المسؤولية الجنائية للقادة العسكريين
جميل عودة
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
جاء في أحكام محكمة نورمبرغ (أن الأشخاص الطبيعيين وحدهم الذين يرتكبون الجرائم وليس الكائنات النظرية المجردة، ولا يمكن كفالة تنفيذ احترام نصوص القانون الدولي إلا بعقاب الأفراد الطبيعيين المرتكبين لهذه الجرائم).
وفي هذا السياق، قال ممثل الادعاء في محكمة نورمبرغ أيضا (المتصور بأن الدولة قد ترتكب جرائم هو من قبيل الوهم أو الخيال، فالجرائم ترتكب دائما من الأشخاص الطبيعيين فقط، بينما الصحيح أن يستخدم الوهم أو الخيال في مسؤولية دولة أو مجتمع في سبيل فرض مسؤولية مشتركة أو جماعية... وأن أيا من المتهمين المحالين للمحاكمة لا يمكنه أن يحتمي خلف أوامر رؤسائه ولا خلف الفقه الذي يعتبر هذه الجرائم أعمال دولة....).
وعليه، ومنذ ذلك الوقت، اعترف القانون الدولي بمسؤولية الفرد عن الأفعال التي يرتكبها وتهدد المصالح العالمية الشاملة وتعرض المجتمع الدولي للخطر، وأصبحت المسؤولية الجنائية للفرد عن الجريمة الدولية مستقرة، وتعد مبدأ من مبادئ القانون الدولي المعاصر.
وقد أكدت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية هذا المبدأ، ومن ذلك ما ورد في المادة (29) من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 م والتي نصت على أن (طرف النزاع الذي يكون تحت سلطته أشخاص محميون مسؤول عن المعاملة التي يلاقونها من ممثلية، بغض النظر عن المسؤولية الشخصية التي من الممكن أن يتعرض لها).
كما نصت على ذلك المادة (25) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية التي ورد فيها (1- يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين عملاً بهذا النظام الأساسي. 2- الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسؤولا عنها بصفته الفردية وعرضه للعقاب وفقاً لهذا النظام الأساسي. 3- وفقاً لهذا النظام الأساسي، يسأل الشخص جنائياً ويكون عرضه للعقاب عن أية جريمة في اختصاص المحكمة حال قيام هذا الشخص بما يلي:
أ- ارتكاب هذه الجريمة سواء بصفته الفردية أو بالاشتراك مع أخر أو عن طريق شخص آخر. بغض النظر عما إذا كان ذلك الآخر مسؤولاً جنائياً.
ب- الأمر أو الإغراء بارتكاب أو الحث على ارتكاب جريمة وقعت بالفعل أو شرع فيها.
ج- تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل آخر لغرض تيسير ارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها، بما في ذلك توفير وسائل ارتكابها.
د- المساهمة بأي طريقة أخرى في قيام جماعة من الأشخاص، يعملون بقصد مشترك، بارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها، على أن تكون هذه المساهمة متعمدة....).
بناء على ما تقدم من نصوص دولية، هل يتحمل القادة العسكريون في نظام حزب البعث المسؤولية الجنائية عن الجرائم التي ارتكبوها إبان حكم البعث قبل 2003 أم أن القادة العسكريين مجرد أداة بيد النظام ولا يملكون سلطة الرفض، وبالتالي لا يجب أن يحاسبوا جنائيا؟
وماذا عن أحكام المحكمة الجنائية العليا، هل يمكن تخفيف الأحكام الصادرة بحق المدانين البعثيين ومنهم العسكريون من الإعدام إلى عقوبة السجن المؤبد أو ما شابه. فهناك –مثلا- من يقول إن "سلطان هاشم" وزير الدفاع في عهد صدام حسين، كان رجلا عسكريا محترفا، وهو ليس رجل سياسة، وكان يؤدي واجبه في الدفاع عن العراق بحكم مهنته. ويضيف "لا ينبغي لشخصية مهنية وغير سياسية أن تعاقب على" أخطاء النظام" السابق؟.
