ما الذي يلزم المسلمين من مواقف وسلوكات وهم يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي ؟؟؟
مما لا يختلف فيه آدميان ، ولا يتناطح فيه عنزان ، ولا يحتار فيه حيران ، ولا ينكره أو يجحده إلا منكر ينتهي لا محالة وهو ندمان أن وراء كل فكرة مهما كانت خلفية عقدية بالضرورة ، ولا توجد إطلاقا في ماض أو حاضر أو مستقبل فكرة دون خلفية إما صريحة أو مبهمة، فهما في علاقتهما كعلاقة النار بالدخان .
والناس عبر تاريخ البشرية الموغل في القدم ، والممتد إلى ما شاء الله عز وجل في استقبالهم للأفكار المعروضة عليهم صنفان : صنف العقلاء الأكياس الذين يتلقون كل فكرة تواجههم بعقول راجحة تبحث أولا عن خلفيتها العقدية قبل النظر فيها لقبولها أو ردها ، وصنف العجزة البله ـ بضم الباء وتسكين اللام ـ أوالسذّج الذين يتلقون كل فكرة بعواطف مندفعة ، فلا يحفلون بخلفيتها العقدية بل يتعاملون معها على أنها مسلمات وبدهيات، وإن كانت أوهاما أو خرافات أو هرطقات .
و معلوم أنه لا يقبل من المنتسبين إلى دين الإسلام سوى الكياسة والتعقل في التعامل مع الأفكار مع استحضار الحذر مما قد يكون وراءها من فاسد العقائد العائدة على السلوك بوخيم العواقب ، خصوصا وأن بين أديهم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،واللذان لا يأتيهما باطل من بين يديهما ولا من خلفهما ، وما فيهما من أفكار إنما خلفيتها عقدية توحيد الله جل وعلا ، وتنزيهه عن كل أنداد أو شركاء . وعلى خلفية التوحيد تعرض مختلف الخلفيات العقدية ، لتقضي في الأفكار المنبثة عنها بالقبول والرد .
وكتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،يعلمان الناس الاحتكام إلى العقل السليم ، والتحرر من الأهواء والأوهام . وكتاب الله عز وجل طافح بالأدلة العقلية على صدق عقيدة التوحيد ، وبمثلها على بطلان ما سواها من عقائد شركية ، وكذلك الشأن بالنسبة لسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وهما بمثابة شاهدي عدل لا ترد لهما شهادة ، ولا يطعن فيها .
ولقد ارتايت التمهيد بهذا المدخل المختصر، وأنا أعتزم الخوض في موضوع أعتقد أنه من الأهمية بمكان ، وقد قدحه في ذهني فيديو وافاني به أخ فاضل دأب على إشراكي فيما يثير انتباهه واهتمامه من مواد مسوقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، ومضمون هذا الفيديو تختصره عبارة " حرب الجيل الرابع " ، والتي يقصد بها ما يسوق عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد انتشار التكنولوجيا الرقمية من أفكار خطيرة هدامة وراءها خلفيات عقدية فاسدة مفسدة.
ولفد عنونت هذا الموضوع بعنوان : " ما الذي يلزم المسلمين من مواقف وسلوكات وهم يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي ؟؟؟" وإن خوضي فيه جاء بدافع واجب النصح المفروض شرعا ،والذي يكون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله عز وجل، ولكتابه، ولرسوله، وللأمة المسلمين وعامتهم .
ومعلوم أن المسلمين ليسوا سواء في تعاملهم مع الكم الهائل من الأفكار التي تسوقها وسائل التواصل الاجتماعي كل دقيقة أو ثانية، ذلك أن منهم من يعتمد المنهج القرآني في فحصها والتثبت من جيدها ورديئها معتمدا شاهدي عدل قرآنا كريما وسنة مشرفة ، وربما كانت هذه الشريحة أقل عددا من شريحة طويلة عريضة تغيّب شهادة هذين الشاهدين فيما يقتحمها من أفكار عبر هواتفها الخلوية المحمولة .
أما الشريحة الأولى فيكفينا معها التذكير، وهي منتفعة بالذكرى إن شاء الله تعالى ، أما الشريحة الثانية، فهي الهدف والمقصد من وراء هذا المقال الناصح .
وأول نصحها تذكيرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطبا أمته :
" إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ، ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم ، فاحذروا ، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه " .
وهذا الحديث فيه تذكير صريح بضرورة اعتماد القرآن الكريم ،والسنة النبوية المشرفة كشاهدي عدل في التعامل مع كل الأفكار الرائجة بين المسلمين عبر مختلف الطرق والوسائل بما فيها تلك التي تستخدم التكنولوجيا الرقمية ، وهي بيت القصيد المستهدف في هذا المقال .
