فلتراجعوا أنفسكم يا قادة حماس
لقد ترددت كثيراً قبل أن أخط هذه الكلمات!
(أتحدث من قلب مكلوم حزين على خطوة غير موفقة لأحبة لنا في طريق الدعوة والجهاد.)
وإنني لأستغرب أيّما استغراب عندما أرى بعض الإخوة الفضلاء يُدافعون عن خطيئة سياسية وشرعية وقيمية أرتكبتها قيادة حركة حماس الحالية.
وهذه الخطيئة ستكون مقدمة سيبنى عليها تطورات سلبية أقل ما يمكن تسميته بأنها فتنة بل فتن كثيرة لا يعلم نتائجها إلا الله عز وجل.
وقد زاد من دهشتي هؤلاء الذي تصدّروا منبر التبرير لهذه الخطوة غير الموفقة، والتي ستؤدي إلى الفرقة بين طاقات الأمة وبين قياداتها، ما بين مؤيد لها، أو ساكت عنها، أو رافض لها، بل حرّضت الكثير من أبناء الشعوب العربية والإسلامية، وخصوصًا تلك الشعوب المكلومة والجريحة والمشتتة، كالشعب السوري، والعراقي، واليمني، واللبناني.
ولن أنسى في معرض القول، بأن الكثير من الأحرار الذين هم أشدّ محبة مني لحماس وأكثر غيرة على نصاعة تاريخها وجهادها، وتضحياتها، وصحة مسارها... كانوا قد نصحوها سرّاً وعلانية، بل وقدّموا لها الرؤى الاستراتيجية التي تساعدهم في تقدير الموقف من الناحية السياسية والاستراتيجية، وانعكاس ذلك الموقف على مسار الحق الفلسطيني نحو التحرر من العدو الصهيوني الغاشم.
كما لابد من قراءة هذه التطورات الأخيرة وانعكاساتها على حماية الحصن السنّي من التلوّث بالمدّ الرافضي الباطني وآثاره في تلويث قيم الفكر السياسي الإسلامي ومضامين خطاب قادته، وخصوصًا أولئك الذي تورّطوا في هذا الانحراف بل الانزلاق الحضاري لما له من مآلات سلبية على الحاضنة السنية في دول الهلال الخصيب، وفي العمق الاستراتيجي له في جنوب شبه الجزيرة العربيةـ وفي الساحة اليمنية.
كم خشينا من مصطلح "محور المقاومة" أن يتحول تدريجيا إلى "محور إيراني"؟! وكنّا ننادي إخواننا بهمس المحبين لهم، والحريصين عليهم، أنتم مركز القضية الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وكل من يريد أن يساعدكم في العالم العربي والإسلامي هم محور لكم. فإذا بنا اليوم، نرى أن المركز الاستراتيجي لإدارة الفصائل الفلسطينية هو طهران، وعبر تجديد دماء النظام النصيري من بوابة دمشق، لتصبح كل من هذه التيارات الفصائلية في "محور إيران"، والتي ستنوب في الخطوط الأولى للذود عنها إذا ما هدّدها خطر عسكري. وهذا ما صرّح به رئيس الجهاد الإسلامي في برنامج المقابلة على قناة الجزيرة قبل يومين: "إن حزب الله، وحماس، والجهاد الإسلامي يشكلون رادعًا لأي عملية عسكرية إسرائيلية كبرى ضد إيران، أو أي هجوم عسكري كبير ضدها، وأن تقييم ردّ الجهاد وفقا لـ ظروف العمل العسكري وطبيعة العمل العسكري، لا يمكن اتخاذ قرارات مسبقة بشأن مسائل عسكرية بهذا النطاق ".
فهل باتت حركة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية درعا لإيران، بعدما كانت عنوانًا لمقاومة الاحتلال الصهيوني، وهي - أي حماس - التي أكدت مراراً أن العلاقة بينها وإيران لا تعدو مساحة الدعم والتمويل والتدريب المقدم لها؟! فهل أكلت حماس الطُّعم، واستمرأت تبريره وتسويغه بدلاً من تصويبه والبحث عن صوابية المسار؟!
