كيف عاد إسلاميو السودان للواجهة، ولماذا الآن بالذات؟

علي عبد اللطيف اللافي

على عكس ما يعتقد البعض فان “إسلاميو السودان” لم يكونوا جميعا في الحكم في العقدين الأخيرين من حكم نظام عمر البشير، كما أنهم لم يكونوا يوما وحدة متكاملة ذلك أن “حزب المؤتمر الوطني” الحاكم كان يقابله في المعارضة حزب المؤتمر الشعبي، وهذا الأخير هو سليل حزب “جبهة العمل الإسلامي” (بقيادة الدكتور حسن الترابي)، ومعلوم أن الخلاف بين الحزبين قد تم سنة 2000 تحديدا وإضافة الى ذلك فان “الترابي” لا يمثل “الاخوان” تنظيميا وحزبيا فهو منفصل ومستقل عنهم منذ بادية ثمانينات القرن الماضي، وكل تلك المعطيات والتفاصيل قد تكون وراء الاسم الذي ظهر بع الإسلاميون من جديد خلال الأيام الماضية في السودان وهي عودة جاءت بعد أسابيع قليلة لعشرات من قياديي حزب البشير ومئات المعتقلين من الإسلاميين بعد تبرئتهم من تهم الصقت بهم غداة سقوط البشير تحت منطق الاعلام الاماراتي/السعودي ووكلائه الداخليين في السودان، ولكن بناء على أي تقييمات ومراجعات عاد اسلاميو السودان للواجهة وكيف سيتموقعون سياسيا ولذا اختاروا زمن العودة ولماذا الآن بالذات خاصة وان هناك تجاذب بين المدنيين ( وأغلبهم من قيادات اليسار الماركسي السوداني بمختلف تلويناته والبعثيين) والعسكريين ومع من سيصطفون؟              

  • أولا،من المهم التأكيد أنه ورغم تفاقم الأزمة وجذورها التاريخية وإرث صراعات وخلافات السنتين الماضيتين وحدة الخلافات خلال الأشهر الماضية وتعدد الاحتجاجات في هذا الاتجاه أو ذلك، فإن المحاكم السودانية قد أطلقت خلال الأسابيع الماضية سراح مئات من المساجين السياسيين وخاصة من الاسلاميين بعد تبرأتهم من اتهامات باطلة وأعيد الكثير منهم إلى أعمالهم، وقد حدثت تلك التطورات بعد أن أطلق مجلس السيادة الحرية بموافقة الرئيس ونائبه للقانون والقضاء بأخذ مجرى العدالة والحرية في الأحكام بعد الغاء ما يسمى بلجنة “ازالة التمكين” (فعليا سيطرت عليها أطراف استئصالية وخاصة من اليسار الماركسي والعروبي)، ورغم رفض الشارع السوداني لانقلاب 25 أكتوبر فانه تم بعده بأسابيع الدفع نحو البحث عن الحلول وتم ايقاف والحد من كل الحلول الانتقامية (حيث بحث البعض عن الانتقام خارج سلطة القانون عبر التحكم في قرارات الفترة الانتقالية وحرصت تيارات عدة علي الاستفراد بالسلطة المدنية وبحث أن تحقيق مبتغاها عبر الاطالة في فترة المدة الانتقالية ومن ثم اعادة هيكلة الدولة والجيش بما يخدم مصالحها علي حساب السودان والقوي المشاركة معها في الثورة) وقد تنبه كثيرون في المجتمع المدني السوداني لتلك المحاولات ولوظيفية كثيرين داخل مكونات مدنية وداخل ما يسمى بتجمع المهنيين، وتم أيضا اكتشاف علاقات اصطفاف لتلك الأطراف بأطراف إقليمية ودولية…
