الإغارة على الكبتاغون: تجرح النظام السوري أم تداويه؟
أفادت مواقع إخبارية أن مناطق على الحدود السورية ـ الأردنية وحوض اليرموك تعرضت لغارات من طيران حربي يرجح أن يكون أردنياً، استهدفت قرية خراب الشحم وتل الحارة وتل الجموع حيث يقع واحد من أكبر معامل تصنيع المخدرات وحبوب الكبتاغون. كذلك أفادت معلومات متطابقة أن أحد أبرز بارونات تهريب المخدرات قُتل وأفراد أسرته جراء قصف المنزل الذي كان يسكنه في قرية الشعاب شرق مدينة السويداء السورية.
وترجيح مسؤولية الطيران الحربي الأردني عن الغارات لا يأتي من فراغ أو من دون خلفيات معلنة، إذ كان وزير الخارجية الأردني قد اختار محطة سي إن إن الأمريكية تحديداً كي يطلق وعيداً واضحاً حول اضطرار بلده إلى اعتماد حلول عسكرية. وقال الوزير: «نحن لا نتعامل مع تهديد تهريب المخدرات باستخفاف، إذا لم نشهد إجراءات فعالة للحد من هذا التهديد، فسنقوم بما يلزم لمواجهته، بما في ذلك القيام بعمل عسكري داخل سوريا للقضاء على هذا التهديد الخطير للغاية ليس فقط في الأردن، ولكن عبره نحو دول الخليج والدول العربية الأخرى في العالم».
وكان التصريح لافتاً وغير مألوف لسبب أول هو أن الوزير الأردني تصدّر في الآونة الأخيرة معظم جهود إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية وبشّر مراراً بأن هذه العودة باتت قريبة، كما أن العاصمة الأردنية عمّان احتضنت مؤخراً اللقاء الرباعي لوزراء خارجية الأردن والسعودية والعراق ومصر مع وزير خارجية النظام السوري، وكان موضوع تهريب المخدرات من سوريا على رأس جدول أعمال الاجتماع.
فإذا صحّت مسؤولية الطيران الحربي الأردني عن الغارات الأخيرة ضدّ مواقع داخل الأراضي السورية، فإن الخلاصة المنطقية تشير إلى سلسلة احتمالات، بينها في المقام الأول ما إذا كانت عمليات القصف قد تمت انفراداً أو بتنسيق مع النظام السوري، نظراً للتداخل المعقد بين بعض كبار مراكز القوى والنفوذ في الهرم الأعلى للسلطة في سوريا من جهة، وبين صناعة المخدرات التي درّت على النظام نحو 57 مليار دولار تتجاوز بثلاثة اضعاف مجموع تجارة عصابات المخدرات المكسيكية من جهة ثانية.
ما لا يجوز إغفاله من جهة ثالثة هو أن إنتاج المخدرات وتهريبها ليس «صناعة ثقيلة» تقتصر أطرافها على ضباط الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق رأس النظام السوري، وتمرّ بشبكات مافيا الساحل السوري التي يديرها أفراد بيت السلطة من أبناء عمومة وخؤولة، بل تشترك فيها أيضاً مفارز «حزب الله» اللبناني السياسية والعسكرية وحلفائه من الميليشيات والعصائب المذهبية العراقية.
وتبقى المفارقة الصارخة متمثلة في أن الأنظمة العربية، والأردن بصفة خاصة، التي هرولت نحو إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، هي في طليعة المجتمعات المتضررة من دولة الكبتاغون التي تحول إليها نظام قتل نصف مليون مواطن سوري، وشرّد ثلث أبناء البلد على الأقل، وأسقط أكثر من 80 ألف برميل متفجر على مشافٍ ومدارس ومخيمات ومخابز، وشنّ عشرات الهجمات بأسلحة كيميائية.
ولا عجب أنّ الغارات وقعت بعد ساعات قليلة على قرار استرضاء النظام، فهل كانت تجرح أم تداوي؟
وسوم: العدد 1031