زمن الأسطورة رانيا يحيى … دولة «عازفات الناي»!
لا أعرف السر وراء حرص «الراعي» في مصر على استدعاء الخطاب الديني عند التحدث لـ «الرعية»، لا سيما وأنه حل في السلطة محل أهل هذا الخطاب، بعد أن انقلبت عليه القوى المدنية لذلك، ورأت أنه يعني الحكم الديني، ومن ثم فقد نفروا خفافاً وثقالاً خوفاً على هوية مصر، ولا تسألني عن ما هي هذه الهوية التي نخاف عليها من الهواء العليل؟ لأنني ببساطة لا أعرف!
وتكمن المشكلة في أن هذا الاستدعاء الحالي، يبدو من غير مختص، ومن غير متعمق في الثقافة الدينية، أو أي ثقافة أخرى، ولهذا ففي كل مرة يضحك الثكالى، وكان آخرها عندما ذكر أن النبي والصحابة والتابعين تعرضوا لحصار لثلاث سنوات، في شعاب مكة، مما اضطرهم لأكل أوراق الشجر، وكان الوحي ينزل عليهم، ولم الصحابة أو التابعين من النبي محمد أن يأتي لهم بالأكل أو تنفجر الأرض تحتهم بالماء!
وهو استدعاء كان يمكن أن يكون مهماً، لو كان السيسي خطيباً، أو يملك ناصية البيان، فبدلاً من الركاكة في العرض، يقول إن الحصار شمل النبي والذين أمنوا معه، والذين لم يطلبوا أن تنزل عليهم مائدة من السماء، وأن تتفجر الأرض عيوناً، دعك من التابعين فلا محل لهم هنا من الإعراب، لأنهم لم يعاصروا الحصار، والتابعين لم يكونوا في وجود النبي، فضلاً عن أن الحصار كان لشعب أبي طالب ولم يسر على الصحابة جميعاً، لأنه كان في مرحلة متقدمة من البعثة النبوية!
وإذ سألت من قبل عن المبرر من ذكر «الوحي» في رواية السيسي، فقد وقفت على ذلك بعد تفكير عميق، فالمعنى الذي هو في بطن الشاعر، أن نزوله يعني سرعة الاستجابة إذا طلب الصحابة والتابعين، ما لم يطلبوه ولهذا هو يريد من المصريين، ألا يطلبوا منه شيئا وأن يقتدوا بالصحابة والتابعين، وقد حاصرهم كفار مكة، ولا نعرف بالضبط من هم الكفار الذين يحاصرون الجنرال والذين أمنوا معه؟!
وإذ انفجرت منصات التواصل الاجتماعي بالسخرية من هذا الاستدعاء الغريب، فلم يكد الناس يلتقطون أنفاسهم حتى فوجئوا بخطاب لواحدة من التابعين هي رانيا يحيى، عضو المجلس القومي للمرأة، تسير على الدرب، وترد على الشيخ أحمد كريمة، الذي انحاز في مقابلة تلفزيونية لتعدد الزوجات، فكان ردها أن سيدنا آدم كانت له زوجة واحدة وليس أربع زوجات.. لقد أفحمته المدام!
معركة التعدد
غني عن البيان أن النقاش محتدم في القنوات التلفزيونية المصرية، وهي تابعة لـ «الراعي»، وتدار برسائل السامسونغ من قبل ضابط، حول تعدد الزوجات، كما لو كان ذلك يمثل ظاهرة في المجتمع المصري، مع أن الظاهرة الحقيقية زيادة معدلات الطلاق، وفي عزوف نسبة كبيرة من الشباب عن الزواج، وهو ليس لأمر ديني، ولكن بسبب الأزمات الاقتصادية غير المسبوقة التي تعيشها مصر، والتي لم يجد الجنرال من سبيل لدفع المصريين للصبر إلا استدعاء رواية حصار الرسول والصحابة والتابعين، فاته أن النبي كان محاصراً مع الصحابة، يأكل معهم ورق الشجر، وأن الحصار كان لثلاث سنوات وليس لتسع سنين، ولا أمل في تجاوزه!
لقد كانت البداية في برنامج «التاسعة مساء»، على التلفزيون المصري، وهو البرنامج الذي تنتجه شركة الخدمات الإعلامية الأمنية، وكان مقدمه في البداية هو وائل الإبراشي، فلما مرض، حل محله المذيع المتقاعد يوسف الحسيني، وكان هذا بشكل مؤقت، لكن «وائل» توفى، وبالتالي استمر الحسيني يقدم البرنامج، وقد عينه السيسي عضواً في مجلس النواب بجانب ذلك، وليس هذا هو الموضوع!
فالموضوع أن تحويل تعدد الزوجات إلى ظاهرة ينشغل بها الإعلام، تم برعاية أمنية، وفي قناة رسمية، وفي برنامج تنتجه الشركة التي أنشئت خصيصاً للاستحواذ على وسائل الإعلام، ومن هنا فالسلطة ليست بريئة من هذا الجدل، الذي تفجر من استضافة الشيخ أحمد كريمة، وهو من أهل الموالاة، في برنامج «التاسعة مساء»، ليطلب من الزوجة إعانة زوجها على الزواج بأخرى بدلا من ارتكاب الفاحشة!
