الخلافة الإسلامية ليست عقدا أبديا حتى الموت
بسم الله ... تعليق عما نشرته صفحة الوعي في صفحتها اليوم لمقال منشور سابقا حول حرمة تقييد فترة الخلافة أو حكم الحاكم المسلم بمدة معينة والمقال يرد على الكاتب محمد عابد الجابري رحمه الله
قال المعترض صاحب المقال ردا على الجابري:
ذكرنا أن الخليفة هو الذي يقود المسلمين وينفذ الأحكام الشرعية عليهم بالداخل، ويحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم الخارجي عن طريق الجهاد، وبذلك فلا مجال للقول إن "وظيفة الخليفة الأساسية هي قيادتهم في الجهاد والحروب فقط"، وكذلك لا مجال للقول بأن "عدم تحديد مدة للأمير كانت بسبب عدم معرفة كم ستدوم الحروب"، لأن الخليفة في الإسلام يستمر بعمله إذا كان قادراً على القيام بأعباء الحكم حتى يموت، فلا يوجد أي دليل شرعي يدل على تحديد مدة ولايته، لا من الكتاب ولا من السنة، وبالتالي فالحكم الشرعي يعطي للخليفة ولاية غير محددة بزمن، طالما كان يملك المقدرة على الحكم.
فهذا هو الحكم الشرعي في هذه المسألة، فيحرم تحديد مدة لحكم الخليفة من ناحية شرعية، ولا يجوز للعقل بعد ذلك أن يتدخل –محاكاةً لما عند الغرب- في هذه المسألة، ويقرر التحديد بخلاف ما قرره الشرع. علاوةً على أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على عدم إنهاء حكم عثمان t، بالرغم من وجود الفتنة، وإجماعهم هذا حكم شرعي. ومن التجني على سيدنا عثمان t القول "إن مدة ولايته طالت حتى ملَّه الناس"، فنحن لا يجوز أن ننزلق بمثل هذه الأقوال التي لا تستند إلى حجة شرعية، فضلاً عن أن قصة الفتنة اختلطت فيها الأمور، وكثرت فيها الأقاويل، والناس بشر يخطئون ويصيبون، وكل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون، فلا داعي للخوض في فتنة لم نشهدها، وعلينا أن نمسك لساننا عنها، ولا نسلط الضوء عليها فنعتبرها القاعدة ...
.........
الجواب:
بسم الله .وقع صاحب الرد هداه الله في جمود فكري تأباه الشريعة السمحة هذا الجمود الذي يقع فيه كثير من الكتاب نتيجة تعلقهم بخصوصيات لا تعلق لها بحكم شرعي أصلا بل هي وقائع تمت بناء على أصل المسألة الواقعة تحت حكم الإباحة في النظر في شكلها بعد تحقق مضمونها أو واقعة كانت تحت اجتهاد يسع الأمة من جديد كما وسعها من قديم أن تجدد الاجتهاد فيه على نحو تقرير العلماء لطريقة انعقاد الخلافة وجمودهم على الطرق التي اتفق وقوعها من غير أن يعتبر هذا دلالة على اتساع الأمر في هذا الشأن لا اختصاصه على ما كان مما لا يمنع قطعا تصور طريقة عصرية تتناسب مع العصر الذي نعيش فيه وخاصة مع ما تقدمه الحياة المعاصرة من فرص وسعة لم تكن متاحة من قبل. فالكاتب نفى مثلا أن يكون للمرجعية التاريخية أي دور في تقرير الحكم الشرعي فكان أول من خالف ما استهل مقالته في تأصيله حيث جعل من مسألة تاريخية حكما شرعيا ثابتا مطردا !
فالمرجعية التاريخية لا يصح أصلا أن يقال فيها أنها لاغية إذا كانت مرجعية إسلامية تاريخية لسببين الأول أن ما رآه المسلمون حسنا فحسن (ومن يتبع غير سبيل المومنين نوله ما تولى ) فالمومنون لا يتبعون بمجموعهم طريقة تخالف الشريعة حتى ننبذ المرجعية التاريخية من غير تقييد بمخالفة شرعية أو سبب شرعي والثاني أنه قد علم من الأصول اعتبار العادة والعرف في أمور مقيدة بقيودها فلا تعدو المرجعية التاريخية أن تكون بنفس الرتبة والحكم .