والمتأمل في هذا الحديث الشريف تأملا بعيد المقصد يجد أنه يحذر من أفكار خلفيتها العقدية مردها إلى المخلوق الشرير الشيطان اللعين ، ويذكر الحديث أنه وإن كان قد يئس من تسويق أفكار الكفر والشرك بين أهل الإيمان ، فإنه يرضى بتسويق بديلا عن ذلك ما يحقرونه من أعمالهم التي يلبس فيها عليهم بأفكاره الخبيثة والماكرة كما كان شأنه مع آدم عليه السلام حين دله وزوجه بغرور ، وقاسمهما أنه لهما ناصح أمين ، وكذلك دأبه دائما مع ذريتهما إلى قيام الساعة خصوصا المؤمنين منهم لأن الكافرين والمشركين هم طوع يده .
ويؤكد مضمون هذا الحديث الشريف قول الله تعالى : (( يا بني آدم لا يفتنّنكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إن جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون )) .
ومن أراد من المؤمنين أن يحتاط لإيمانه حذر الوقوع في الولاء للشيطان ، فعليه أن يعود إلى شاهدي العدل قرآنا كريما ، وسنة نبوية مشرفة يستشيرهما فيما يقتحم عليه ذهنه من أفكار خلفيتها شيطانية .
والمتتبع لما يسوق من أفكار عبر وسائل التواصل الاجتماعي ،يمكنه إذا ما اعتمد شاهدي العدل أن يميز غثها من سمينها ، وجدها من عبثها أو هزلها ، وصحيحها من زائفها ، وخلفيتها التوحيدية من خلفيتها الشيطانية ، وفيما يلي إشارة مختصرة إلى بعض ما يسوق من أخطرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، وذلك بما يسمح به المقام وهي كالآتي :
1 ـ أخطر تلك الأفكارالتي تكون خلفيتها شيطانية ولكنها تقدم على أساس أن خلفيتها توحيدية، ومنها تسويق أحاديث تنسب كذبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسل، وقد تعمد مسوقوها تبوأ مقاعدهم من النار ، فيتلقفها بسطاء الناس وسذجهم على أساس أنها صحيحة ، فتترتب عن اقتناعهم بصجتها وتصديقهم لها مواقف وسلوكات تصدر عنهم، فتنحرف بهم عن جادة الصراط المستقيم ، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر ما يسوق مما تكون خلفيته العقدية شيطانية ضالة مضلة وهي تلبس على هؤلاء السذج والعامة باسم الدين ، فتصرفهم عما يجب من تقديس الذات الإلهية إلى ما يحرم من تقديس الذوات البشرية، ونسبة بعض الأفعال الخاصة به تقدس اسمه ،وتعالى عما يصفون إلى الخلق، فإذا الملبس عليهم يدعونهم ،ويسألونهم كما يدعى ويسأل رب العزة جل جلاله ، ويغريهم من يروجون لهذا الشرك المبطن إلى المساهمة بترويجه بدورهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي زاعمين أن لهم في ذلك أجرا وثوابا ، ويطلبون منهم الضغط على أزرار الإعجاب ليصلهم الجديد من كل أصناف الشرك .
2 ـ أفكار أخرى لا تقل عن الأولى خطرا ،وخلفيتها شيطانية أيضا، وهي تقدم كبديل عن دين الله عز وجل كما هو الشأن بالنسبة للعلمانية اللائكية ...على أساس أنها البديل الذي يحقق سعادة المؤمنين بالله ، ويحقق لهم التقدم، والتحضر والعدل، والمساواة ، والرفاهية ... إلى غير ذلك مما ينخدع به المنبهرون السذج ، فيتولون بدورهم تسويقه ، ويقرعون له أجراس الإعجاب ، فتنتشر تلك الأفكار الفاسدة المفسدة بينهم انتشار النار في الهشيم ، فتحرق أرصدتهم مما كانوا قد اكتسبوه انطلاقا من خلفية التوحيد ، وهو ما يعيد الأمل إلى الشيطان بعودتهم إلى عبادته من جديد وقد كان يائسا من ذلك كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف .
3 ـ أفكار العبث العابث من نكت مضحكة ومسلية على اختلاف الأساليب التي تقدم بها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، ومن تندر وسخرية ببعض النماذج البشرية التي لا تراعى لها كرامة ، ومن تعريض بالأعراضهم ، وهذا مما اعتبره حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يحقر من الأعمال التي يغري بها الشيطان وقد يئس من أن يعبد ،ويحث مسوقوها على تسويقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي على أوسع نطاق ، وهي تحقق أرقاما قياسية بسبب عدد نقرات أزرار الإعجاب بها ، وذلك ما يدل عى الاستخفاف بالمعجبين بها والذين ينوبون عن مسوقيها في تسويقها ، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا .
