دور تخبيب الزيجات على الأزواج في استفحال آفة أبغض الحلال
وأنا أتصفح موقعا إلكترونيا في بلادنا استوقفني مقال فيه لكاتبة نشر تحت عمود آراء وكتاب عنوانه : " تطليق الشقاق بين الحماية القانونية والواقع "، أغرني بقراءة المقال ، فلما أنهيته، فكرت في الخوض في موضوعه بمقالي هذا وقد استفزني اعتبار صاحبة المقال هذا النوع من الطلاق مكسبا بينما أعتبره أنا آفة خطيرة تتهدد الأسرة وهي نواة المجتمع الصلبة لتفكيك أوصاله .
وقبل الخوض في هذا الموضوع لا بد من الإشارة إلى سوء أدب البعض مع شرع الله تعالى المتعلق بموضوع الأحوال الشخصية حين نسمع مثل ما جاء في مقال هذه الكاتبة ، وهو كالآتي :
(عرفت المنظومة القانونية المغربية في السنوات الأخيرة العديد من الإصلاحات والتعديلات، فرضتها التحولات الهيكلية العميقة في جميع مناحي الحياة السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية ببلادنا، كما اقتضتها مسألة ملاءمة القوانين الوطنية مع المواثيق والاتفاقيات الدولية المرتبطة أساسا بحقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة والطفل خاصة).
فمثل هذا القول الذي يردده بعضهم عندنا يوحي تصريحا لا تلميحا إلى وجود نقص أو عيب في أحوالنا الشخصية كما يقدمه شرع الله عز وجل كتابا وسنة ، وهذا ما اعتبره سوء أدب مع شرع الله عز وجل بحيث ينزل ما يسمى بالمواثيق والاتفاقيات الدولية المرتبطة بما يسمى حقوق الإنسان وحقوق الطفل منزلة ما يسد النقص والعيب المتوهمين في شرع الله عز وجل، وذلك في بلد مسلم ينص دستوره على أن دينه الرسمي فيه هو الإسلام ، وهي عبارة لها دلالة لا يجب القفز عليها إلا إذا كانت موقوفة التنفيذ وقد دبّج بها دستورنا لمجرد مغازلة المشاعر الدينية للشعب المغربي.
ومعلوم لدى الجميع أم ما يسمى بالمواثيق والاتفاقيات الدولية التي ألزم بها بلدنا نفسه لأسباب معروفة إنما هي من الواردات علينا من دول العالم الغالبة باعتبارنا من الدول المغلوبة على أمرها ، ولها خلفيات عقدية وفكرية لا علاقة لها بخلفيتنا العقدية والفكرية كما يحددها لنا ديننا الذي ارتضاه الله عز وجل لنا ، ولم يقبل منا غيره إن كنا نريد البقاء حقا في دائرة ما ارتضاه لنا ، وبذلك نكون منسجمين منطقيا مع أنفسنا كما تشير إلى ذلك دلالة عبارة " الإسلام دين الدولة الرسمي"
ومن سوء الأدب مع قناعتنا الإسلامية أن نقدم في تشريعنا على شرعنا ما يسمى بالمواثيق والاتفاقيات الدولية ،وفيها ما فيها من هدم واضح لشرعنا خصوصا فيما يتعلق بأحوالنا الشخصية، وقيمنا الأخلاقية الإسلامية التي يداس عليها بذريعة ما يسمى بحقوق الإنسان عموما، وحقوق المرأة والطفل خاصة ، وهو ما يعني تصريحا لا تلميحا أن هذه الحقوق لا يضمنها ديننا الحنيف ، وأن ما يسمى المواثيق والاتفاقيات الدولية تستدرك عليه ذلك .
و لا بد من الإشارة إلى أن ما يسجل في الواقع المعيش من اختلالات في أحوالنا الشخصية تعزى إلى الجهل المطبق بشرع الله تعالى والبعد عنه ، ومع ذلك تحسب عليه افتراء وبهتانا تلك مع أنها نتاج العادات البالية التي لا علاقة لها به، ولنضرب كمثال على ذلك العنف الذي تعنف به الزيجات من طرف الأزواج والذي يلتبس على البعض أنه مما ينص عليه شرعنا وذلك لسوء فهم نص قرآني يتناول قضية علاج نشوز الزيجات على الأزواج عن طريق الضرب مع ما فيه من تقييد أفاض في تفصيله فقهاؤنا ،ومع ذلك ينسب كل ضرب مهما كان إلى ضرب علاج النشوز بما في ذلك ضرب الزوج المخمور زوجته وهو فاقد العقل والتمييز وتحت تأثير السكر الطافح ... إلى غير ذلك مما لا صلة له من قريب أو بعيد بمعالجة النشوز الذي يتهدد الحياة الزوجية خصوصا حقوق الأطفال على وجه الخصوص إذ لولاهم لما حرص شرعانا على اعتماد هذا النوع من العلاج ، وهو تهديد للأسرة التي تعد نواة المجتمع الصلبة، علما بأن شرعنا لا يتحمل مسؤولية أنواع الضرب الأخرى أو لنقل : " لا يعذر أحد بجهل الشرع " .