  • ثانيا،يظهر أن مكونات في الحركة الإسلامية السودانية (والتي لم تكن يوما موحدة كما ذكرنا أعلاه منذ بداية الثمانينات)، قد أجرت تقييما ومنذ مدة للمشهد السياسي بعد أكثر من ثلاث سنوات من الانتفاضة التي أسقطت نظام “البشير”، ومن الطبيعي أن تلك المكونات لها تقييمها للأزمة السياسية الراهنة وخاصة في ظل عجز السلطة الانتقالية على تحقيق أهداف حراك/انتفاضة أفريل 2019 وجاءت الخطوة عبر الإعلان عن تأسيس “التيار الإسلامي العريض” وتم رفع شعار صيانة السيادة الوطنية ومنع التدخلات الجائرة في الشأن الداخلي، ولكن السؤال المطروح هو: هل اختار الإسلاميون الوقت المناسب ذلك ما ستبينه الأسابيع والأشهر القادمة؟ وذلك السؤال يحيل الى سؤال ثان وهو: هل قام اسلاميو السودان (كل تنظيم على حده أو عبر تقاطع جامع) بمراحعات جدية وتقييمات علمية ومتأنية لمسيرتهم وأخطائهم في الحكم والمعارضة؟، والثابت أن خصومهم القدامى/الجدد قد سارعوا الى التحذير من أن التيار الجديد قد يكون محاولة “إخوانية” جديدة لتدشين تحالفات مع السلطة، وتمهد لعودة رجال نظام “عمر البشير” إلى الساحة مستقبلا وهي اتهامات سارعت يوميات عربية قريبة من الاماراتيين ونظام “السيسي” للترويج لها…
  • ثالثا،لا خلاف في أن فصائل التيار الإسلامي المتنوعة في السودان قد انتهزت فرصة عدم وجود حاضنة سياسية للسلطة الحاكمة حاليا عقب الإطاحة بتحالف “الحرية والتغيير”، وهي أيضا – فصائل إسلامية- ستُحاول إعادة ترتيب أوراقها، بل هي أعلنت عن تشكيل تحالف عريض قد يقودها إلى العودة إلى الحكم عبر أقصر الطرق السياسية تأثيرا وهذا حقها الطبيعي في الممارسة السياسية – وهو ما حدث في تونس وليبيا كمثالين للذكر لا الحصر حيث عاد التجمعيون بلافتات جديدة في تونس وعاد السبتمبريون (أنصار القذافي في ليبيا) عبر مسميات عدة- فلماذا يصمت الاعلام العربي عن ذلك ويثير تساؤلات حول عودة اسلاميي السودان بغض النظر عن طبيعة وهوية اللافتات التي عادوا بها، وعمليا سيستفيد التيار الإسلامي في البلد الافريقي الأكبر مساحة من حاجة المكون العسكري إلى وجود ظهير شعبي يُساعده على الصمود في وجه إصرار العديد من القوى المدينة على استمرار الاحتجاجات في الشارع، والسعي نحو إزاحة الجيش عن السلطة بعد تمسك قيادته بانقلابها العسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.
  • رابعا،بخصوص الحيثيات فقد وقّعت عشرة أحزاب وحركات إسلامية الاثنين الماضي (18-04-2022) على ميثاق تأسيس ما يسمى بـ”التيار الإسلامي العريض” لتحقيق الاندماج التنظيمي بينها، وتبنت شعارات دينية لعبت على وتر التشبث بالدين لإنقاذ البلاد من التهديدات التي تواجهها، وأكد بيانها أن وحدة الصف فريضة شرعية وضرورة واقعية وواجب حتمي تحديدا، وأن البلاد تشهد تهديدا وجوديا يستهدف هويتها وقيمها الفاضلة بالطمس والتجريف، وقد وقّع على الميثاق الجديد: جماعة الإخوان المسلمين – التنظيم العالمي، وجماعة الإخوان المسلمين – فرع السودان، ومنبر السلام العادل، والحركة الإسلامية السودانية، وتيار النهضة، وحزب دولة القانون والتنمية، وحركة المستقبل للإصلاح والتنمية، وحركة الإصلاح الآن، وحزب العدالة القومي، ومبادرة وحدة الصف الإسلامي…