ليس هذا فحسب، بل طالب إئتلاف العراقية الحرة، بإصدار عفو عن وزير الدفاع الأسبق الفريق سلطان هاشم ومساعد رئيس الأركان الأسبق حسين رشيد، وإطلاق سراح القادة العسكريين في الجيش العراقي السابق على الفور. وقال رئيس الإئتلاف قتيبة الجبوري في بيان تلقت وكالة أنباء المستقبل نسخة منه:" في ظل متطلبات المرحلة الحالية التي تستوجب من الجميع نشر ثقافة التسامح ونسيان خلافات الماضي والبدء بصفحة جديدة نركز فيها على النهضة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نرى أن التطبيق العملي لثقافة التسامح يجب أن يبدأ من خلال إيقاف تنفيذ أحكام الإعدام بحق وزير الدفاع الأسبق الفريق الركن سلطان هاشم ومساعد رئيس الأركان الأسبق حسين رشيد والقادة العسكريين في الجيش العراقي السابق، وإطلاق سراحهم على الفور".
وأضاف" إن هؤلاء القادة العسكريون لم يكونوا أصحاب القرار في زمن النظام السابق، فهؤلاء قادة عسكريون تخرجوا من الكلية العسكرية وتدرجوا في الرتب والمناصب وحصلوا على شهادات الأركان واضعين نصب أعينهم هدفا واحدا هو خدمة العراق وليس خدمة شخص معين، كما إن العديد من الضباط في الجيش الحالي سبق لهم أن عملوا تحت إمرة الفريق الركن سلطان هاشم والفريق الركن حسين رشيد ويكنون لهم كل الإحترام والتقدير، فالرتبة العسكرية لها احترامها وهيبتها بعيدا عن السياسة".
وبين" إن الدول الناشئة الساعية لبناء نفسها وتطوير اقتصادها وبنيتها التحتية وتحقيق نهضة في جميع المجالات لابد لها أن تبتعد عن الإنشغال بأمور باتت من الماضي، إذ يجب أن تتفرغ لبناء المستقبل المشرق لأبنائها، ومن هنا نطالب الجهات المعنية بالعمل الجاد على إطلاق سراح الفريق الركن سلطان هاشم والفريق الركن حسين رشيد والقادة العسكريين في الجيش العراقي السابق، ولنعمل بمبدأ عفا الله عما سلف".انتهى
مسؤولية القائد العسكري في القانون الجنائي الدولي
فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية، فقد عدد النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية في الفقرة (ج) من المادة الثامنة منه الانتهاكات التي تشكل جرائم حرب، وهي الانتهاكات الجسيمة للمادة (3) المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع ضد أشخاص في 12/أب/1949م. ومنها على سبيل المثال (1-استعمال العنف ضد الحياة والأشخاص، وبخاصة القتل بجميع أنواعه، والتشويه والمعاملة القاسية، والتعذيب. 2- الاعتداء على كرامة الشخص، وبخاصة المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة. 3- اخذ الرهائن. 4-إصدار أحكام وتنفيذ إعدامات دون وجود حكم سابق صادر عن حكامه مشكلة تشكيلاً نظامياً تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف عموماً بأنه لا غنى عنها).
وكل من يرتكب هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق المدنيين يتحمل المسؤولية الجنائية، سواء كان مدنيا أو عسكريا. فقد نصت المادة (28) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17تموز/ يوليه1998 م أنه (بالإضافة إلى ما هو منصوص عليه في هذا النظام الأساسي من أسباب أخرى للمسئولية الجنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة:
1- يكون القائد العسكري أو الشخص القائم فعلا بأعمال القائد العسكري مسؤولا مسؤولية جنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب قوات تخضع لإمرته وسيطرته الفعليتين، أو تخضع لسلطته وسيطرته على هذه القوات ممارسة سليمة:
أ- إذا كان القائد العسكري أو الشخص قد علم، او يفترض ان يكون قد علم، بسبب الظروف السائدة في ذلك الحين، بان القوات ترتكب أو تكون على وشك ارتكاب هذه الجرائم.
ب- إذا لم يتخذ ذلك القائد العسكري أو الشخص جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع او قمع ارتكاب هذه الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة.
2- فيما يتصل بعلاقة الرئيس والمرؤوس غير الوارد وصفها في الفقرة 1، يسأل الرئيس جنائيا عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب مرؤوسين يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين نتيجة لعدم ممارسته على هؤلاء المرؤوسين ممارسة سليمة:
أ- إذا كان الرئيس قد علم أو تجاهل عن وعي أي معلومات تبين بوضوح إن مرؤوسيه يرتكبون أو على وشك أن يرتكبوا هذه الجرائم.
ب- إذا تعلقت الجرائم بأنشطة تندرج في إطار المسؤولية والسيطرة الفعليتين للرئيس.
ج- إذا لم يتخذ الرئيس جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة.