ولنعد الآن إلى ما اعتبرته صاحبة المقال مكسبا من المكاسب التي تفضل بها علينا ما يسمى بالمواثيق والاتفاقيات الدولية ،وهو تطليق الشقاق الذي استفحل أمره عندنا ، وأصبح دواء عند البعض مع أنه في حقيقة أمره أم الداء . وعوض البحث المتأمل في أصل هذه الآفة لوصف علاجها الوصف الموفق الصحيح صار تطليق الشقاق في حد ذاتها دواء مع أن السبب الرئيس لاستفحاله إنما هو ما حذر منه شرعنا كتابا وسنة لو أنهما تدبّرا التدبر الصحيح ، ويتعلق الأمر بتخبيب الزيجات على الأزواج وقد حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بل تبرأ ممن يمارسه لأنه من همل الشيطان في قوله: " ليس منّا من خبّب امرأة على زوجها " أي أفسدها عليه بتحريض أو غيره مما يفسد علاقتهما الزوجية . وعبارة " ليست منا " التي تأتي في بعض الأحاديث النبوية، تدل على تشديد تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم من مستقبح الأفعال و من سوء التصرفات التي تترتب عنها عواقب وخيمة. ومما وردت فيه هذه العبارة على سبيل المثال لا الحصر التخبيب ، والإساءة إلى الجوار .
والغريب أن من يخبّبون الزيجات على الأزواج هم الأقارب قبل الأباعد والذين يستغلون كل مغاضبة تقع بينهن وبين أزواجهن لتحويلها بالتحريض إلى نشوز يترتب عنه أبغض الحلال في نهاية المطاف، لأن التخبيب الذي هو أفضل ما يفاخر به الشيطان الرجيم هو وقبيله يغلب الإصلاح الذي يرغّب فيه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وصاحبة المقال نفسها استنكرت نسبة آفة أبغض الحلال بما فيه نوع الشقاق ، وقد بلغت نسبه أرقاما غير مسبوقة عندنا، ومع ذلك أثنت عليه، واعتبرته من فضل المواثيق والاتفاقيات الدولة على النساء والأطفال عندنا، لأنه من الحريات التي تكفلها لهم تلك المواثيق والاتفاقيات ، ولم يكفلها لهم شرعنا حسب ما يفهم من قولها أو بتعبير آخر حسب زعمها، وزعم من يرى رأيها، ويعتقد اعتقادها ممن لهم حساسية مفرطة من شرعنا .
ولقد كان من المفروض أن ينبري أهل العلم والفكر والقلم إلى محاربة استفحال آفة أبغض الحلال عندنا من خلال استئصال كل أشكال التخبيب المنهي عنها شرعا أو التخبيب الذي يجب محاربته خصوصا تخبيب الأقارب قبل الأباعد ، وتخبيب الجيرة والأصدقاء وزملاء العمل ، و تخبيب بعض البرامج الإذاعية والتلفزية التي تمارس أنواعا خفية وماكرة منه تحت شعار النصح الكاذب ، وتقدمها في شكل نصائح كاذبة آثمة في حقيقة أمرها .
ومن المعرة أن يسود فينا ما يسمى تطليق الشقاق ، وبين أيدنا كتاب الله تعالى الذي يقول فيه : (( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفّق الله بينهما إن كان الله كان عليما حكيما )) ،وكفى بهذا قاطع طريق على كل مخبّب تبرأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولا بد أن نشير إلى ما يترتب عن هذا النوع من الطلاق الذي يتسبب فيه التخبيب بالدرجة الأولى من ظلم ومن مفاسد . وأول من يطالهم الظلم هم الأطفال الذين يحرمون بسببه من دفء الأبوة ،وهو نصف الدفء في الأسرة المسلمة .
ولقد سمعت أحد ضحايا هذا النوع من الطلاق يروي على لسان من طلقت منه أنه خيرت أطفالها الصغار بين العيش معها أو مع أبيهم، فجاء جوابهم مثيرا للحزن : " نريدكما معا " فهل ينصت قضاء الأسرة عندنا إلى مثل قول هؤلاء الاطفال الأبرياء ضحايا التفكك الأسري بسبب آفة تطليق الشقاق ، فيعدلوا عنه إلى ما يضمن لهؤلاء الضحايا حقهم في العيش بين دفء الأبوين معا ؟
ولا أريد الخوض في المفاسد المترتبة عن هذا النوع من الطلاق الناتج عن التخبيب، والذي من شأنه أن يجعل المطلقات أيضا ضحايا ما تنصبه لهن جهات مشبوهة من شراك لإيقاعهن في المحرم من علاقات جنسية تزين من خلال وصفها بالعلاقة بالرضائية للتخفيف من شناعتها وقبحها هي وما يسمى العلاقة أيضا الجنسية المثلية تحت شعار الحرية والتحرر. ونحن نسأل من يشيدون بطلاق الشقاق باعتباره عندهم ممارسة لحرية زيجات كن محرومات منها عندما كان الطلاق بيد الأزواج هل وجدتم لما يقرب من ثلاثمائة ألف مطلقة أزواجا جددا لتعويضهن عن من طلقوهن أم أنهن أصبحن لقما سائغة تتربص بهن الذئاب الجائحة مهدت لهم سبل الفساد والإفساد جهات خبيثة ماكرة تستهدف مجتمعنا المسلم من خلال تدميرالأسرة نواته الصلبة وقد تغلغلت فيه بذريعة ما تلزم يه المواثيق والاتفاقيات الدولية التي هي قنوات لنشر الفساد والإفساد تحت شعار حقوق الإنسان وحرياته التي لا ضابط لها من شرع أو عقل أو قانون ؟
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
وسوم: العدد 1003