يوروفيجن: كيف «سمّمت» إسرائيل العالم؟

راقب مشاهدو محطات العالم التي عرضت، أول أمس السبت، تفاصيل الدراما المثيرة لانتقال إسرائيل من مكان بعيد المنافسة بمجموع 52 نقطة من محكمي 37 دولة مشاركة للفوز بلقب هذه السنة من مسابقة «يوروفيجن» إلى صعودها فجأة، عبر التصويت العالمي المدفوع عبر الهاتف إلى المراتب الأولى عبر تلقيها 325 نقطة إضافية لتنتهي بعد ذلك في المرتبة الخامسة، رغم كل الاحتجاجات الرسمية والشعبية على مشاركتها.

الفعالية التي بدأت عام 1956، تحت مسمى «مسابقة الأغنية الأوروبية» والتي شهدت صعود فرق كبيرة مثل «أبا» السويدية، بدأت بالتوسع خارج حدود أوروبا فضمت إسرائيل عام 1973 (وكذلك الكثير من البلدان الأخرى البعيدة عن أوروبا مثل أوستراليا وأذربيجان وأرمينيا وروسيا الخ).

حظرت الجهة المشرفة على المنافسة (نقابة البث الأوروبية) للنسخة الأولى من الأغنية الإسرائيلية المعنونة «مطر أكتوبر» (في إشارة إلى هجوم «حماس» في 7 تشرين أول/ أكتوبر) وكذلك الثانية التي حملت عنوان «رقص للأبد» التي تلمح إلى نهاية مروعة بعد بدء مذبحة، ولكن المنظمين وافقوا أخيرا على اعتماد أغنية بعنوان «إعصار».

تعرّضت إسرائيل بعد إعلان قبول مشاركتها إلى احتجاجات من قبل أيسلندا والدنمارك وفنلندا والنرويج والسويد، وتم تقديم التماسات والتهديد بالانسحاب اذا شاركت، وطالبت جهات موسيقية عديدة ممثلي بلدانها بالانسحاب، كما حصل في أيرلندا والنرويج.

كان واضحا أن أجهزة الدولة الإسرائيلية قد اعتبرت المشاركة أمرا على درجة من الأهمية السياسية بحيث تدخّل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ وصار مشرفا شخصيا على الموضوع، كما تدخل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أيضا، وكان رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شاباك أو شين بيت) رونين بار متواجدا في السويد خلال المسابقة للضغط على المسؤولين هناك والتنسيق الأمني لدعم ايدن غولان، المغنية الروسية ـ الإسرائيلية الممثلة للدولة العبرية في المسابقة.

شهدت مجريات الحفل وما بعده وقائع كثيرة تظهر الاستنكار العالمي للإبادة الجارية للفلسطينيين، وقد تكشف ذلك عبر أشكال متنوعة، حيث تلقّت المغنية صيحات الاستهجان أثناء غنائها، فيما قام بعض المرشحين، مثل المغنية اليونانية مارينا ساتي بالتظاهر بالنوم، وردد عديدون جملة «فلسطين حرة».

كان مثيرا للتفكر، ضمن هذا السياق، كيف تماهى الوفد الإسرائيلي المشارك بشكل طبيعي مع أساليب دولته حيث أبدى سلوكيات بلطجة وتنمر ضد وفود اليونان وهولندا واسبانيا وايرلندا، فيما تجنب كل المشاركين في المسابقة الظهور مع ممثلة إسرائيل (باستثناء ممثلة لوكسمبورغ المولودة هي نفسها في إسرائيل) وتناقل مستخدمو وسائل التواصل وسم يوروفيجن مع صور وفيديوهات لجثامين أطفال فلسطينيين.

يشير مجمل هذه الأحداث إلى مسألتين مترابطتين: الأولى هي أن «مسابقة الأغنية الأوروبية» كانت تمرينا هائلا على النضال السلمي ضد إسرائيل وكل ما تمثله. تمرين أظهر العزلة الكبيرة التي تعانيها الدولة العبرية بسبب ممارساتها الهمجية، والثانية هي أن «الدولة العبرية» وظفت قدرات سياسية وأمنية ومالية هائلة لصد هذه المقاطعة الكبرى ولعكس النتيجة لصالح مرشحتها، وهو ما ظهر في الرقم الغريب الذي تم جمعه لصالحها من باقي دول العالم.

يجب أن يُقال أيضا إن إسرائيل لا تسمم حياة الفلسطينيين، والعالم العربي والإسلامي الذي تموضعت في قلبه، بل تسمم كل شيء تدخل أو تتدخل فيه.

وسوم: العدد 1080