وهذا يعني أن رئيس الدولة، أو القائد العسكري أو القائم بأعمالهم يكون مسؤولا جنائيا عن الجرائم التي تدخل في نطاق اختصاص المحكمة الدولية الجنائية، والمرتكبة من جانب القوات التي تخضع لآمرة هؤلاء وسيطرتهم.
مسؤولية القائد العسكري في القانون الجنائي الوطني
أما من ناحية القانون الجنائي الوطني، فقد نص المشرع العراقي في المادة (40) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 على (لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أو شخص مكلف بخدمة عامة في الحالات التالية: أولاً: إذا قام بسلامة نية بفعل تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو اعتقد إن إجراؤه من اختصاصه. ثانياً: إذا وقع الفعل منه تنفيذ لأمر صادر من رئيس تجب عليه طاعته أو اعتقد إن طاعته واجبه عليه.
يقول خالد محمد خالد في بحثه الموسوم بـ(مسؤولية الرؤساء والقادة أمام المحكمة الدولية الجنائية (يتضح من هذا النص انه تضمن حالتين يكون عمل الموظف فيها مباحاً هما. الحالة الأولى: تنفيذ أمر القانون، والحالة الثانية: تنفيذ أمر الرئيس.
- الأولى: عبر المشرع العراقي عنها بقوله (اذا قام بسلامة نية بفعل تنفيذاً لما أمرته القوانين...) وهنا يعد العمل قانونياً اذا أتاه الموظف وكان ضمن اختصاصه ولا جناح عليه حتى لو نتج عن هذا العمل ضرر، إذ انه يكسب صفة المشروعية من القانون مباشرة، كحالة الجلاد الذي يقوم بتنفيذ عقوبة الإعدام، فلا يكون والحال هذه مرتكباً لجريمة القتل. وحالة تفتيش دار متهم بعد استحصال أمر بالتفتيش.
ويشترط في هذه الحالة ان يكون هذا العمل بسلامة نية وفي الحدود التي يجيزها القانون، فإذا قصد الموظف من تنفيذ أمر القانون تحقيق أغراض ومآرب أخرى بعيدة عن الصالح العام كاستهداف مصلحة شخصية، فان المسؤولية تترتب عليه لفعله هذا ولا تتحقق الإباحة.
-الثانية: وهي حالة تنفيذ الأمر الصادر من رئيس تجب طاعته أو يعتقد أن طاعته واجبة، وهو ما اشترطته المادة (40) من قانون العقوبات لتحقيق إعفاء الموظف من المسؤولية ما يلي:
1- حسن النية: يقصد بحسن النية أن لا يكون الموظف قد تعمد إخفاء قصد سيء تحت ستار تنفيذه للأمر الصادر إليه عن رئيسه، وحسن النية هذا يتحقق باعتقاد المرؤوس ان إطاعة رئيسه واجبه أو اعتقاد ان من وجه إليه الأمر شخص ملزم بإطاعته وتنفيذ أوامره.
ومن الجدير بالذكر هنا انه لا يقبل الدفع بحسن نية المتهم واعتقاده مشروعية الأمر الذي ينفذه، متى كانت عدم المشروعية واضحة أو مفضوحة، وكان الإجرام بادياً، فلا يقبل من عضو الضبط القضائي الذي يعذب معتقلاً لحمله على الاعتراف أن يدفع بأنه ينفذ أمر رئيسه.
2- الاعتقاد بمشروعية الفعل: لا يكفي أن يكون الموظف حسن النية لرفع مسؤولية الجنائية، فحسن النية المجرد لا قيمة له قانوناً، وإنما يجب أن تكون الظروف التي صدر فيها الأمر وأحاطت بالموظف تحمله على اعتقاد مشروعية الأمر وتجعله يعتقد إن الأمر الصادر إليه تجب طاعته أو أن الشخص الذي وجه الأمر رئيس تجب طاعته.
3- التثبت والتحري: استلزم نص المادة (40) لإعفاء الموظف من المسؤولية، ان يتحرى عن مشروعية الأمر وان يتخذ الحيطة والحذر عند تنفيذه، فمن واجب المرؤوس مثلاً ملاحظة ما اذا كان الرئيس مختصاً في إصدار هذا الأمر، وعليه أن يمتنع عن التنفيذ إذا تبين له عدم اختصاصه أو كان الأمر يشكل مخالفة ظاهرة للقانون أو يضر بالمصلحة العامة ضرراً جسيماً.
