لماذا تدق «العربية» طبول الحرب ضد الإخوان وتستدعي «الاحتياط»… ماذا في الأفق البعيد؟!

هل هي مشكلة شخصية بين قناة «العربية» وجماعة الإخوان المسلمين؟!

في الآونة الأخيرة بدأت القناة المذكورة تدق طبول الحرب ضد الإخوان، وتقود حملة استدعاء لمن كنا نعتقد أنهم في القبور، كما استدعت (الاحتياط)؛ رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، لتقديم برنامج «مراجعات» يعيد ويزيد في الموضوعات نفسها، ويقوم بعملية «تقليب» في ضيوفه، ليقولوا ما قالوه قبل ذلك عشرات المرات، في حلقات «التمثيل بالجثث»، وعندما يكون مطلوباً من ضيف أن يقدم جديداً لأحداث ومواقف قليلة، وهو ليس من شهودها، وعندما يتحول إلى مطرب في حلقة برنامج «ما يطلبه المستمعون»، فإن هذا يعتبر تمثيلاً بجثته!

معظم ضيوف رئيس الهيئة، رضخوا لمسلسل الكفر بالجماعة، تاريخاً وحاضراً، ومؤسساً، ومن أول حسن البنا، ولا نعرف من الأسبق، حسن البنا وتأسيسه للجماعة، أم هم وعضويتهم، ثم خروجهم من التنظيم، فلماذا لم نجد أحداً اكتشف هذا التاريخ في زمن عضويته بالجماعة، ومن هناك أعلن استقالته منها وخروجه عليها، ولماذا اللدد في الخصومة لا يكون إلا بعد إجراءات تنظيمية ضد هذا النفر أو ذاك!

كانت بداية السجال أن القائمين على الجماعة خرجوا على أفكار الإمام المؤسس، وبعد الانقلاب العسكري كانت التجربة الأردنية هي المطروحة، وأن يكون هؤلاء النفر هم الإخوان، بزعامة كمال الهلباوي ومختار نوح، لكن يبدو أن ناصحاً عليماً دفع منظومة الحكم إلى الإعراض عن هذه الفكرة، التي ستجعل من أفكار الإخوان مطروحة في المشهد، فضلاً عن أن هذا الفصيل لا يملك شعبية في الشارع، أو حتى في البنايات التي يقيمون فيها، وسيكون المطلوب محاولات لتقنين وضع لا يقنن بالقانون، إنما يقنن بالخروج عليه!

وهنا حدث التطور لدى مطربي «ما يطلبه المخرج»، فصار الهجوم على الجماعة منذ التأسيس، وكأننا أمام قراء لكتاب حسن البنا لرفعت السعيد، وهو الكتاب الذي بدا لي أن أيمن الظواهري اتخذه مرجعا له، وهو يؤلف كتابه «الإخوان المسلمون والحصاد المر»، وقد قرأت الكتابين، فكل منهما انطلق من خلفية مختلفة، فكاتب الأول يساري، والثاني جهادي، وكل منهما لديه البديل لمدرسة الإخوان، الأول بديله حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، والثاني تنظيم الجهاد، قبل التحالف مع تنظيم القاعدة، فما البديل الذي تدعو اليه قناة «العربية»؟ الانخراط في اتحاد القبائل العربية؟!

هندسة الحالة الدينية

الناس ليسوا سواء، فهناك جانب ديني وروحي عند كثيرين، لا يمكن تجاهله، ونظام مبارك كان الأكثر لياقة في فهم هذه الاحتياجات، فهندس الحالة الدينية، وفتح الباب لمجال التدين المريح، ودفع بدعاة للمجال حتى إذا تجاوزت شهرة الداعية منهم الخطوط الحمر، جرى تشويهه وتقديم غيره، لإشباع هذه الرغبات، والقوم الآن عندما فكروا أرسلوا شيوخا من وزارة الأوقاف إلى المقاهي، إنهم ينافسون جماعة «التبليغ والهجرة» لا الإخوان!

ومن واقع خبرتي في الحياة، وعندما اختلفت مع الإخوان بعد الثورة، وبدا قومي لديهم الاستعداد أن يسمعوا لي ويطيعوا، جبراً للخاطر، وقد قلت لهم لقد تلاعب بي التنظيم واستبعدني من قائمة كانت المفترض أن تضم 44 حزباً ضمن تحالف واسع، وكنت أعلم أن المد الديني عال في هذه المرحلة حتى ممن لم يركعوها في يوم من الأيام، فهل كانوا سيستجيبون لي حقيقة، إن قلت لهم انتخبوا قائمة حزب الوفد الجديد مثلاً؟

إذا أردت أن تطاع فأمر بما هو مستطاع، وعليه لقد قلت لهم: انتخبوا قائمة حزب النور، وكان النور في هذا الوقت تجمعاً للإسلاميين من غير الإخوان، وعلى رأس القائمة هو الشيخ محمد الصغير، وهم يعرفونه بحسبانه من البلد، ويشاهدونه على قناة «الناس»، فضلاً عن أنه أزهري، ولم يكن أحد في القائمة غيره معروفاً لدى الناس، ومع ذلك فاز لقائمتهم خمسة مرشحين، وفي المقابل فاز للإخوان ثلاثة فقط!

إنما ماذا تستهدف قناة «العربية» من هذه الحملة، أن يترك الناس الإخوان وينضموا إلى الديانة الإبراهيمية، هل سيرضيهم هذا الخيار؟

خارج الصندوق

معظم ضيوف برنامج «مراجعات» ليس بينهم وبين الجماعة خلاف فكري، أو أن أفكارهم تطورت فوجدوا أن الجماعة لا تلائم توجهاتهم الجديدة، إن أحدهم سرب برنامج الجماعة للصحيفة، التي يعمل بها، وآخر اتهموه بالتواصل مع أجهزة الأمن، وثالث كانت مشكلته في شعوره أنه من صنع الإخوان في نقابة المحامين، فأثبتوا له أنهم فخر الصناعة المحلية، فلا فضل يعود إليه!

ومن هنا فالحديث ليس فيه خلاف في الأفكار ليقنعوا المشاهدين بأن الرحيل كان ضرورة، ولكنها مشكلات تنظيمية، انتقلت الى نقد الفكرة في حد ذاتها والإمام المؤسس، بعد أن كانت مشكلتهم مع التنظيم الحالي أنه خرج على أفكار البنا، عبد الناصر نفسه عندما اصطدم بالجماعة كان يتهم حسن الهضيبي بالخروج على خط الإمام البنا!

ما علينا، فبعد برنامج «مراجعات» وبرنامج «سجال»، كان مختار نوح على قناة «العربية» أيضاً، وفي برنامج آخر هو «خارج الصندوق»، فهل يعقل كل هذا ضد الإخوان، كما لو كنا في 2013 بعد الإطاحة بهم، ومع أن الإنجاز الوحيد الذي يروجه النظام هو أنه خلص الشعب من الإخوان، فكيف إذا كان الإخوان لا يزالون يمثلون البديل للنظام القائم إلى الآن، ومن ثم كانت هذه الحرب عليهم، ليتم احياء مختار نوح من جديد، بعد سنوات قضاها بعيداً عن الشاشة، لدرجة أنهم لم يجدوا حاجة له لتجديد عضويته في المجلس القومي لحقوق الإنسان!

الإخوان الآن خرجوا منذ سنوات من الفعل، ومن الحديث عن الشرعية لكي تتلخص كل مطالبهم في الإفراج عن المعتقلين، ودعك من صوت هنا وصوت هناك، فالقوم يزايد بعضهم على البعض الآخر، لأن لديهم خلافا على الزعامة، والقيادة السابقة التي أنهت الحراك الثوري، لديها استعداد الآن للخروج للشارع تهتف: ثوار، أحرار، هنكمل المشوار. نكاية في القيادة الجديدة التي تطلب المصالحة!

هل يمكن لي تصور أن دولة ما في الإقليم – وحرصاً على مصالحها إذا انفجر الموقف في الداخل المصري – توحي بضرورة رأب الصدع؟ فتعلق الإخوان في هذه الرؤية فكان حديث المبادرة من جانب القيادي حلمي الجزار، وهذا بالذات كان سبباً في احتشاد قناة «العربية» وإعلان الحرب من جديد على الإخوان، وكأننا في أجواء 2013.

يستطيع حكم الجنرالات في مصر أن يصفي ملف الإخوان، بالاتفاق مع القيادات في السجون، وإذا حضروا فلا معنى لمن في الخارج من المجموعتين، ويستطيع السيسي أن يأمن بوائقهم ما تبقى له في الحكم، لكن الإخوان ملف إماراتي، فهي التي تخوض حرب الاستئصال ضدهم، فهل حدث تحول، وربما تفكير بصوت مسموع في جدوى المواجهة، ووصل هذا الصوت لقناة «العربية» فأشعلت الحرب دون مناسبة لقطع الطريق على التوجه الجديد للإمارات؟!

ماذا في الأفق البعيد؟!

علي الحجار.. نهاية أليمة

كان علي الحجار هو فنان الشعب، فقرر أن يشارك في محنة تقسيم المصريين، وظن أنه سيكون مطرب المرحلة، فكانت أغنية: «احنا شعب وانتو شعب.. ليكم رب ولينا رب»، لكنه الآن يشكو الاضطهاد من الشعب الذي كان ينتمي له، وأخلص له، وغنى من أجله!

مؤخراً بشر بحفلة له، ثم عاد واعتذر «فحفلتي أنا بالتحديد تقرر عدم إذاعتها.. « وعدم إذاعة حفلاتي صار أمراً معروفاً، وإذا تمت إذاعة أي حفلة فإنها تعرض مشوهة، وكلها غلطات، أو إذاعة حلقات دون تنويه حتى لا يعلم الجمهور بها وبموعد إذاعتها»!

الحفلة أذيعت في قناة «الحياة»، وهي إحدى قنوات الشركة المتحدة، الاسم الحركي للمالك الحقيقي.. أنا البرادعي يا رشدي، ونعرف بطبيعة الحال من هو رشدي، كما عرفنا البرادعي الخارج على القانون في المسلسل الإذاعي القديم، وكلما تم القبض على البرادعي، تلقى الضابط رشدي اتصالا هاتفياً وباستهلال حفظه المشاهدون: «أنا البرادعي يا رشدي»!

لماذا يعادي البرادعي علي الحجار، ويشعره بالاضطهاد بهذا الشكل، كما لو كان من الإخوان، كما لو كان ليس هو من ألهب الوجدان الوطني بأغنية «أنتم شعب واحنا شعب».

سيقول المتصوفة إن من أعان ظالماً سلط عليه، وسيقول الذين من دونهم ربما داس على سلك مكشوف، لا سيما وأن الحجار قال: «التيار قوي». دون توضيح، فمن هم التيار القوي، ولماذا هذه المعاملة؟! ولماذا يتحدث الفنان الكبير بنصف لسان؟!

التيار قوي؟ لماذا؟!

وسوم: العدد 1093