ألف يوم على الثورة وتمادى الدور الإيراني

ألف يوم على الثورة وتمادى الدور الإيراني

وقال الإمام علي : من يطل هنو أبيه ينتطق به

زهير سالم*

[email protected]

وكما تعودنا أن نكتب ونقول دائما إن حديثنا عن الإدارة الأمريكية لا يعني حديثا عن الشعب الأمريكي ، وإن هجومنا على الصهيونية لا يتضمن الهجوم على اليهود ؛ علينا أن نقول هنا إن حديثنا عن إيران السلطة لا يعني الشعب الإيراني ، والحديث عن المشروع الطائفي يشمل المنغمسين فيه فقط  ولا يعني عموم الشيعة العرب أو العجم .

وعندما انطلقت هذه الثورة السورية المباركة منذ ألف يوم كان ثوارها حريصين كل الحرص على إعلان براءتهم من أيّ لوثة طائفية ، ومن كل تعصب ديني ، ومن كل تمحور إقليمي  ضد أي جهة  .

 كان شعار واحد واحد الشعب السوري واحد أولا ، ثم جاءت أسماء الجمع متوالية مرسلة رسائلها الإيجابية الى كل المكونات الدينية والقومية والمذهبية السورية وفي المنطقة ؛ مؤكدة على وطنيتها وإيجابياتها مع كل الذين يتفهمون معاناة الشعب السوري . ودوافع ثورته الحقيقية ويتعاطفون مع تطلعاته الصادقة للعدل والحرية والكرامة الإنسانية ...

ومنذ الأيام الأولى للثورة لم تترك الإدارة الإيرانية ولا الحزبللاوية بين موقفها وموقف بشار الأسد فرجة أنملة . فوقع الحافر على الحافر من الأول للآخر كما يقولون . كانت القيادات الإيرانية والحزبللاوية تتبنى رواية بشار الأسد بكل ما فيها من إثم وإفك وافتراء ، وأحيانا كانوا يضيفون عليها ، ويلعبون  دور شاهد الزور في تجميلها وتحميلها وترويجها ..

وللتاريخ نكتب وبعد ألف يوم من الثورة التي عركت برحاها كل السوريين بدون استثناء أن الولي الفقيه في طهران وقيادة حزب الله في لبنان ، لم تفكر للحظة بدور الوسيط ، وما يشترط فيه ليكون وسيطا . وللتاريخ نكتب أنه كان بإمكان هؤلاء لو أرادوا أن يلعبوا دورا إيجابيا يختصر المعاناة ويجمع الناس على مدرجة التغيير الحق لأمكنهم ذلك ، بل لقد انتظر كثير من السوريين منهم ذلك على خلفيات وقناعات متعددة ، بل وما زال الكثيرون يبلغونهم أن مواصفات الوسيط غير مواصفات الطرف الذي انحازوا إليه واختاروه ، ولكن غلبت على الإيرانيين ما غلب على صاحبهم من شقوة العصبية والغرور والغطرسة ففوتوا فرصا كانت يمكن أن توفر ليس على الشعب السوري وحده بل على الأمة الكثير ..

 تركز المدخل الأولي للموقف الإيراني ، على طريقة بشار الأسد ، باتهام الثورة والثوار بمعنى اتهام الشعب السوري بالعداوة لمشروع المقاومة والممانعة والحفاظ وكان ذلك المقتلة الأولى التي انحاز فيها الولي والفقيه وأتباعه وملاليه ومقلدوه إلى العصبية للفرد ضد الشعب ، وإلى الظلم ضد العدل ، وإلى الحرب ضد السلم . ولم يخفف من فجاجة هذا الموقف بل ومن انحرافه الترديد الدائم : إن متطلبات الإصلاح متفهمة أو مفهومة .