وعلى الفور بدت القنوات الأخرى كما لو كانت قد التقطت الخيط للرد والإثارة، فكانت آمنة نصير ضيفة على قناة «صدى البلد» لتدلي بدلوها في الموضوع، وتخالف رأي الشيخ كريمة، ويقوم مذيع قناة «أم بي سي مصر» باستضافة الشيخ مبروك عطية في الأستوديو هذه المرة، وكان منذ تفشى وباء كورونا يطل على مشاهديه من منزله، وبدت القناة وقد استراحت لذلك بعد أن خفت حدة الوباء، لكن لأن الحدث جلل ولا بد من الرد على الشيخ كريمة، فكان لا بد من الحضور للأستوديو.
رانيا على الخط
وإزاء هذا الاحتشاد الإعلامي، لمناقشة قضية العصر، فإن برنامج «التاسعة مساء»، استضاف المحنكة رانيا يحيى عضو المجلس القومي للمرأة لتدلي بدلوها في الموضوع، لنقف على حالة كاشفة عن معنى الجهل النشط، فضربت مثلاً بسيدنا آدم، الذي تزوج واحدة، وليس أربع زوجات، على نحو حمدنا الله أن السلطة لم تتبن زنا المحارم، ولم تدع لتقنينه، لتطل علينا عضو المجلس القومي للمرأة بما يفيد أن زواج الإخوة كان قائماً في بداية الخلق!
وما قالته رانيا، يوحي بأن آدم عليه السلام، كان أمامه حرية التعدد، فأبى وتمسك بأمنا حواء، على نحو يفيد أننا أمام ضحالة في الفكر والثقافة، ولا ندري لماذا يلجأ كل ضحل إلى الثقافة الدينية، ليدعم موقفه دون أن يكون مؤهلا لذلك!
كانت هذه المرة الأولى التي أعرف فيها رانيا، ونتيجة الجهل بشخصيتها، فقد اعتقد البعض أنها مسيحية ترفض التعدد من منطلق كنسي، لكني بالبحث والتحري اكتشفت أن اسمها رانيا يحيى سعد زغلول، ومن الواضح أن الجد كان معجباً بالزعيم الوطني، فسمى ابنه يحيى سعد، تمسكاً بالشعار الشهير الذي رفع في ثورة 1919، «سعد، سعد، يحيا سعد»، فأنجب «يحيى سعد» الأسطورة «رانيا»!
وهذه الضحالة، تنال من سمعة التعليم المصري، لتجعلنا نستعير عبارة الجنرال الخالد بتصرف: «ماذا يفعل التعليم في وطن ضائع؟»، فالسيرة الذاتية لرانيا أنها حاصلة على مؤهلين جامعيين مرة واحدة، بكالوريوس الكونسرفتوار (لم تقل من أي جامعة)، وليسانس الحقوق من جامعة عين شمس، بجانب الدكتوراه في فلسفة الفنون، وتعمل أستاذاً مساعداً في المعهد العالي للنقد الفني!
وهي ليست فقط عضواً معيناً في المجلس القومي للمرأة، ولكنها كذلك عضو معين في المجلس الأعلى للثقافة، الذي كان قديماً يشكل من قمم الفكر، ويضم عمالقة الثقافة والأدب، لكن في الشهادات العلمية ما يغني عن القيمة، وهذه خيارات «الجمهورية الجديدة»!
دولة الجنرال
إنه الجنرال يقيم دولته الخاصة، وإذا كانت المفاضلة دائماً بين القيمة والنجومية، فجمهوريته لا تختار لا هذا ولا ذاك، كان أعضاء المجلس القومي للمرأة في السابق من المهتمات بالشأن العام، وأعضاء المجلس الأعلى للثقافة يجمع بعضهم بين القيمة والنجومية ومنهم من يحمل صفة واحدة فقط، لكن لم نشاهد هذه الضحالة الآتية من المجهول، ليكون الحاكم هو أشهر شخصية في مصر! وقد كان الاختيار في البداية يتم على قاعدة التسكين في المواقع وستر العورات عن الناس، لكن مع الوقت، نسوا هذه الفلسفة فأخرجوا هذه الخيارات، فكانت الضحالة على عينك يا تاجر، لنقف على واحدة من عبقريات هذا الزمان، وقد كان من الأفضل لهم أن يستروا اختياراتهم بطرف ثيابهم، فلا يستضيفوهم في قنواتهم التلفزيونية، ليشاهد الرأي العام ما قالته الأسطورة رانيا يحيى سعد!
إذا بليتم فاستتروا!
أرض – جو: بالبحث المعمق في اسم رانيا يحيى اكتشفت أنها تدير فرقة موسيقية وأنها عازفة ناي، وقد أحيت احتفالات خاصة بالقوات المسلحة، فاذا علمنا أن وزيرة الثقافة أيضاً عازفة ناي، وقد درست اعن لكونسرفتوار، لاكتشفنا أنه حكم موسيقار الأجيال. لا بأس لكن لا بد من التنوع فاذا كانت إحداهن عازفة ناي فلتكن الأخرى عازفة بيانو.
وسوم: العدد 983