دبلوماسية الاتحاد الأوروبي: هل نترحم على جوزيب بوريل؟
لا يُستغرب أن تتنفس دولة الاحتلال الإسرائيلي الصعداء إزاء اختيار رئيسة الحكومة الإستونية كاياك كالاس لوظيفة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، خلفاً للإسباني
الذي تنتهي ولايته قريباً.
فمن جانب أول سوف تتولى كالاس التعبير عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في مختلف الميادين الدولية، ولكن من المنتظر أن تكون أكثر انحيازاً إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، سواء في التغطية على حرب الإبادة الإسرائيلية الراهنة ضدّ قطاع غزة خصوصاً، أو بصفة عامة في أي وكل ميدان يخص ملفات العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والقضية الفلسطينية على أصعدة سياسية ودبلوماسية ومالية وقانونية.
صحيح أنها تقرّ بحلّ الدولتين باعتباره المنظور الذي يعتمده الاتحاد الأوروبي وغالبية الديمقراطيات الغربية أصلاً، وقد صدرت عنها تصريحات عديدة حول الأوضاع الكارثية في قطاع غزة، فطالبت بتسهيل دخول المساعدات الإنسانية. لكن كالاس وضعت جميع هذه المواقف، وسواها، تحت السقف ذاته الذي تذرع به أنصار الاحتلال في الغرب، أي حق دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها، الأمر الذي يبرر ضمناً جرائم الحرب وتجويع المدنيين وممارسة العقاب الجماعي والتهجير والتطهير الديمغرافي.
وإذا كانت تُعدّ ضمن صفوف الصقور حيال المعارضة الشديدة للاجتياح الروسي في أوكرانيا، فإن بين مقارناتها المشهودة أنها امتدحت التفاف الغرب حول دولة الاحتلال خلال الضربة الصاروخية الإيرانية، واعتبرتها منعطفاً فاصلاً في أشكال التعاون العسكري بين الحلفاء، وطالبت بالتالي أن يتعامل الغرب مع أوكرانيا كما تعامل مع «التصعيد الإيراني الخطير».
وفي مقابل ارتياح الساسة الإسرائيليين لتعيين كالاس في منصب يعادل موقع وزير خارجية مفوض عن سائر أوروبا، وليس مجرد ممثل لشؤون دبلوماسية وسياسية وأمنية، يصح أن يُفتقد سلفها بوريل الذي كانت له مواقف انتقادية واضحة وصريحة ضد سياسات دولة الاحتلال في استخدام القوة المفرطة خلال أشهر حرب الإبادة ضد القطاع، مما جلب عليه سخطاً واسع النطاق لم يقتصر على حكومة الاحتلال وحدها، بل امتد إلى واشنطن ولندن وبرلين وباريس.
ولعل بين أشهر تلك المواقف تصريح بوريل تعليقاً على مقترحات رئيس حكومة الاحتلال بصدد تأمين ما يسمى «ممرات آمنة» لإخراج السكان الفلسطينيين من مدينة رفح، إذ تساءل بوريل «إلى أين سيتم إجلاؤهم… إلى القمر؟». كذلك توجه إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، قائلاً: «حسناً، إذا كنت تعتقد أن عدداً كبيراً جداً من الناس يُقتلون، ربما يجب عليك إرسال أسلحة أقل».
والترحم على مغادرة بوريل موقعه في الهرم الأعلى للدبلوماسية الأوروبية يكتسب بعداً إضافياً أكثر مغزى مع التجديد 4 سنوات لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، المعروفة بانحيازها شبه الأعمى لدولة الاحتلال، الأمر الذي اضطر بوريل إلى التصريح بأنها في التأييد الأقصى للعدوان الإسرائيلي «لا تمثل إلا نفسها من حيث السياسة الدولية» ومواقفها «تركت تكلفة جيو ـ سياسية باهظة على عاتق أوروبا».
وليست مفارقة جديدة أن يختار الاتحاد الأوروبي شخصية سياسية لا تحظى بالشعبية في بلدها، فيفوضها بالنيابة الدبلوماسية عن 27 دولة.
وسوم: العدد 1087