باسم ( المقاومة والممانعة ) التي لا يشك سوري ولالبناني عاقل أنها الإفك بيت الأكبر في تاريخ عائلة الأسد ؛ ظلت إدارة ( إيران غيت ) تدعم بيت الأسد على مدى عقود من تاريخ المنطقة عقود حتى قبل انطلاقة الثورة المباركة ؛ وإلا فهل استمع أحد من أبناء المنطقة إلى صوت الولي الفقيه في طهران أو القائم بأمره في لبنان يوصي رفقا ، رفقا فقط ، بأمهات عشرات الألوف من المفقودين السوريين واللبنانيين معا ؟! هل تابع أحد وصية بعدل تأتي سرا أو جهرا من هنا أو هناك في مواجهة الظلم والفساد الذي تمادى تحت أعينهم في عقود من حكم سورية ولبنان . الظلم والفساد اللذان تقشعر لهولهما رواياتهما الموثقة الأبدان ، والتي كان الولي الفقيه وحسن نصر الله  يعرفان من أمرها أكثر مما يعرف الآخرون ..

وباسم ( المقاومة والممانعة ) أيضا اصطفت الإدارة الإيرانية بفروعها ودوائرها ، حتى مالكي العراق الذي كان سيرفع شكوى إلى مجلس الأمن ضد بشار الأسد ، في وجه الثورة والثوار في سورية في كل مراحلها منذ أن كانت سلمية إلى أن دُفعت بفعل الهمجية الأسدية – الإيرانية إلى حمل السلاح دفاعا عن العرض قبل الدم ..

وتمادت إيران ، وتمادى حزب الله على صعيد التأييد السياسي أو الدبلوماسي الظاهر ، أو التأييد الباطن عبر القنوات الخفية التي ظلت تضخ لبشار الأسد المال والسلاح وخبرة الخبراء  

وتمادت إيران مرة أخرى وأصبح سماسرتها يحملون مال النفط الإيراني أو مغريات النفوذ الإيراني يشترون ذمم الأفراد والمجموعات والمؤسسات والدول ونكاد نسمي كل هؤلاء بأسمائهم ، شراء الذمم لتجنيد أصحابها في مشروع ذبح السوريين واستباحتهم ..

وتمادت إيران مرة رابعة أو خامسة ليعلن الناطقون باسمها في المنطقة وحول العالم أن الحرب على الشعب السوري حربهم وأن نصرها نصرهم ، فعزلوا بذلك بشار الأسد قبل أن تعزله القوى الامبريالية التي يزعمون ..

ولم يقدر الإيرانيون الذين أعماهم التعصب ، وغرور اللحظة ، وخلو الجو وفراغ القوة أي نار يشعلون وأي حرب يسعّرون وفي أي طريق يدفعون وهم يندفعون على عمياء في إشعال نار الفتنة ، وفي ضرب أبناء الأمة بعضهم ببعض  ..

وتمادى الإيرانيون مرة سادسة  واندفعوا بخيلهم ورجلهم وفتاواهم وخطاباتهم يجتاحون أرض الشام ،واندفعت ميليشياتهم الطائفية معززة بفتاوى التعصب الطائفي المقيت : اقتلوا أنصار يزيد ، واثأروا لمقتل الحسين فاحتلت أرض الشام ، وذبحت الرجال والنساء والأطفال وعاد التاريخ بنا إلى أيام هولاكو وتيمورلنك وتمادت قيادات إيران وداست القانون الدولي ، وتحدت مجلس الأمن ودوله الخمس أو العشر وتحدت كل معطيات المدنية والحضارة والقانون والدولة في القرن الحادي والعشرين ، وما لجرح بميت إيلام ..

وتمادت إيران أكثر وأكثر وهي تكشف عن سر منطقة نفوذها في الصفقات الخفية التي طالما لوحت بها : من بحر قزوين إلى خليج العرب فهل تقرؤون ؟!

وحين تتكشف اليوم أوراق ( إيران – غيت ) في ثوبها الجديد ، تنحل الكثير من الطلاسم ، وتتضح الكثير من المعميات ولقد قال الإمام علي رضي الله عنه من قبل : من يطل هنو أبيه ينتطق به ، وقد طال هنو الولي الفقيه بهنو الشيطان الأكبر فلم لا يتبجح ولم لا يتمادى ولم لا يتجاوز ؟!

وإنها لفقاعة غرور عابر ولتعلمن نبأه بعد حين ..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية