يحدّثونك عن الإرهاب
منذ عقدين من الزمن وأكثر، لا نكاد نسمع نشرة للأخبار إلا وفيها تنديد بالإرهاب، وذِكرٌ لحادثة من حوادثه البشعة. لكن المتابع الفطِن لهذه الأخبار، لا يفوته أن يلحظ أنه حين يكون مرتكب الحادث مواطناً أمريكياً أو أوروبياً، فإن الخبر يمرّ مرور الكرام، فلا يكاد يُذكر أكثر من مرة، ولا يذكر معه: ما دينُ هذا المجرم؟ أهو يهودي أو كاثوليكي أو بروتستانتي؟. بل قد يتضمّن الخبر ذاته التماساً لعذر المجرم، فهو مختلّ عقلياً، أو مصاب بالشيزوفرينيا، أو بالإحباط... أما إن كان مرتكب الحادثة مسلماً فلا تنسى نشرة الأخبار أن تنسبه إلى منظمة إسلامية إرهابية، إما على سبيل الجزم، وإما أن يقال: ويُظَنّ أنه ينتمي إلى منظمة كذا.
ولا حاجة لدى إطلاق تهمة الإرهاب والأصولية والتطرف، على من نُسبت إليه حادثةٌ، أو كَتَبَ كلمة في "الفيسبوك" لا تُرضي الأسياد، أن يُنتظر في حقه التحري والتأكد... فالمسلم مرشّح للاتهام، وإذا اتُّهم فالإدانة جاهزة.
إننا يجب أن ندين أيَّ جريمة ولا ندافع عن مرتكبها. نعم، نعم. ولكن يجب أن نكون مُنْصِفين فنوحّد المكيال والميزان:
ففي أرض فلسطين يُقتل يهودي واحد مقابل قتل عشرة من أصحاب الأرض، فنسمع التنديد بقتل اليهودي أكثر مما نسمع من تنديد بقتل أصحاب الحق.
وفي سورية تذكر الإحصاءات الصادرة عن منظمات محلية ودولية، منذ اندلعت الثورة عام 2011م، أن نحو 90% من الضحايا هم الذين سقطوا بنيران بشار أسد ومناصريه من الروس والإيرانيين وحزب اللات، ونسبة الـ10% تتوزع على الفئات الأخرى: فصائل الجيش الحر وداعش وجبهة النصرة وقسد وقوات الحماية الشعبية وجهات مجهولة. فلماذا يركّز الإعلام على الضحايا الذين يسقطون برصاص داعش وجبهة النصرة حتى يترسخ في ذهن متابع الأخبار أن هذين التنظيمين مسؤولان عن معظم الضحايا؟!.
بل إن أخبار حوادث الإرهاب في بقاع كثيرة تتركز حول طالبان وبوكو حرام ومقاتلي مالي... ليرتبط في ذهن المتابع ذلك الربط بين الإسلام والإرهاب.
ومرة أخرى لا يجوز أن نتعاطف مع قاتل الأبرياء، ولا أن ندافع عنه، ولا أن نلتمس له الأعذار، ولكنّ الإنصاف يقتضي:
أولاً: أن يكون استنكارنا للجرائم بحسب حجمها وبشاعتها، فنستنكر فِعلَ قاتل المئة أضعاف ما نستنكر فعل قاتل الخمسة والعشرة.
ثانياً: أن لا نلقي التهمة إلا بعد قدْر من التمحيص والتحقق.
ثالثاً: أن لا نحمّل مسؤولية الجريمة لغير القاتل وحزبه وتنظيمه، إن ثَبَتَ أنه ينتمي إلى حزب أو تنظيم.
رابعاً: أن نتعرف إلى الدوافع. فالصهاينة الذين استولوا على أرض فلسطين وشردوا أهلها، وقتلوا وسجنوا... لا ينبغي أن ينتظروا من الشعب الفلسطيني أن يسكت على الظلم والاحتلال.
وبشار أسد الذي ارتكب بحق شعب سورية كل الموبقات، وتجاوز كل الحقوق والقوانين والأعراف، ولم يراعِ حرمة للدماء والمقدسات والأعراض... ألا ينتظر من هذا الشعب أن يثور ضده، وأن يوجد من هذا الشعب من يتجاوز الحدود المشروعة وهو يقاوم الظلم والطغيان، لا سيما وقد برعت جهات عديدة في زرع عملائها ليرتكبوا الجرائم ويخلطوا الأوراق ويعطُوا ذريعة للقاصي والداني حتى يتدخل.
نحن لن ننتظر من الولايات المتحدة أو روسيا ومن يسير في ركابهما أن يُنْصفونا، ولكننا ينبغي أن نكون على درجة من الوعي نعرف بها الصديق من العدو، ونعرف الأشدّ عداوةً ومكراً، ولا نقع في الأفخاخ التي ينصبها لنا الآخرون.
(قد بدتِ البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر. قد بيّنا لكم الآيات إن كنتم تعقلون). {سورة آل عمران: 118}.
وسوم: العدد 1058