرفنا أنها انحطاط بشري غير \مسبوق في مصر ، تهديدات لفتيات صغيرات لم يدركن معني تلك التهديدات أو يعرفن ماذا يقصد بها الضابط الذي تلفظ بها لهن ، شتائم قبيحة واتهامات أقلها الكفر والخروج علي الدين وخيانة الوطن لمجرد اختلافك معه في الرأي ، اتهامات للرئيس الشرعي بأنه باع الوطن وقد نسوا من الذي باع ومن الذي اشتري .
كل هذا كان في جانب وهول المشهد الذي رأينا فيه أولادنا المعتقلين في جانب آخر ، رأيت مجموعة من الشباب أعرف بعضهم ، هم من خيرة الشباب ، هم فخر للوطن ، هم يتمني كل إنسان أن يكون هذا ابن له من حسن خلقه وفهمه ، ضرب شديد ترك إصابات بالغة ورأيت الدماء الطاهرة تتناثر من رؤوسهم ووجوههم الوضيئة ، رجال أطهار يضربون بخسة وندالة من مخبر أو أمين شرطة ليسوقهم أمامه بعنف بالغ وغير إنساني فهؤلاء ليسوا بشر ، إنهم شياطين الإنس ، بداخلهم كراهية غريبة لأصحاب الشرعية ، لا يقبلون بوجودنا أصلا ، لا يعرفون مبدأ التعايش ، أو يسمعوا عن شيء اسمه الاختلاف في الرأي ، هم لا يرون إلا أنفسهم وبعدها الطوفان ، هم لا يهمهم مصلحة الوطن ، فليغرق الوطن إن كان سينقذه الإخوان المسلمين أو الإسلاميين ، هم لا يعرفون غير أنهم يجب أن يحكمون هذا الشعب سواء شاء أم أبي ، وليس من حق احد الإباء
قبل خروجنا ، أطلقوا علينا سهاما مسمومة من أفواههم القذرة ، شتائم لم يذهلنا رصاصهم مثلما أذهلتنا تلك الشتائم
تلك هي أقسام الشرطة في بلادي الآن
وهذا هو فعل الانقلابيين مع الحرائر اليوم
وتلك هي بعض جرائمهم مع الأحرار
السكوت خيانة
التراجع خيانة
بالمعتقلات أشرف أهل مصر يجب أن يخرجوا منها وان يدخلها المجرمون الحقيقيون
ستخسر مصر كثيرا إن استمر الوضع كما هو أو طال عن ذلك
أنقذوا مصر أيها الأحرار واملئوا ميادينها ولا تتراجعوا حتى يعود الحق لنصابه ويحكمنا من يتقي الله فينا
مصر تغرق أيها الأحرار بتلك العصابة التي تحكمها ف\لا تدعوها في يدهم ، هم أجبن وأضعف مما تتخيلون رغم الهالة التي يحتمون خلفها ، وقسما برب الكعبة رأيت الرعب في عيونهم منا رغم ما يحيطهم من جنود وسلاح رغم أننا سجناء عندهم
كنا نحن الأحرار وهم المسجونون
لن يستمر الانقلاب طويلا
فقط استعينوا بالله واصبروا واثبتوا ، فإنما النصر صبر ساعة.