محاضرة للسياسي اليساري الفرنسي جون لوك ميلونشون تلقي الضوء على ما خفي من دوافع وخلفية وراء الإبادة الجماعية الصهيونية لأهل غزة
بداية لا بد من ورقة تعريف بالسياسي اليساري الفرنسي جون لوك ميلونشون ، ـ وإن كان غنيا عن التعريف ـ لمن يعرفه . إن الرجل فرنسي الجنسية من مواليد مدينة طنجة ، وهو بذلك من الفرنسيين الذين ينعتون بالأقدام السوداء لولادتهم في دول شمال إفريقيا في فترة احتلال فرنسا لها . وقد ولد بمدينة طنجة ، وهو ابن أب وأم ولد بدورهما ا بالجزائر خلال الاحتلال الفرنسي . وكان أبوه مدير مكتب بريد ، وأمه مدرسة . ولغته الأم هي الإسبانية ، إلى جانب الفرنسية . تعلم في مدارس فرنسا ، وأنهى دراسته بالحصول إلى الماجستير في مادة الفلسفة ، ومارس التدريس بالتعليم الثانوي .
وهو سياسي ، وصحفي ، كان عضوا في منظمة شيوعية لبعض الوقت ، ثم انتسب إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي ، و صار بعد ذلك عضوا في حزب أقصى اليسار ، وأسس حركة " فرنسا الأبية " أو غير الخاضعة . وشغل عدة مهام ، ومناصب منها : عضو مجلس الشيوخ الفرنسي ، وعضو في البرلمان الفرنسي عدة مرات ، وعضو في البرلمان الأوروبي ، وعضو في الجمعية الوطنية ، و كان مستشارا عاما ، ووزيرا منتدبا مكلفا بالتكوين المهني ، وقد تقدم للانتخابات الرئاسية ثلاث مرات ، وحصل على 22 في المائة من الأصوات . وهو محاضر مفوه له قدرة على التأثير في من يحضر محاضراته .
هذا الرجل بحكم نشأته الأولى ، وبحكم مساره الفكري، والسياسي ،والمهني اكتسب شخصية مناهضة لكل أشكال العنصرية ، وقد تربى على ذلك بفضل أمه المدرسة التي كانت تصحح له أفكارا وتصورات عنصرية كانت تعلم للناشئة الفرنسية ، وهو مناهض للحروب التي تبيد البشر ، وله مناعة ضد اضطهاد الأقليات العرقية والدينية ، وضد معاداة العرب والإسلام ، وهو ضد ما يسمى بالإسلاموفوبيا ، و يرفض تهمة معاداة السامية التي يرمى بها كل من ينتقد الكيان الصهيوني العنصري ، ويرفض عنصريته وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني ، ويعتبره محتلا ومغتصبا لأرضه ، وهو ضد الهيمنة الأمريكية في العالم ، وضد تبعية الدول الأوروبية لها ، وهو من دعاة السلام ، ومن دعاة احترام القانون الدولي ، وهو ضد ازدواجية المعايير في معالجة النزاعات خصوصا النزاع الفلسطيني الصهيوني ، وهو من المدافعين عن البيئة ضد ما يتهددها من مخاطر سببها تصرفات الدول الصناعية الكبرى ، وهو من المدافع عن المساواة في توزيع الثروات المائية والمعدنية بين الدول المتجاورة ، وهو من دعاة الحوار بين الأطراف المتنازعة مهما كانت أنواع النزاعات بينها ... إلى غير ذلك من القضايا العادلة الضائعة في العالم ، والتي لا زالت تنتظر حلولا بسبب تعنت القوى العالمية المتغطرسة .
وتتضمن محاضرته التي زاد وقتها عن الساعة والنصف كشفا لخلفية الإبادة الصهيونية الجماعية في غزة التي تؤيدها الولايات المتحدة الأمريكية وتوابعها في أوروبا ، وقد أدان ما سمته هذه الأخيرة دفاع الكيان الصهيوني عن النفس ، معتبرة كل إدانة له في عدوانه على غزة خطا أحمر .
وأما الخلفية المكشوفة في هذه المحاضرة ،فهي رهان القوى الغربية على الحروب وآخرها حرب غزة من أجل الاستفادة من الخيرات والمقدرات المستهدفة في دولة الشرق الأوسط من أجل رفاهية شعوبها عن طريق إما تهجيرالشعوب أو إبادتها ، كما هو الحال في قطاع غزة ، وكما كان أيضا في الدول التي تعرضت للعدوان الغربي في العراق وأفغانستان ... وكما كان الحال في دول إفريقية .
