من رفح إلى حلب: العربدة الإسرائيلية واللغة الخشبية

ما خلا بيانات صريحة تفيد بأنها لن تسمح لطهران بترسيخ وجودها العسكري في سوريا، لم تكترث دولة الاحتلال الإسرائيلي بإعلان المسؤولية عن مئات الضربات التي استهدفت مواقع عسكرية وميليشيات موالية لإيران، ويستوي أن تكون تابعة مباشرة لقيادة «الحرس الثوري» الإيراني، أو تحت وصاية طهران عبر حزب الله اللبناني والميليشيات المذهبية العراقية وسواها.

تلك الضربات باتت شبه روتينية بعد أن تجاوزت رقم الـ800 ضربة منذ عام 2011 بعد تدخل طهران وميليشياتها عسكرياً لنجدة النظام السوري من حيث الهدف المباشر المعلن، ولترسيخ وجود عسكري وسياسي وعقائدي إيراني من حيث الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى. يُلاحظ مع ذلك أن الأطوار الأخيرة من العمليات الإسرائيلية في العمق السوري، من الشرق إلى الساحل ومن الشمال إلى الجنوب، شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في الكلفة البشرية، إذ أسفر استهداف مواقع قرب مطار حلب الدولي أواخر آذار/ مارس الماضي عن مقتل 52، وبالأمس كان قصف بلدة حيان في ريف حلب الغربي قد أوقع 16 قتيلاً من جنسيات سورية أو متعددة.

ورغم أن الضربات الإسرائيلية تستهدف مقاتلين أو مخازن أو شحنات أسلحة تشرف عليها طهران وميليشياتها، فإن المواقع ذاتها منشآت تابعة لجيش النظام في الأصل وتقع تحت مسؤوليته من حيث الشكل على الأقل. ومع ذلك فإن بيانات وزارة دفاع النظام يندر أن تخرج عن الغمغمة والإشارة إلى «عدوان جوي يستهدف بعض المواقع» وإلى «ارتقاء عدد من الشهداء ووقوع بعض الخسائر المادية» ولا فارق لديها إن كانت أعداد الضحايا بالعشرات، أو كان بعضهم من المدنيين.

وحين لا يكون أي جديد في عربدة دولة الاحتلال الإسرائيلي، ابتداء من جرائم حرب الإبادة ضدّ غزّة وجباليا ورفح، مروراً بالأراضي اللبنانية، وليس انتهاء بالعاصمة السورية دمشق أو العمق الإيراني ذاته، فإنه لا جديد أيضاً مع النظام السوري الذي يواصل اعتماد اللغة الخشبية في التعليق على الضربات الإسرائيلية، وتكرار الشعار المستهلك حول الرد في التوقيت والمكان المناسبين.

لكن قوات النظام والميليشيات الإيرانية والطيران الحربي الروسي لا تتردد عند استهداف المدنيين السوريين في مناطق محافظة إدلب وريف حلب، ولا تعفّ عن استخدام المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ وقذائف النابالم الحارق والذخائر العنقودية المحرمة دولياً، فهذا هو ميدان العنجهية الوحيد الذي بات يمتلكه النظام وحلفاؤه.

وليس عجيباً أن الرادارات الروسية تنتشر في عشرات المواقع التابعة للجيش الروسي على امتداد أرجاء سوريا، لكنها تُصاب بالخرس التام عند وقوع الغارات الإسرائيلية، حتى حين تستهدف الضربات مواقع ملاصقة لنقاط انتشار الجيش الروسي على طول الشريط الساحلي من اللاذقية إلى مطار حميميم وصولاً إلى ميناء طرطوس وبانياس. ذلك لأن ارتهان النظام السوري لاحتلالات عسكرية روسية أو إيرانية ينطوي أيضاً على إخضاعه لقواعد الاشتباك، كما توافقت عليها موسكو أو طهران مع دولة الاحتلال.

وليس بمنأى عن تلك القواعد أن عربدة الاحتلال لا تُقاوم بما هو أكثر من اللغة الخشبية.

وسوم: العدد 1082