4 ـ أفكار الأراجيف التي سرعان ما تنتشر بين الذين لا يستحضرون أمر الله عز وجل بالتبيّن في نقل وتداول الأنباء ، ولا يبالون بمن قد يقعون ضحايا بسببها ،وبما قد يلحقهم من أذى لا ينفع معه ندم بعد فوات الأوان . ولكثير من الناس ولع كبير بالتعاطي مع مثل هذه الأراجيف استهلاكا وتسويقا لها ، وتزكيتها بالضغط على أزرار الإعجاب ، علما بأن وراء ذلك من يرتزقون بإعجابهم ، ويتقاضون عليه أجورا .
5 ـ أفكار بخلفية شيطانية صريحة وصارخة تسوق للفواحش مما نربأ بذكره هنا احتراما للقراء الكرام ، وهو غير خف ومعلوم عندهم ، ويستهدف بها خصيصا الشباب الأغرار ، ومن على شاكلتهم من المتصابين ، فيفسد طباعهم وأخلاقهم ، ثم ينتقلون من تلقيها إلى التفكير في تنزيلها وممارستها ، وهو ما يرضاه الشيطان منهم ، وهو يسد بالنسبة إليه مسد عبادته، الشيء الذي حذر منه الله تعالى بقوله : (( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ))، وتركب ظهور هؤلاء الأغرار من طرف قبيل الشيطان المسوق للفواحش ، ويغريهم بنشرها على أوسع نطاق كما تنتشر الجوائح من يحصلون على مقابل من ملاك مصادر البث أو النشر .
6 ـ أفكار من نفث الشيطان أيضا يغري بها من يعشقون الكشف عما خفي مما ستره الله عليهم من أحوالهم الشخصية ، فيجعلونها مستباحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، ومسوقة تسويق المعروضات معرضين كرامتهم للامتهان ، ويصيرون بذلك أحاديث الألسنة المتندرة بهم والساخرة منهم ، ومن يهن يسهل الهوان عليه كما قال الشاعر .
7 ـ أفكار شيطانية أيضا ترفع من قدر كل وضيع في المجتمع ، فتنفح في شخصه التافه هو نكرة من النكرات خصوصا إذا كان ممن يعادون الإسلام وقيمه السامية ، ويتطاول على رموزه ، فيصير مشهورا بعد أن كان مغمورا ، ويسوق لما يأتيه من منكر القول أو الفعل ، ويتحول إلى أيقونة ، ويحوز الشهرة والبطولة ، ويضغط من أجله على أزرار الإعجاب به ليحصل من يسوقون لعبثه عبر وسائل التواصل الاجتماعي أرباحا ساخرين بمن يستجيبون لهم ممن يساقون سوق القطعان .
8 ـ أفكار شيطانية أيضا تسوق السباب والشتائم والقذف ، ويسعر أوارها مرتزقة أجراء تدفع لهم أجورعلى ذلك ، وهم بدورهم يحثون على نشرها على أوسع نطاق بين من يدعوهم دينهم الحنيف إلى مكارم الأخلاق ، وينهاهم أن أسوئها . والغريب أن السباب والشتائم تضغط من أجلها أيضا أزرار الإعجاب .
ولو شئنا أن تسترسل في سرد مثل هذه الموبقات المسوقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لما أعوزنا ذلك ، وقد كثرت واستفحل أمرها ، وتفاقمت مصائبها بين الناس في هذا الزمان .
ومقابل ما تلقاه الأفكار المنطلقة من خلفية شيطانية من اهتمام منقطع النظير نجد الأفكار المنطلقة من خلفية التوحيد محصور الاهتمام بها في القلة القليلة من رواد التواصل الاجتماعي ممن ألهمهم الله عز وجل السداد والتوفيق، فيقبلون على الجاد من الأفكار مما يقدمه علماء كبار راسخة أقدامهم في العلم ، ولا يدخرون جهدا في نصح الأمة ، وتوجيهها إلى جادة الصراط المستقيم ، ولكن كثرة انتشار الخبيث الشيطاني تصرف السواد الأعظم من رواد وسائل التواصل عنهم ، ويكفي أن نعود إلى الاحصائيات التي تصرح بها مصادر البث والمتعلقة بأعداد المهتمين بما هو شيطاني لنتأكد من انصراف الكثرة الكاثرة من الناس عما هو من هدي الله عز وجل إلى هو من ضلال الشيطان .
وفي الأخير نتمنى أن يستفيق السواد الأعظم من أمتنا المسلمة من غفلتهم ، ويحصل لهم وعي بخطورة ما يسوق لهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أفكار شيطانية هدامة ، ووعيهم أيضا بأنهم ضحايا يركب ظهورهم المفسدون من أجل دفعهم إلى الانخراط في تسويق الباطل .
وسوم: العدد 979