الأردن ليس للبيع وفلسطين لا يُمكن التنازل عنها
لدى بعض العرب طروحات تتعلق بالقضية الفلسطينية، وسُبل حلها أسوأ من تلك التي يطرحها غلاة اليمين الإسرائيلي المتطرف، والسبب أن هؤلاء يريدون التمهيد للتطبيع مع دولة الاحتلال، وتبرير هذا التطبيع على حساب الشعب الفلسطيني، وعبر تغيير المفاهيم الأساسية والعقائدية لشعوبهم، التي تتعلق بفلسطين والقدس والمسجد الأقصى، وضرورة تحرير هذه الأراضي المقدسة من الاحتلال.
أحدث الحلقات في التمهيد الأحمق للتطبيع مع الاحتلال هو المقال الذي نشره كاتب خليجي، يسود الاعتقاد بأنه مقرب من شخصية سياسية كبيرة ومهمة، وهو المقال الذي يدعو فيه الكاتب إلى «دولة فلسطينية هاشمية في الأردن» داعياً إلى الاعتراف باسرائيل والتعامل معها على أنها أمر واقع، وضم التجمعات الفلسطينية إلى الأردن، ويعتبر الكاتب أن فكرة عودة الفلسطينيين الى بلادهم ليست سوى «وهم» وأنه «ينبغي إعادة تعريف القضية الفلسطينية من أجل التوصل إلى حل لها».
هذا الطرح هو أحد السيناريوهات التي سبق أن طرحها اليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفاً قبل سنوات طويلة، وهو سيناريو لا يؤمن به حتى المحتلون الإسرائيليون أنفسهم (في أغلبهم) باستثناء اليمين المتطرف الذي يرفض الاعتراف بأي وجود للفلسطينيين، ويرفض القبول بأي كيان لهم. والأهم من ذلك أن هذا الطرح لا ينسجم مع القانون الدولي، ولا القرارات التي يعترف بها العالم، والتي توجب الانسحاب من الأراضي التي تم احتلالها عام 1967 من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة لتعيش بسلام إلى جانب الدولة العبرية. لا تتوقف كارثة هذا الطرح عند هذا المستوى، بل إن «إعادة تعريف القضية الفلسطينية بهذا الشكل» يعني بالضرورة أن من يتبنى هذا التعريف الجديد، وهذا السيناريو للحل لا يفقه شيئاً لا بالتاريخ ولا الجغرافيا ولا طبيعة المنطقة، بل إنَّ المضحك أن كاتب المقال المشبوه يستند في أحد تبريراته إلى أنَّ «الأردنيين والفلسطينيين جميعهم من العرب السنة» وعليه فهو يوصي بتحويل الدولة الأردنية الى دولة فلسطينية، فيما ينسى الكاتب أن العديد من دول المنطقة سكانها من «العرب السنة» فهل هذا يعني أنها تصلح لإقامة دولة فلسطينية؟ هل يجوز اقتراح أن تكون السعودية هي الدولة الفلسطينية، بسبب أن الفلسطينيين والسعوديين يشتركون في كونهم «عربا سنة»؟ وما علاقة الأديان والمذاهب في أن ثمة احتلالا طرد شعباً من أرضه وطرد بشراً من بيوتهم، ويتوجب أن يعود أصحابُ الحق لحقوقهم؟ سيناريو حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن كان اليمين الاسرائيلي المتطرف قد طرحه قبل سنوات، وهو سيناريو أثبت فشله وعدم قابليته للتطبيق، والسبب أنه يريد أن يمحو بلدين عربيين بدلاً من واحد، ويريد أن يقفز عنهما، وهو سيناريو يتفق الأردنيون والفلسطينيون معاً على رفضه، سواءً على المستوى الرسمي أو الشعبي، كما أنه يريد تجاهل وجود السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير والفصائل الفلسطينية، ويقوم على افتراض أنه لا يوجد أي جهة تمثل الفلسطينيين، وهذه افتراضات خاطئة جملةً وتفصيلاً، على الرغم من وجود الانقسام الداخلي الفلسطيني والخلافات بين الفصائل.
فكرة القفز على الفلسطينيين وتجاهل وجودهم، وفرض الحل عليهم عبر التفاهم مع دول عربية مطبعة، سبق أن قامت عليها «صفقة القرن» التي طرحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قبل سنوات، ثم انتهت الصفقة بالفشل، ويعود الفضل في الأساس الى إفشالها الى الرفض الفلسطيني الأردني المشترك، والتصدي لها لأنها تشكل تهديداً وجودياً لكلا النظامين السياسيين، وهذا يؤكد في نهاية المطاف أن فكرة فرض الحلول لا يُمكن أن تنجح ولا أن تمر. يُدرك المطبعون العرب هذه الحقائق، ويعلمون بأنهم فشلوا في فرض «صفقة القرن» كما أنهم يعلمون أن الاحتلال ومن خلفه الولايات المتحدة فشلا في فرض ما يريدان على الفلسطينيين، منذ رفض «مبادرة روجرز» سنة 1970 وإلى يومنا هذا، لكن بعض المطبعين العرب يريد التقرب من إسرائيل عبر بعض الطروحات الغبية مثل التشكيك في المسجد الأقصى، والتشكيك في الحق الفلسطيني، وإلقاء اللوم على الضحايا بدلاً من إدانة جرائم الاحتلال، وغير ذلك من أفكار.
خلاصة القول هي، إنَّ أي تسوية للقضية الفلسطينية يجب أن تنطلق من قاعدة أن شعبا فلسطينيا يعيش تحت الاحتلال ويجب أن يتحرر، ولاجئين فلسطينيين يتوزعون على دول العالم يجب أن يعودوا الى بلادهم ومنازلهم بموجب القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن الأردن دولة عربية مستقلة ذات سيادة ومجرد التفكير بالمساس بها هو جريمة مكتملة الأركان يتوجب معاقبة مرتكبها. فلا الأردن للبيع ولا فلسطين يُمكن التنازل عنها، ولا اللاجئون يُمكن أن ينسوا حقهم في العودة، وكل تفكير خارج هذا الإطار ليس سوى هُراء لا معنى له.
وسوم: العدد 985