ولماذا استفتاء الشعب.. أين الدبابات

أ.د. محمود السيد داود

أ.د. محمود السيد داود

أستاذ السياسة الشرعية المشارك

بجامعة البحرين وجامعة الأزهر

[email protected]

آخر ما يمكن أن نتصوره فى ظل عهد الانقلابيين فى مصر، أن يتم احترام الشعب، وأن تقدر إرادته، وأن يرفع صوته، وأن يكون هو المرجعية الأساسية لبناء حكم ديمقراطى حر فى مصر، ولذا وفى ظل الأحداث المتلاحقة فى مصرـ ابتداء من يوم الانقلاب ومرورا بفض مجزرتى رابعة والنهضة، وحتى يومنا هذاـ  والتى تم فيها اللجوء إلى السلاح والرصاص، ولم يسمع فيها إلا أزيز الدبابات والمدرعات، أعجب هذه المرة فى اللجوء إلى الشعب من أجل الاستفتاء على مزورة الدستور أقصد " مسودة الدستور الجديد " فى يومى 14، 15 يناير 2014. 

وأظن أنه من حق أى مصرى أن يتساءل، أى شعب تقصدون؟ أليس هو الشعب الذى تم استفتاؤه خمس مرات متتاليات مشبعات، وقد جرت هذه الاستفتاءات والانتخابات بحرية كاملة  ونزاهة تامة أمام العالم أجمع، بل وتحت سمع وبصر الانقلابيين أنفسهم، وأيضا تحت إشراف القضاء الذى يوالى معظمه الآن للانقلابيين، وكانت النتيجة فى كل مرة لصالح الإسلاميين وفى مقدمتهم الإخوان، أليس هذا هو الشعب الذى سحق صوته ودمرت إرادته تحت لهيب الدبابات، أليس هو الشعب الذى نكب فى أطهر أبنائه من الشباب والشيوخ والرجال والنساء بل والأطفال حينما كانوا معتصمين سلميا فى ميدانى رابعة والنهضة، أليس هو الشعب الذى ابتلى بتقديم أبرز العلماء وأخلص الشباب إلى أغوار السجون والمعتقلات، بل لم يسلم من السجون فتيات مصر الطاهرات وحرائرها العفيفات .  

أى شعب تقصدون؟ أليس هذا هو الشعب الذى يملا أبناؤه الآن الشوارع والميادين، فى تظاهرات سلمية، يتحدون فيها البرد القارص والمطر الشديد، ويعلنون فيها رفضهم للانقلاب ولقانون التظاهر وللوثيقة الجديدة " مسودة الدستور "، ويتم فضهم أيضا تحت لهيب الأسلحة وقنابل الغاز واستعمال الرصاص . أليس هو الشعب الذى يملأ أبناؤه حرم الجامعات من الأسكندرية شمالا وحتى أسوان جنوبا، ينددون بحكم العسكر ويهتفون بسقوط الإنقلاب، أليس هو الشعب الذى لم توجد وسيلة لإخماد صوته، ولا لإهدار إرادته إلا عن طريق الانقلاب، ولو كانت هناك بارقة أمل للانقلابيين فى الشعب المصرى لما حدث الانقلاب، وتم استفتاؤه على  الأقل فى بقاء الدكتور مرسى من عدمه .

أى شعب إذا تقصدون؟  إن الأغلبية التى كان يحرزها الشعب المصرى الأصيل فى كل استفتاء أو استحقاق انتخابى سابق، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، لصالح الإسلاميين، لم تعد الآن كما كانت، بعد أن قتل أبناؤها، واعتقل شبابها، وأصيب رجالها... لقد ازدادت هذه الأغلبية بعدا عنكم، وكرها لكم، ويزداد إيمانها كل يوم بضرورة إنهاء الإنقلاب، وتعلو ثقتها فى الله تعالى كل يوم بأن الله لا يصلح عمل المفسدينن، وأن العاقبة للمتقين، وأن الله يملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

وبناء على هذا فإن كنتم تقصدون هذا الشعب الذى صوت فى الاستفتاءات والانتخابات السابقة، فالنتيجة معروفة، إذ التوجه سيكون للإسلاميين، وسيظهر الوجه الحقيقى لمصر وهو الوجه الإسلامى العظيم، فكيف إذا تطمعون فى تمرير مسودة الدستور الجديد بطريق شرعى ديمقراطى، مع أن الشرعية بدءا من الانقلاب ليست طريقكم، والديمقراطية ليست منهاجكم.

إن الشعب الذى أفرز الإسلاميين قبل ذلك، يبدو أنه لا تصلح معه الاستفتاءات التى تريدونها، والاستفتاء هذه المرة ترتهن به رقابكم، ويتعلق عليه استقراركم واستمراركم، وإذا كانت المسألة بهذه الخطورة.... فلماذا الاستفتاء؟ ..... أين الدبابات .