منذ متى كان الاحتجاج “ثورياً” وطلباً للمساواة في دولة أبرتهايد؟
لم أذهب أمس إلى الميدان أو إلى شارع كابلان للمشاركة في المظاهرات، ولم تحملني رجلاي إلى هناك، ومنعني قلبي من المشاركة في الاحتجاج الذي هو محق في أساسه، لكنه ليس احتجاجي أنا. المظاهرة النقية القومية، يهودية تماماً في دولة ثنائية القومية، لا يمكن أن تكون مظاهرة شخص يبحث عن الحرية أو العدالة، وهي كلمات المفتاح لهذا الاحتجاج، لكنها كلمات جوفاء.
يعدّ الحديث عن “الحرية والمساواة وجودة الحكم” لمنظمي المظاهرة الواحدة حديثاً أجوف، والأجوف من ذلك هو الحديث عن “نحن نحارب من أجل الديمقراطية” في مقر النضال الآخر. لا توجد ولا يمكن أن تكون “حرية وعدالة وجودة حكم” في دولة أبرتهايد و”نحن نحارب من أجل الديمقراطية” إذا كانوا يغضون النظر عن الأبرتهايد. بعض اليهود في هذه البلاد يغضبون الآن بسبب الخطر الحقيقي الذي يهدد بحقوقهم وحريتهم. من الجيد أنهم عادوا إلى الحياة والعمل المدني، لكن حتى بعد قمع حقوقهم وحريتهم، فهي من نصيب ذوي الامتيازات في التفوق اليهودي المتأصل. الذين يوافقون على ذلك بالأقوال أو بالصمت يحملون اسم الديمقراطية عبثاً، والذين يصمتون على ذلك إنما يسكتون عن الأبرتهايد. مستحيل المشاركة في هذه المظاهرات المنافقة.
بحر الأزرق – أبيض ليس إلا خطوة اعتذارية وشعور بالذنب أمام اليمين الذي شكك في إخلاص ووطنية هذا المعسكر. نحن صهاينة، ولذلك نحن مخلصون، هكذا يحاول المتظاهرون. يمكن للفلسطينيين وعرب إسرائيل الانتظار إلى حين إنهاء الأمور فيما بيننا. محظور الخلط وكأن عدم الخلط أمر ممكن. مرة أخرى يسقط الوسط واليسار كضحية أمام اتهامات اليمين. مرة أخرى، يقوم هذا المعسكر بإبعاد الفلسطينيين وعلمهم بدرجة لا تقل عن اليمين. كيف يمكن المشاركة في مثل هذه المظاهرة؟ لا يمكن أن تكون هناك مظاهرة من أجل الديمقراطية والمساواة والحرية، حتى من أجل جودة الحكم، بتركيبة أبرتهايد في دولة إبرتهايد.
تم اختيار العلم ليكون رمزاً؛ لأن هذا الاحتجاج صهيوني. ولكن لا يمكن أن تكون هناك مظاهرة صهيونية من أجل الديمقراطية ثم تكون مظاهرة عادلة. الأيديولوجيا التي نقشت على رايتها “تفوق شعب على شعب آخر” لن تقدم مواعظ بالعدالة إلى أن تغير أساسها الأيديولوجي. نجمة داود تغرق وبحق، كما أدهشنا ملحق “هآرتس” فيما عرضه أول أمس على الغلاف، لكن هذا الغرق لا يمكن منعه ما دام العلم ليس سوى علم أحد الشعبين.
الدماء الفلسطينية تسفك في الفترة الأخيرة مثل المياه. لا يمر يوم إلا ويقتل فيه فلسطيني عبثاً: حاول معلم رياضة إنقاذ مصاب في ساحة بيته؛ وحاول والدان الدفاع عن أولادهما، وفتى فلسطيني ابن 14، كل ذلك في أسبوع واحد. كيف يمكن لاحتجاج أن يتجاهل ذلك وكأنه لم يحدث، وكأن هذه الدماء مياه، والمياه أمطار بركة، وكأنه ليس لذلك أي علاقة بصورة النظام. تخيلوا عمليات يومية ضد اليهود، هل كان الاحتجاج سيتجاهل ذلك؟ الاحتلال بعيد عن الانتهاء؛ فقد تحول إلى ذبابة مزعجة يجب إسكاتها. ومن يذكرونه يتم اعتبارهم مزعجين. يجب إبعاد هؤلاء، وحتى اليسار الصهيوني سئم منهم.
شعار “سنوقف الثورة النظامية” إعلان مثير للشفقة، وكأنه مأخوذ من الثورة الفرنسية. ولكن لن تكون أي ثورة في إسرائيل إذا استمرت في كونها دولة أبرتهايد. وحتى لو تحققت طلبات المتظاهرين وتم حمل المحكمة العليا على الأكتاف وأصبح المستشار القانوني للحكومة مبجلاً من قبل الشعب وتم ضبط السلطة التنفيذية كما ينبغي، ستبقى عندنا دولة أبرتهايد. إذا كان الأمر هكذا فمن أجل ماذا الاحتجاج؟ من أجل الاستمتاع والتسلي بمقولة “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” مرة أخرى.
وسوم: العدد 1016