وأدان المحاضر أطماع رئيس الكيان الصهيوني في وطن يمتد من الفرات إلى النيل من أجل السيطرة على خيرات ، ومقدرات منطقة الشرق الأوسط من ماء وطاقة ... كما أدان تبعية الدول الغربية للولايات المتحدة في تأييدها المطلق وغير المشروط للكيان الصهيوني المحتل ، واعتبار إدانته خطا أحمر ، وتلفيق دعوة معاداة السامية لمن ينتقد عنصريته ، وعدوانيته ، ومروقه في العالم ، وتحديه لكل القوانين والأعراف الدولية ، ولقرارات الأمم المتحدة ، وقد استباحها بالتشجيع الذي يلقاه من الغرب بزعامة الولايات المتحدة . ولقد أدان أيضا تهديد رئيس الكيان الصهيوني للدول العربية بما فيها دول الشرق الأوسط إن هي تدخلت لحماية الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بشكل صريح .
وطالب المحاضر فرنسا بالتخلي عن الانحياز والاصطفاف إلى حلف الولايات المتحدة وتوابعها بخصوص تهجير الفلسطينيين أو إبادتهم من أجل تحقيق أحلام وأطماع رئيس الكيان الصهيوني التوسعية ، ولن تكون فرنسا بالنسبة إليه مستقلة ، وذات سيادة إلا بعدم الانحياز إلى دول الأطماع المكشوفة . وحث من حضروا محاضرتهم على مناهضة هذه الجريمة الفظيعة التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني المسلوبة أرضه والمهجرعنها قصرا ، كما أنه دعا إلى توسيع دائرة مناهضتها وتناميها في فرنسا ، وقد صارت منتشرة في كل أصقاع العالم . وختم المحاضرة بشعار " لتسقط العنصرية ، وليسقط اليمين المتطرف ".
إن هذه المحاضرة قد تناولت العديد من القضايا ، وعلى من يرغب في الاطلاع عليها أن يتابعها كاملة ، وخلاصتها في نهاية المطاف كشفا لخلفية الإبادة الصهيونية العنصرية في حق الشعب الفلسطيني ، وهي خلفية اغتصاب أرض فلسطين ، والقضاء على شعبها إما بالتهجير أو بالإبادة الجماعية من أجل السيطرة على ثروات منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي برمته .
ومع أن هذه المحاضرة قد تعتبر دعاية أو حملة انتخابية ، فإنها بغض الطرف عن ذلك تعبر عن صوت صادق لرجل سياسي ينشد الانتصار لقضايا عادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي يريد الغرب بزعامة الولايات المتحدة طمسها من أجل مصالح مادية بحتة كشف المحاضر النقاب عنها بأدلة دامغة . ولا شك أن آخر تصريح للرئيس الأمريكي ، وهو يتحدث عن طوفان الأقصى أشار إلى أن سببه هو إفشال صفقة كانت الولايات المتحدة على وشك عقدها مع أكبر دولة خليجية كي يعود ريعها عليها ، وعلى الكيان الصهيوني المحتل ، والكيانات الغربية الطامعة .
وفي الأخير نعجب كل العجب من عناصر عربية في الوطن العربي محسوبة على الطليعة المثقفة والواعية أو كذلك تظن نفسها ، والتي اصطفت، وانحازت إلى الكيان الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية ، وهو يمارس جرائمه الحربية ، وإبادته الجماعية في قطاع غزة ، و قد بلع الأمر ببعضهم كما هو الحال في بلدنا على سبيل المثال لا الحصر حد التفاخر بأنهم كلهم صهاينة بالنون الدالة على الجماعة ، وكأنهم نظموا استفتاء شعبيا خول لهم استعمال هذه النون أو لنقل ابتزازها بشكل مثير للسخرية ، ويحدث هذا في الوقت التي عبر فيه جون لوك ميلونشون السياسي المحنك عن غيرته على بلده فرنسا الذي ترتهن إرادة نظامه بالتبعية للولايات المتحدة ، وهو يعبر عن وعي راق دفاعا عن العدالة ، والسلم ، والقيم الإنسانية ، ويندد بكل شكل من أشكال العنصرية والاستبداد ، والعدوان ، والابتزاز الصارخ ...
فهل ستفيق زمرتنا المحسوبة على الثقافة والوعي ـ يا حسرتاه ـ من استلابها المخزي الذي يفقدها حرية واستقلال آرائها ومواقفها ، ويعرضها للسخرية أمام الوعي الوطني الراقي الذي عبر عنه شعبنا مع الشعوب العربية والإسلامية والعالمية في مظاهراته المليونية المساندة للشعب الفلسطيني ، والمنددة بالكيان الصهيوني العنصري العدواني ؟؟؟
وسوم: العدد 1060