غير ان واجب التثبيت والتحري يدعو إلى التساؤل: هل من حق الموظف المرؤوس ان يفحص أمر رئيسه، ليقدر ما اذا كان مشوباً بعيب يجعله غير مشروع وغير قابل للتنفيذ؟
يرى الفقه انه متى كان العيب في أمر الرئيس ظاهراً، فانه لا يمكن للمرؤوس ان يدفع المسؤولية عن نفسه، ويعاقب متى قام بتنفيذه، لكن متى كان العيب غير ظاهر، ولا يستطيع المرؤوس كشفه رغم قيامه بالتثبت والتحري، كان المرؤوس ملزماً بتنفيذه، ويعفى من المسؤولية اذا ثبت بعد ذلك انه نفذ أمراً معيباً.
ومن المعروف أن أمر الرئيس يكون واضحاً في عدم مشروعيته اذا كان متضمناً ارتكاب جريمة، اذ لا يجوز للمرؤوس ان ينفذ هذا الأمر، لان طاعة الرؤساء لا ينبغي ان تكون جريمة. وعلى عاتق المرؤوس يقع عبء إثبات ما يدعيه من ان الأمر كان صادراً عن رئيس مختص واجب الطاعة أو انه اعتقد بناءً على أسباب معقولة ان طاعته كانت واجبه.
ومن المهم القول في هذا الخصوص إن الشريعة الإسلامية لا تفرق بخصوص الطاعة بين العسكريين والمدنيين، فهي تحرم الامتثال إلى الأمر المخالف لشريعة سواء كان الأمر عسكرياً أو مدنياً في وقت الحرب أو السلم، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
أحكام المحكمة الجنائية العراقية العليا بحق العسكريين العراقيين الجناة
بصدور قانون المحكمة الجنائية العليا الذي أقرته الجمعية الوطنية طبقاً للفقرتين (أ) و (ب) من المادة الثالثة والثلاثين والمادة السابعة والثلاثين من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، والمنشور في جريدة الوقائع العراقية العدد 4006 في 18/10/2005، أصبح هذا القانون اعتبارا من تاريخ نشره نافذاً وملزماً.
وقد حدد قانون ولايتها حصراً في الجرائم التالية: 1- جريمة الإبادة الجماعية.2- الجرائم ضد الإنسانية. 3- جرائم الحرب.4- انتهاكات القوانين المتمثلة بالتدخل في شؤون القضاء أو محاولة التأثير في أعماله وهدر الثروة الوطنية وتبديدها وسوء استخدام المنصب والسعي وراء السياسات التي تؤدي إلى التهديد بالحرب أو استخدام القوات المسلحة العراقية ضد دولة عربية. وقد نص الدستور العراقي الدائم في المادة 134) تستمر المحكمة الجنائية العراقية العليا بأعمالها بوصفها هيئةً قضائية مستقلة، بالنظر في جرائم النظام الدكتاتوري البائد ورموزه، ولمجلس النواب الغاؤها بقانونٍ، بعد إكمال أعمالها).
ونتيجة لذلك، أصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا عدد من أحكام الإعدام، منها ما نفذ كما هو الحال في تنفيذ حكم الإعدام بحق صدام حسين وأخويه، وعدد من رموز البعث المجرمين مثل طه ياسين وعواد البندر، ولكن هناك العديد من الأحكام لم تنفذ بعد، كما هو الحال بالمجرم سلطان احمد هاشم وزير الدفاع زمن النظام البائد.
وقد أوضح قضاة المحكمة الجنائية العراقية العليا أن الجرائم التي حوكم على أساسها المتهمون من أركان النظام البائد تعتبر من الجرائم الدولية التي يُعاقب عليها الأشخاص بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو مناصبهم الحكومية، وأن أحكام وقوانين المحكمة الجنائية التي تحاكم أركان النظام السابق أتت بناء على ما جاء في اتفاقية جنيف التي صادق عليها النظام السابق نفسه، وأن الأحكام التي صدرت بحق أركان النظام السابق متفق عليها دوليا، وخاصةً ما يتعلق بإقامة العدل وحماية الأشخاص الخاضعين للإحتجاز أو السجن وضمان عدم تعرضهم للتعذيب أو للمعاملة الحاطة بالكرامة الإنسانية..