  • خامسا،لاحظ كل المتابعين غياب حزبين إسلاميين رئيسيين وهما “المؤتمر الوطني” (وهو الحزب الذي حكم خلال عهد الرئيس السابق “عمر البشير”) وحليفه بين سنتي 1989و2000 أي “حزب المؤتمر الشعبي” (الذي أسسه الراحل حسن الترابي)، ولذلك الأمر أكثر من دلالة وأولى تلك الدلالات الإيحاء بعدم وجود علاقة بين التيار العريض وقيادات حزب ونظام “البشير” بينما ثاني الدلالات هي العقلية التجميعية والتوافق على الحد الأدنى وربما اختار المؤتمر الشعبي التريث ودراسة التطورات بناء على أنه على عرض العسكريين منذ سنة 2000 بينما يمكن تلمس عدم تحمس المؤتمر الوطني والذي قد تكون المكونات نفسها لم تتحمس لضمه لتحالفها على الأقل في الوقت الراهن، ومعلوم أن الخطوة قد جاءت على نحو سريع وأساسا بعد الإفراج عن 12 من قيادات حزب المؤتمر الوطني المحلول، في مقدمتهم رئيسه المكلف “إبراهيم الغندور”، وهي إشارة على التحرك نحو لملمة الصفوف وإعادة ترتيب الأوضاع للانخراط في المعادلة السياسية، بما لا يترك المجال أمام القوى الجديدة والتي توسم نفسها بالثورية في مواجهة العسكريين المتشبثين بالسلطة، ومحاولة تغيير موازين القوى بالضغط على تحالف الحرية والتغيير ودفعه إلى القبول بتسوية سياسية.
  • سادسا،يعتقد الكثير من المتابعين للتطورات في الخرطوم أن الخطوات التي أقدمت عليها قوى عدة ومحسوبة على التيار الإسلامي السوداني، أنها مبنية وقائمة على تلقيها وعودا بإمكانية مشاركة عناصر تابعة له ولو ضمنيا في حكومة كفاءات مزمع تشكيلها، لأن اللقاءات الأيام الماضية بين قوى سياسية والمكون العسكري لم تخل من وجود شخصيات محسوبة على نظام “عمر البشير”، ولذلك فمحاولات التوصل إلى صيغة جديدة يمكن أن تشمل دمج عناصر من تنظيمات إسلامية وبعض أذرعها ومعلوم أن المؤتمر العام التاسع لتنظيم الإخوان في الخرطوم قد أجاز مقترحا بتكوين حزب سياسي مساند للتنظيم منذ ثلاث أسابيع تقريبا وتلت ذلك تبرئة وإطلاق سراح عدد من قيادات حزب المؤتمر الوطني المنحل، وعناصر من التيار الإسلامي عموما وتم اطلاق سراح المئات بعد تبرئتهم – وهو ما فصلنا فيه أعلاه – وتزامن ذلك أيضا مع زيادة وتيرة الفعاليات العلنية التي نظمتها قوى توسم بأنها إسلامية منذ بداية شهر رمضان الجاري، وكان آخرها الاحتفال بذكرى غزوة بدر قبل أيام، وتنظيم احتفالات شعبية احتفاء بالمفرج عنهم وصولا إلى خطوة الإعلان عن التيار العريض، وفعليا عبر التحالف الجديد عن أهدافه السياسية التي خلت من الحديث بشكل مباشر عن السعي نحو الوصول إلى السلطة، وتطرق إلى ما أسماه “صيانة السيادة الوطنية ومنع التدخلات الجائرة في الشأن الداخلي”، وذلك رد مبطن وغير مباشر لقوى مدنية شددت على صون الحريات العامة التي ضيّقت الحركة الإسلامية الخناق عليها أثناء وجودها في السلطة، وتحدثت عن إصلاح الشأن السياسي دون بلورة رؤية واضحة لذلك.