نحن اليوم لا نتحدث من رفاهية الإحساس أو الوقت، بل من مساحة الجريح المكلوم، وواجب الأخوّة وضريبة الوقت، حتى لا نندم ولات حين مناص، ونُركز في طرحنا بعد التأسّي وأخذ الرأي والمشورة من علماء ثقات عدول عَرفنا منهم وعنهم الصدق وكلمة الحق، ونتبنى فتواهم التي رفضت هذه الخطوة غير الموفقة، وليست لديهم مصالح تجاه أي طرف بل يُحسبون الأقرب مكانةً ومساحة لدى حركة حماس نفسها.
ولعلي أحيلكم إلى كلام فضيلة العلّامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي(1)، والذي أبان جزاه الله خير الجزاء الحكم الشرعي والرأي السديد من منظور الفقه الإسلامي الذي هو القاعدة التي تبنى عليها حياتنا وعلاقاتنا، وقدّم النصيحة بلسان المحب، وصوت المُشفق قائلاً: إنه حرام! وكذلك الفقيه الشيخ د. محمد الأسطل(2)، من علماء غزّة حين أشار لفداحة هذه الخطوة السلبية على حركة حماس، وأثرها السلبي على وحدة الأمة. وكذلك د. محمد المختار الشنقيطي تحدث عن خطورة هذا التطبيع مع نظام الأسد من جوانب الأخلاق السياسية والبُعد الاستراتيجي وهو من المختصين بهذا المجال(3).
ناهيكم عن أراء الكثير من علماء الأمة الإسلامية الذين عقدوا لقاء موسعًا، مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية(4)، وقيادات حمساوية أخرى محذرين من مغبة هذه الزيارة المشؤومة من أمثال العلماء:
(الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس هيئة علماء اليمن، والشيخ أسامة الرفاعي رئيس المجلس الإسلامي السوري، والشيخ علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والشيخ عصام أحمد البشير نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والشيخ عبد الحي يوسف عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والشيخ محمد عبد الكريم الأمين العام لرابطة علماء المسلمين، والشيخ سامي الساعدي أمين عام مجلس البحوث بدار الإفتاء الليبية، والشيخ وصفي عاشور أبو زيد عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين... فقد بين هؤلاء العلماء الغيورون على وحدة الأمة خطورة هذا التقارب مع النظام النصيري المجرم في سوريا، محذرين من مغبة هذا التصرف، فضلا عن التحذيرات المتكررة لهيئة علماء فلسطين في الخارج ورئيسها الدكتور نواف التكروري، بل لو الموقف يسمح لاسترسلت وذكرت أسماء الكثير من علماء حركة حماس الرافضين لهذه الخطوة الغير موفقة ناهيك عن تحذيرات وأراء قادة وأعضاء الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني تجاه هذا التصرف المشين والذي ستكون له انعكاساته السلبية على الحركة وعلى الصف الإسلامي الفلسطيني وعلى الشارع العربي والإسلامي!
ولا زلنا نناشدهم الله أن يراجعوا نفسهم، و يجلسوا خلوة نفس بينهم وبين ذواتهم، ويضعوا الله والدار الآخرة نُصب أعينهم، وموقف السؤال أمام الله سبحانه وتعالى، وهو الذي نصرهم على عدونا وعدوهم، وأناشدهم أن يتوقفوا عن التملّق وكيل المديح المجّاني الذي لم يطلبه منهم داعموهم، إلا أني أراه خفّة بعيدة عن الرّشد.
ولأختم، فإن أخذ الإخوة في القيادة الحالية لحركة حماس النصيحة وأعادوا النّظر، فهو لحسن ظننا بهم خيرا، وإن استمروا في هذا المسار غير الموفق والبعيد عن الرشد، متجاهلين ما سبق، فإنني أخشى عليهم أن يقع بهم عقوبة الركون إلى الظالمين كما قال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ، وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ، ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}.
هدانا الله وإياكم لكل عمل خالص لوجهه الكريم، راجين قبوله يوم لا يغني عنا إلا ما قدمنا، وفقنا ووفقكم الله لما يحب ويرضى.
-المصادر-
مرفق لكم و لإخوانكم رأي:
1- العلّامة د. محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي
2- الشيخ د. محمد الأسطل
3- الدكتور محمد المختار الشنقيطي
أستاذ الأخلاقيات السياسية وتاريخ الأديان.
4- علماء مسلمون ينصحون "حماس" بمراجعة قرار استعادة العلاقة مع الأسد
وسوم: العدد 1003