وتتميز الأحكام الصادرة عن المحكمة الجنائية مثلها مثل الأحكام الصادرة عن المحاكم الجنائية الدولية بانها غير قابلة للتخفيف أو الإعفاء. فقد نصت المادة (27/الفقرة ثانياً) من قانون المحكمة التي نصت على ما يلي: - (لا يجوز لأي جهة كانت بما في ذلك رئيس الجمهورية إعفاء أو تخفيف العقوبات الصادرة من هذه المحكمة وتكون واجبة التنفيذ بمرور "30" ثلاثين يوماً من تأريخ إكتساب الحكم أو القرار درجة البتات)
النتائج والتوصيات
ومن هذا نخلص إلى النتائج الآتية:
1- يجب على الرؤساء والقادة العسكريين الامتثال إلى أحكام القانون، مثلما يجب على السلطات الأخرى في الدولة احترام القانون والامتثال إلى أحكامه، فالسلطة التشريعية تخضع إلى القانون الدستوري الذي يبين حدود اختصاصها وسلطاتهم، والسلطة التنفيذية تخضع لأحكام القانون ولا تخالفه أو تخرج عليه، كما تلتزم السلطة القضائية بتطبيق أحكام القانون على المنازعات المعروضة أمامها وتتقيد بحدوده وضوابطه.
2- وعليه، فان الرؤساء والقادة العسكريين يفقدون سلطاتهم وصفة الإلزام التي تتمتع بها أوامرهم، إذا انحرفوا عن القانون ولم يلتزموا بأحكامه، فتصبح أعمالهم غير مشروعة، وتكون عرضه للطعن فيها والغائها.
3- لذلك يجب على القائد في الميدان ليس فقط الامتناع عن ارتكاب الانتهاكات الجسيمة بل عليه الواجبات التالية وفقا للمادة 87 من الملحق (البروتوكول الأول):
أ- منع الانتهاكات الواردة في اتفاقيات جنيف الأربع ولهذا الملحق (البروتوكول).
ب -قمع هذه الانتهاكات وإبلاغها إلى السلطات المختصة وهي الشرطة العسكرية والقضاء العسكري فيما يتعلق بأفراد القوات المسلحة الذين يعملون تحت إمرته وغيرهم ممن يعملون تحت إشرافه.
ج- التأكد من أن أفراد القوات الذين يعملون تحت إمرته على بينة من التزاماتهم كما تنص عليها الاتفاقيات وهذا الملحق (البروتوكول) وذلك بغية منع وقمع الانتهاكات.
د- أن يكون على بينة أن بعض مرؤوسيه أو أي أشخاص آخرين خاضعين لسلطته على وشك أن يقترفوا انتهاكات للاتفاقيات أو لهذا الملحق (البروتوكول) وأن يطبق الإجراءات اللازمة ليمنع مثل هذا الخرق للاتفاقيات أو لهذا الملحق (البروتوكول).
هـ- أن يتخذ عندما يكون ذلك مناسبا إجراءات تأديبية أو جنائية ضد هذه الانتهاكات.
4- ان أحكام المحكمة الجنائية العراقية ملزمة التنفيذ ولا يجوز التهاون بها، ولا تسقط بالتقادم كون الجرائم التي خضعت لسلطة المحكمة من جرائم الإبادة الجماعية، ولا يجوز مطلقاً تخفيف العقوبات والأحكام والعفو عنها كلياً أو جزئياً.
5- لا يجوز على أي نحو من الأنحاء التضحية بالعدالة باسم المصالحة الوطنية، أو باسم التسامح، كما أن إعفاء الضباط المدانين يعني براءة كل العسكريين الذين ضربوا الأسلحة الكيماوية وارتكبوا جرائم المقابر الجماعية، وهذا ما نرفضه ؛ لان مثل هذا القول يلحق غبنا فاحشا بضحايا البعث.
6- يجب العمل على ملاحقة هؤلاء الذين يعلنون صراحة مساندتهم لهؤلاء المجرمين الذين كانوا أدوات قاتلة ومارسوا كل أساليب القتل والاضطهاد ضد العراقيين وعاثوا في الأرض فسادا، وعلى من يطالب بإيقاف الأحكام الصادرة بحق مجرمي البعث المقبور أن يتذكر الجرائم التي ارتكبها ضد شعبنا الكوردي في كوردستان وأبنائنا في الوسط والجنوب وعليهم أن يراعوا مشاعر عوائل الضحايا المؤنفلين.
7- وأخيرا فان وزارة العـدل مطالبة بتنفيذ الأحكام الصادرة من المحكمة الجنائية العليا بحـق وزير الدفاع السابق سلطان هاشم والآخرين من أزلام الدكتاتور المباد، وليس هناك مبرر لتأخير تنفيذ هذه الأحكام؛ لأن تحقيق العدالة فيه انصاف لذوي الشهداء وضحايا المقابر الجماعية ومجزرة حـلبجة وعمليات الأنفال السيئة الصيت وعوائل شهداء الانتفاضة الشعبانية.