واعتراضي على صاحب المقال في اعتباره مدة الخلافة أبدية حتى الموت !!! فهو بذلك قد ضيّق واسعا وسعه الله على عباده في قوله سبحانه (وأمرهم شورى بينهم) فما تراضى عليه المسلمون في هذا الأمر كان موافقا للآية وليس في السنة ما ينفيه البته بل في سنة عمر مع ولاته ما يدل على العكس في عدم إثباتهم في مناصبهم أكثر من أربع سنين كما فعل مع أبي موسى والله أعلم رغم أن مجرد سنة عمر في هذا الخصوص لا تعتبر سنة لازمة لمن بعده بل أمر عام يسترشد به ويقدر بقدره وقد أبى علي أن يتابع سنة الخليفتين في كل أمرهما ثم إن صاحب المقال في رده على الجابري دعواه أن الناس ملّت عثمان الأمر الذي بنى عليه الجابري استحسانه لتحديد مدة للخليفة ولا ريب أن الجابري لم يصب الحقيقة في ذلك فإن الصحابة وأهل الحل والعقد منهم لم تمل عثمان وإن عاب بعضهم عليه أمورا فالعبرة للمجموع ثم حتى من عاب أمرا لم يكن يبلغ به الأمر تهويل الجابري فالجابري أصاب بعرض فكرة تحديد المدة ولم يصب في الاستدلال لها بهذا والمعارض صاحب المقال لم يأت بشيء في الدفاع عن عثمان غير العزو إلى أن هذا منزلق خطير وأن ابن آدم خطاء وأن هذه فتنة لم نشهدها مما يرجع عند التمحيص حجة عليه لا له !
ومما بنى الكاتب المعترض عليه جوابه في تحريمه ! فرض مدة للحاكم أن هذا أمر مستورد من الغرب ! وهو تأصيل باطل لاغ فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر له استخدامهم للخاتم فارتضاه واتخذ خاتما وذكر لعمر الديوان فسنه ونحو هذا كثير لمن تقصى فعلهم فليس يعني أن الغرب اعتمد نهجا أصله منصوص عليه في شريعتنا "الشورى" أن نرد النص لوصف عمل به الغرب فهذا من الشذوذ والجمود بمكان مكين
فأي شيء في شريعتنا الغراء يمنع من تحديد مدة ولاية للحاكم ؟ فقد علم من صبائع البشر وغرائزهم أن وجود المنافس أدعى وأحرى على الجد والتشمير والاستقامة وتفتق حكمة التدبير وبالمقابل فإن في إقراره حتى مماته مظنة فساد وباعث عناد وتأسيس ملك عضوض أو جبر وفتح أبواب الاضطهاد مما ليس فيه خير للعباد .والله الموفق وهو يهدي السبيل
عبد الله المنصور الشافعي
ملاحظة: لا يوجد اليوم في الناس من تتقطع الأعناق إليه كعمر بن الخطاب الذي ولاه أبو بكر حتى يُجعل مِن هذا أنموذجا لنصب الخليفة اليوم ولا مثل عثمان بن عفان الذي عهد له النبي صلى الله عليه وسلم "لعل الله يقمصك قميصا فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه" فهذه واقعة عين سارّ بها النبي عثمان لا ينبني عليها عموم حكم ولا في مثل الأصحاب الستة الذين عهد لأحدهم عمر ممن توفي النبي وهو عنهم راض حتى يجعل طريقا معتبرا لعقد الخلافة كما قال الماوردي وغيره فليأتنا الماوردي رحمه الله تعالى بست تتحقق فيهم ما في الستة لنقره على نهجه فعمر رضي الله عنه حين عهد إليهم قيد علة اختيارهم برضوان النبي عليهم فكيف يعمد إلى مثل هذا فيجعل أصلا في نصب الخليفة وشيد الولاية الكبرى ؟ وللمسألة بحث مستفيض إن يسر الله تعالى وعجل الفرج نشرته بأدلته
02/12/1013
....................
المقالة
http://www.al-waie.org/issues/207/article.php?id=7_0_3_0_C#