بعد توحيد الصفوف.. الاستراتيجية أولاً
هيثم الأشقر
كانت كلفة توحيد الصفوف بين السوريين الثائرين على الظلم باهظة الثمن، إذ بلغت أكثر من مائة وخمسين ألف شهيد وثلاثمائة ألف معاق وأكثر من نصف الشعب أصبحوا بين مشرد وسجين، إضافة إلى خسائر نفسية واجتماعية واقتصادية ودينية أكبر، وذلك خلال الأربعين عاما التي ضمت فترة حكم الأب والابن، أضف إليها عشرات السنين من الضياع بحثاً عن الهوية بين القومية والماركسية والاشتراكية، وقبلها سنون وسنون تجرعنا فيها كأس الهوان بالبعد عن الراية الواضحة ومؤسسة القيادة الرشيدة التي يقوم بأمرها زعيم تختاره نخبة الأمة.
إن حالة الضياع الفكري والعقدي أدت إلى فقدان المنظومة، مما تسبب في ضياع البوصلة وعدم الإحساس بالكرامة، فتجرأت علينا الأمم وعملاؤها من الطابور الخامس الذين لعبوا بنا بما فيه الكفاية بتنظيم وتدبير وتخطيط محكم، وبالطبع فإن من يخطط يسيطر على من لا يخطط، ومن يعش بعبثية ردهاً من الدهر يدفع الثمن غاليا ليعود إلى جادة الصواب وساحة التأثير والمشاركة.
إن العبثية التي نعيشها على الأرض في الداخل والخارج، هي نتيجة طبيعية لثقافة معينة بحاجة لتغيير(لثقافة العلاقة بين الله جل جلاله والإنسان فرداً ومجتمعاً - ثقافة التفكير – ثقافة العمل الجماعي والإدارة- ثقافة المواطنة – ثقافة الصراع الحضاري والتاريخ – الثقافة السياسية – ثقافة التخصص والعمل الجاد... إلخ )، نحن بحاجة لتحديد الاحتياجات الثقافية وفق سلم أولويات يحددها فريق من المثقفين المتخصصين عالي الكفاءة.
إن مشروع تغيير الثقافة وإعادة بنائها هو المشروع الأهم لتوحيد الصفوف بمتانة ومصداقية بعيداً عن الاضطرار الغرائزي الذي لن يصمد طويلا.
لا شك أننا فرحنا كثيراً بتوحيد بعض الألوية والكتائب، لكن فرحتنا لن تكتمل إلا بالتفاهم على المشترك وأسلوب الخلاف الحضاري الإنساني الوطني، وإصدار صحيفة وعهد على غرار صحيفة المدينة التي أقرها المصطفى صلى الله عليه وسلم والتي تمثل أرقى ما توصل إليه الإنسان، وفي الوسائل لا ننسى أن الحكمة ضالة المؤمن، فنأخذ أخر ما توصل إليه العقل البشري هنا وهناك.
إن ما تم على الأرض شيء مهم، وعلى العلماء من كل التخصصات بدء العمل فوراً وبتنسيق محكم لوضع استراتيجية ثقافية تنهض بالأمة، إذ إن الأمر لا يتعلق بقطر دون آخر، فالعاقل من اتعظ بغيره،وعلينا ألا نصدق فعالية تجزئة الأمة التي فرضتها علينا ثقافة قبول الاستعمار وإملاءاته.
في هذا المقال المختصر أدعو لتصور واضح نحو شركاء الوطن مكتوب ومقنن وأدعو أيضا لتصور واضح للعلاقات الإقليمية والدولية والقضايا الاستراتيجية والمصيرية وأدبيات العلاقة بين مختلف التخصصات وبين العامة وأهل الخبرة.
إن تراث العقل الإنساني بلغ أوجه في الكثير من القضايا، وعلينا الاستفادة من أفضلها لاحتياجاتنا، خاصة أن القواعد العامة التي قامت عليها الثقافة الإنسانية المعاصرة نحن من أنتجها وأغناها، كما أن المشتركات الإنسانية أكثر بكثير من المختلف.
إن الاهتمام بشكل الصورة التي يرسمها عنا الآخرون هنا وهناك أمر في غاية الأهمية، وعلينا الحرص على إرسال ما يعزز الصورة التي نريد، وهذا لن يكون ممكناً قبل أن نعرف نحن ماذا نريد، إن تفكير الأمم بالنيابة عنا شيء بدهي طالما أننا لا نفكر، وإذا اجتمعنا فاننا للاسف تختلف، والغريب أننا نتحدث عن مؤامرة، نعم إنها مؤامرة، لكن هل لدينا مناعة ضد المؤامرة؟ وهل لدينا رؤية تجاه المؤامرة؟ اختلفنا وتحاسدنا وتباغضنا، فوجدنا الأُنس عند من لديه استراتيجية تتضمن احتواءنا، تنافرنا ولم نتعاون فاحتاج كل منا لمن جهز ما يشترينا به، زهدنا بإخوتنا وخبرائنا وعلمائنا، فأصبحنا نحتاج خبرة من ينتظر استغلالنا، قلنا للعامة اتحدوا وتفرق علماؤنا تحت مسميات لا برامج لها، بل قال بعضهم (رابطة علماء)، وهي رسالة خاطئة لفهم الدين لأنها لا تضم علماء من كل التخصصات وقالوا (علماء) وهم ضحايا لأحزاب. فكيف نعطي رأينا بشكل علمي جامع وولائنا لجهة سياسية أو جماعة فكرية.
الحاجة ماسة لاستراتيجية عامة شاملة تتسابق الأحزاب والجماعات في تنفيذها وخدمتها، نحتاج لصحف داخلية تؤهلنا للحديث عن صحيفة المدينة،على كاتبها أفضل الصلاة والسلام.