مخيم اليرموك: ركن الخيبة الحزينة للاجئين

علاقة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بمخيم اليرموك، الذي انقطعت الأواصر به منذ قصفه بطائرة الميغ السورية 16/12/2012، من أجل فرض علاقة جديدة للاجئين الفلسطينيين مع وطنهم الأصلي في فلسطين، هي علاقة أبعد من الحنين وإطلاق الوعود بالعودة إليه. وهي تتكرر على مسامع المعذبين منه وقد أصبحوا شتاتا تصعب استعادته بعد تدمير نسيجه الاجتماعي والعمراني الذي ميّز المخيم ومسيرة أبنائه لأكثر من ستة عقود في إثراء حياة اللاجئين الفلسطينيين الفكرية والسياسية والنضالية.

كان يطلق عليه «خزان الثورة» الفلسطينية لكنه أصبح خزان الفاجعة وعنوان التكثيف للنكبة التي عايشها الجيل الأول وشهدها الجيل الثاني من أبناء المخيم مع تفاصيل من الرعب المسكون في صدور اللاجئين الغير قادرين على تدوين حقيقة الجرائم التي تعرض لها أبناء فلسطين، وقد أحيلت الى ملف التزوير الرسمي الذي عملت عليه أجهزة النظام السوري ومواقف بعض الفصائل الفلسطينية والسلطة والمنظمة باتخاذهم موقف الصمت والإنكار لهذه الجرائم.

عشر سنوات مرت على تهجير وتدمير مخيم اليرموك، وليس هناك ما يشير إلى أن هناك عودة حقيقية لمن تبقى من أبناء المخيم. ففي كل تسريب جديد عن مجزرة وفاجعة أصابت الفلسطينيين من مخيم اليرموك في حفر الإعدام التي أقامها جيش الأسد في محيط المخيم، أو تحت التعذيب في أقبية فرع فلسطين وبقية الفروع الأمنية، يلجأ النظام وبعض مريديه لبث دعاية سخيفة تارة للعودة للحياة فوق الركام، أو تسجيل من يرغب في تفقد منزله عند مندوب فرع فلسطين، أو دعوة من دمرت منازلهم ليقوموا بتنظيفها من ركام قصف الصواريخ بأيديهم وعلى نفقتهم، بما يذكّرهم بفرض الاحتلال على أشقائهم في فلسطين هدم بيوتهم بأيديهم.

في كل الأحوال، التفاصيل التي ظن النظام ومن يدور في فلكه بتغطيس الضحايا فيها من الممكن أن تتستر على الجرائم المرعبة والمكشوفة في «حفرة التضامن» والغير مكشوفة في فرع فلسطين والمقتصرة على تسريبات الابتزاز المتواصل لذوي الضحايا، يمكن استبدالها في نشر أخبار زائفة عن مخيم اليرموك وعودة الأهالي الى مناطق تفتقد لكل مقومات الحياة، لم تنجح في محو صور الشهداء ومقابرهم التي نبشها جيش الأسد مع المحتل الروسي، للبحث عن جثة أسيرصهيوني سلم برعاية روسية.

تداول سيرة مخيم اليرموك، كحالة وجدانية في الذاكرة الفلسطينية، دون الاقتراب من حفر الإعدام ونبش مقابر الشهداء، ودون أي ذكر لفرع فلسطين، وتجاهل مئات الضحايا الذين أزهقت أرواحهم بدم بارد، ودون السؤال عن مصير آلاف المعتقلين والبحث عن جرائم اغتصاب نساء فلسطين، والمطالبة بالمحاسبة والقصاص، فتلك سيرة الخذلان التي اشتكى منها الضحايا وذووهم من العباءة الفلسطينية التي تلحفوا بها، والتي استبدلت عناوين الاحتفاء بمناسباتهم الوطنية داخل المخيم، الى عقدها عند رموز النظام السوري، فمشاهد وأخبار بعض القيادات الفلسطينية في زياراتها لرأس النظام وأركانه، والمؤكدة على تطهير وتنظيف النظام من جرائمه بحق أبناء فلسطين من اللاجئين لم تتوقف لا في قصر الأسد، ولا في مقرات حكومته التي يهرول ممثلو الفصائل في كل مناسبة للتأكيد على «الطهار ة» التي يتمتع بها النظام ومقاومته لمباركة ما قام به جيش الأسد من دحر «للمؤامرة» التي كان أحد عناوينها مخيم اليرموك وأبناؤه وشهداء فلسطين الذين استخدموا كساتر إخفاء لجثث فرع فلسطين وتزييف لكل حقيقة تتصل بمعاناة اللاجئين مما وقع عليهم من عسف وجرائم ارتكبها نظام الأسد من قصف المخيم الى حصاره وتدميره والسطو على ما تركه اللاجئون من أثرٍ خلفهم.

نجح النظام السوري في توفير كل مقومات الجريمة ضد اليرموك، وجند أبواقا فلسطينية تمتهن التزوير، وشكلت بعض النخب الفلسطينية في هذا المضمار طفرة أخرى متميزة في الدفاع عن جرائم النظام في مخيم اليرموك وفي سوريا، بعد عقد من انهيار كل الشعارات التي تسلح بها الأسد عن فلسطين والمقاومة، رغم فجاجة الحقيقة ورعب الصورة، يبقى الاقتلاع الحزين للحقيقة بأدوات فلسطينية مخيبا للآمال، ويضعف قوة الحق الفلسطيني في مواجهة المحتل الإسرائيلي وتزييفه. والكلام عن هذا الركن في الخيبات لا يفي مخيم اليرموك واللاجئين الضحايا حقهم لكنه يبقى شاهدا أصيلا على انهيار لن ترممه الشعارات مهما تفخمت.