الانفتاح العربي نعمة للنظام ونقمة على سوريا
قلنا بعد دقائق من وقوع الزلزال في سوريا إن هذا الحدث الجلل جاء وبالاً على ملايين السوريين في الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام ووبالاً أيضاً حتى على مناطق النظام التي تعرضت لهزات أرضية، فالسوريون اليوم معارضين ومؤيدين تحت التحت أصلاً معيشياً، وإن الزلزال أتى ليزيدهم معاناة وبؤساً وعذاباً، بينما نزل الزلزال فعلاً برداً وسلاماً على النظام الحاكم في دمشق، فتنفس الصعداء وقال في سره مرات ومرات: جاء الفرج جاء الفرج، لا عجب إذاً أن بشار وزوجته كانا يوزعان ابتسامات عريضة للغاية وهما يزوران المناطق المنكوبة في حلب، واستغلا الفرصة لأخذ السلفي والدمار خلفي، لأنهما كانا يعرفان أنه بحجة الزلزال سيهرع الكثير من العرب باتجاه دمشق بحجة إغاثة المنكوبين السوريين، بينما في الواقع آخر ما يهمهم كارثة الزلزال التي حلّت بالشعب السوري، وهم يعلمون علم اليقين أن الخراب والدمار والركام الذي خلفته همجية بشار وزمرته في سوريا أكبر من آثار الزلزال الأخير بمئات المرات. ولو كان العرب الذين توافدوا على دمشق في الأيام الماضية يهمهم الشعب السوري فعلاً ويتعاطفون معه لكانوا ساعدوه على مدى اثني عشر عاماً من أسوأ الأعوام التي مرت على سوريا في تاريخها، إن لم نقل أسوأها على الإطلاق.
مع كل ذلك مغفل من يعتقد أن هذا التعاطف العربي الزائف مع النظام في دمشق، سواء كان بقرارات ذاتية أو بأوامر أمريكية وإسرائيلية، يمكن أن يحدث فرقاً على الساحة السورية. صحيح أنه مفيد ومريح إعلامياً مؤقتاً للزمرة الحاكمة التي تسلي نفسها بزيارات عربية لا تسمن ولا تغني من جوع، لكن الزمرة تعلم علم اليقين أن الغريق لا يمكن أن ينقذ الغريق، وأن الخرق في سوريا اتسع ليس فقط على الراقع، بل اتسع على كل الراقعين مجتمعين. ماذا يمكن أن يقدم هؤلاء الذين يريدون أن يعيدوا النظام المنبوذ إلى الحضن العربي، وحتى لو كان ذلك بضوء أخضر أمريكي؟ وماذا في الحضن العربي أصلاً غير البؤس والضياع؟ أليس من المضحك جداً أن نسمع رئيس ما يسمى بـ «مؤتمر البرلمانات العربية» محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي وهو يقول إنه يريد أن يعيد سوريا إلى حضنها العربي؟ تصوروا أن الحلبوسي القابع أصلاً في الحضن الإيراني يتحدث بالعروبة والقومية. تصوروا أنه هو نفسه قال أكثر من مرة إنه لا يستطيع الذهاب إلى منطقة جرف الصخر السنية في العراق التي قام الحرس الثوري بتهجير أهلها قبل ثمان سنوات، «لأن المنطقة تُدار من قبل جهة أقوى مني» هذا العاجز هو نفسه يذهب إلى دمشق ليفك الحصار عنها. قمة المهزلة.
رؤساء ما يسمى بالبرلمانات العربية الذين ذهبوا إلى سوريا كممثلين مزعومين للشعوب العربية، يمثلون الشعوب تماماً كما أنا أمثل شعب بوركينا فاسو، ولا قيمة لهم مطلقاً في الشارع العربي الحقيقي، وهم مجرد مأمورين أصلاً، وكان بشار نفسه قال عنهم من قبل إنهم «أشباه رجال» واليوم هؤلاء «الأشباه» يأتون لإعادة تدوير «شبيههم».
فليهرع كل هؤلاء لعناق حاكم الشام. إنه باختصار تحالف الدكتاتوريين. التم المتعوس على خايب الرجا. معظمكم يقود دولاً فاشلة وشعوباً جائعة وبلداناً انهارت أو على وشك الانهيار. والغريق لا يمكن أن ينقذ الغريق. بالمناسبة كل هذا الدعم لبشار بحجة الزلزال لا تساوي قشرة بصل لدى الشعب السوري المسحوق (للعلم البصل اليوم في سوريا صار مثل الذهب لندرته وارتفاع سعره) تصوروا أن أنظمة لا تستطيع أن تؤمن لقمة الخبز لشعوبها تأتي لدعم سوريا.
والمصيبة أن الوفد الذي زار بشار قادم من دول اليوم مقبلة على ثورات جياع بكل معنى الكلمة، دول تتسول من الدول الغربية والخليجية وبكل وقاحة، يزعمون بأنهم يريدون مساعدة سوريا. تصوروا أن لبنان المنهار تماماً ولا يستطيع أن يدفع رواتب جيشه وشرطته أرسل وفداً لسوريا ليدعم نظام الأسد في وجه المؤامرة الأمريكية. قمة الكوميديا السوداء.
حتى السوريون في الداخل لا يعلقون أية آمال على هذه الاستعراضات العربية الفارغة، ويقولون: «بلوها وانقعوها واشربوا ميتها. نحن في الداخل نموت ألف مرة يومياً من الظلم والفقر والجوع والغلاء. وكل هذه الزيارات لا تعنينا نحن السوريين ولا توفر لنا لقمة خبز حاف، إلا إذا كانت مقدمة لمشروع إعادة إعمار وسلام حقيقي. صحيح أن بشار قد يستفيد منها إعلامياً، لكن الوضع السوري الكارثي لا يمكن أن تعالجه بعواطف وشعارات وخطابات عربية جربناها عشرات المرات على مدى عقود. الجرح السوري أعمق ألف مرة من أن تعالجه «بشوية» تصريحات زائفة وزيارات استعراضية تحاول تضميد الألم السوري التاريخي بكل ما فيه من صديد وقيح، وتركه يتعفن لعقود قادمة. وبالتالي فإن أي تطبيع عربي مع سوريا غير مدعوم بعشرات المليارات من الدولارات كدفعة اولى، ثم مئات المليارات لاحقاً، لا قيمة له مطلقاً. وللعلم فإن سوريا حسب التقديرات الدولية تحتاج 800 مليار، ولو خفضنا المبلغ إلى 100 مليار فقط، فمن سيدفع هذا المبلغ؟ بالأمس أودعت السعودية ملياراً فقط كوديعة في البنك اليمني فكان الخبر حديث العالم، فمن سيدفع لسوريا مئات المليارات المطلوبة؟ كما تعلمون السعودية لديها سفارة في لبنان، لكن لبنان منهار ومفلس، إذاً ما قيمة التقارب العربي من دمشق من دون مليارات؟ سيكون الوضع كوضع لبنان تطبيع سياسي ودبلوماسي لا يسمن ولا يغني من جوع.
ماذا يستفيد المواطن السوري في الداخل من علاقات عربية طبيعية مع النظام وهو لا يستطيع شراء بصلة؟ ما فائدة التقارب العربي إذا كان الوضع لا يسمح لملايين اللاجئين بالعودة إلى سوريا؟ هل يا ترى من أوصلوا بلدنا إلى هنا يمكن أن ينقذوه؟ هل سيكون الانفتاح العربي نعمة للنظام ونقمة على سوريا؟
وسوم: العدد 1022