دولة الاحتلال: من صهيونية الاستيطان العنصري إلى الفاشية
كانت أقنية إخبارية عملاقة مثل «سي إن إن»، وصحف أمريكية كبرى مثل «نيويورك تايمز»، قد اضطرت إلى متابعة تقارير دامغة حول أساليب تعذيب وحشية وبشعة اعتمدها جيش الاحتلال الإسرائيلي أثناء التحقيق مع المعتقلين الفلسطينيين في السجون والمعتقلات العسكرية الإسرائيلية عموماً، وفي مركز احتجاز «سدي تيمان» سيئ الصيت خصوصاً. وأوضحت التحقيقات أن تلك الأساليب تشمل الصعق بالكهرباء وبتر الأعضاء وتعطيل الحواس بما يفضي إلى فقدان السمع أو البصر، بالإضافة إلى الاغتصاب والاعتداءات الجنسية المختلفة.
ولأن الإدارة الأمريكية اضطرت بدورها إلى الضغط على حكومة الاحتلال لاتخاذ إجراءات يمكن أن تذر الرماد في العيون، فقد اضطر المدعي العام في جيش الاحتلال إلى طلب التحقيق مع 9 من الجنود اتُهموا بارتكاب ممارسات تعذيب فاضحة، بينها الاغتصاب. هنا تدخل عدد من وزراء اليمين المتشدد الديني أو العنصري أو القومي فحشدوا أنصارهم للتظاهر أمام مركز الشرطة العسكرية في «بيت ليد» حيث يجري التحقيق مع الجنود المتهمين، واقتحامه عنوة.
ولم يكن غريباً أن يحرض على الحشد إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي في ائتلاف بنيامين نتنياهو، وأن يتواجد ضمن حشود المقتحمين وزير التراث عميحاي إلياهو، وعضو الكنيست عن حزب «الصهيونية الدينية» تسفي سوكوت، وأن يشارك عضو في الكنيست عن حزب «الليكود» أيضاً.
أما العنصر اللافت في تظاهرة الاقتحام فهو مشاركة جنود احتفظوا بالزي العسكري، وبعضهم حملوا الأسلحة المخصصة لهم، ولم يكلفوا من عناء لإخفاء هوياتهم سوى وضع اللثام على الوجه. دلالات هذا التفصيل كثيرة، لعل أبرزها أن ولاء هؤلاء الجنود لم يعد للجيش الذي ينخرطون في وحداته، وأنهم باتوا يأتمرون بما يمليه عليه قادة الأحزاب والتيارات السياسية والدينية التي ينتمون إليها.
كذلك كان لافتاً أن الصفة الفاشية لهذا السلوك العسكري الإسرائيلي لم تصدر هذه المرة عن خصم لدولة الاحتلال أو منتقد لها يسهل اتهامه بالعداء للسامية، بل صدرت عن يائير لبيد زعيم ما يسمى بـ»المعارضة» الإسرائيلية، الذي صرّح بأن «هذه مجموعة فاشية تشكل خطراً على وجود دولة إسرائيل، وهم أفضل ما يمكن أن يحدث للسنوار».
وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت كتب إلى نتنياهو يطلب التحقيق في مزاعم تشير إلى أن بن غفير منع الشرطة من التدخل لفضّ تظاهرة المتشددين والحيلولة دون اقتحام مركز عسكري إسرائيلي، فرد الأخير بأنه أولى بالتحقيق أن يتوجه إلى الذين عجزوا عن منع وقوع هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وأما رئيس أركان الاحتلال فقد أدلى بدلوه، معتبراً واقعة الاقتحام دليلاً على «الاقتراب من الفوضى العارمة».
وإذا لم يكن من جديد في افتضاح ممارسات التعذيب الوحشية والفاشية لجيش الاحتلال، وفي احتدام المواجهات المباشرة بين أطراف الائتلاف الحاكم، وانكشاف المزيد من أكاذيب «واحة الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط، فلا جديد أيضاً على واقعة ترسم خطوة إضافية في مسارات دولة الاحتلال: من كيان صهيوني استعماري واستيطاني وعنصري، إلى أسوأ منظومات الأبارتايد، وصولاً نحو عقائد الميليشيا الفاشية.
وسوم: العدد 1089