  • سابعا،قد يكون الإسلاميون في السودان واقعيين في قراءة الساحة وفي فهم دينمايكية التطورات الإقليمية والدولية ولكن المتابع للبيانات الصادرة حتى الآن وان يلاحظ تغير في طبيعة الفعل السياسي  الا أنه يلاحظ أيضا أن خطاب التيار الإسلامي لم يشهد تغيرا لافتا على الرغم من محاولات الظهور بشكل مختلف، والمضامين التي روج لها أثناء وجوده في السلطة يجري تكرارها الآن عبر المنابر الإعلامية المؤيدة له، ولكن الغريب أيضا هو أن تعامل القوى السياسية التقليدية والمناكفة للإسلاميين مع التطورات بإيقاع بطيء، وهو ما يفتح المجال أمام التيارات الإسلامية للبحث عن مكاسب تساعدها مستقبلا بينما خصومهم لا زالوا يتجنبون حقيقة أن الإسلاميين “لا هم شياطين ولا هم أيضا ملائكة”، ومن الطبيعي أن تلقى الأحزاب والمجموعات الموجودة داخل التيار العريض دعما من قوى إقليمية بغض النظر عن شكله وحجمه، وخاصة وأن بعض تلك القوى الإقليمية والدولية تدعم الحضور السياسي للحركة الإسلامية وخاصة بشرط عدم المغالبة ولكن عمليا لن يكون هناك دعم مباشر للتحالف العريض الذي يعد بمثابة وجه جديدة للقوى الإسلامية.
  • ثامنا،عمر التيار الاسلامي في السودان تجاوز العقود السبع، وفعليا هذه هي المرة الرابعة التي يلجأ فيها إخوان السودان إلى تغيير لافتتهم السياسية سواء مناورة أو اختلافا في ما بينهم والسمتين كانت حاضرتين منذ تأسيس أولى خلاياهم، حيث تم التأسيس تحت مسمى “حركة التحرير الإسلامي” وفي مرحلة ثانية “تنظيم اخوان السودان” وبعدها حدث الانقسام، فكون الترابي “الجبهة الإسلامية” وبقي الاخوان جماعة منفصلة، وأما بعد 1989 فقد تم تأسيس حزب “المؤتمر الوطني” وانشق عنه “المؤتمر الشعبي” في نهاية تسعينات القرن الماضي، وقد اتسمت تجربة التيار الإسلامي بالمرونة والبراغماتية حتى أن المكون الرئيس بقيادة الترابي لجأ إلى مصالحة مع الرئيس الأسبق جعفر النميري في سبعينات وثمانينات القرن الماضي ودخلوا معه في الحكم ( تولى “الترابي” وزارة العدل)، ثم غادروا للمعارضة بعد انقلاب “سوار الذهب” على النميري منتصف الثمانينات قبل أن يقفوا وراء انقلاب وحكم البشير  سنة 1989 ولكن الانقسام حصل في نهاية التسعينات وبداية الألفية وتم الزج بالترابي في السجن وليسرح لاحقا ويواصل نشاطه تحت لافتة المؤتمر الشعبي حتى رحيله سنة …
  • تاسعا،الخلاصة أن التيار الإسلامي السوداني له من التجارب خلال العقود الست الماضية ما يجعله براغماتي وهو راهنا ثري في تركيبته وغير موحد وفسيفسائي المكونات، وهي مكونات بينها تقاطعات وانقطاعات أيضا وهو متجذر في الريف وفي المدن وفي كل القطاعات المهنية وخاصة التربوية منها بالذات، وهو متجذر في الشارع السوداني ومتواجد بقوة في كل مكونات المجتمع المدني وله من البراغماتية ما يجعله قادر على تفكيك التحالفات وإعادة بنائها وهو ما يفسر تحركاته الأخيرة بل وعودته القوية للساحة السياسية، وهو في وضعية تدشين تحالفات مع الأطراف الموجودة على رأس السلطة، بحثا منه عن وضع قدم في الحكم مستقبلا وإن لم يكن ذلك عبر الهيمنة المباشرة على هياكل السلطة العليا، لكن من خلال الاكتفاء بالتواجد الحكومي والبرلماني وعلى مستوى ولاة الولايات، كمرحلة انتقالية يمكن أن يحافظ فيها على بنيته التي ما زالت حاضرة في عدد من مؤسسات الدولة، والثابت أن للتيار الاسلامي السوداني القدرات التنظيمية حتى يتدارك ضعفه السابق ولو أجريت حاليا انتخابات مبكرة فسيكون للإسلاميين فيه نصيب كبير من المقاعد فهو قادر موضوعيا على استثمار ضعف القوى المدنية وتشرذمها ولكنه أيضا واقعي سياسيا وفي فهم التوازن الإقليمي والدولي….

وسوم: العدد 978