التهمة الكيدية في حرق عمر الفاروق لمكتبة الإسكندرية

(1)

تمهيد

قبل الدخول في هذا الموضوع لا بد من الإشارة الى أن المباحث التأريخية لا تقل صعوبة عن بقية العلوم البحتة، وربما تكون أحيانا أكثر صعوبة في حال عدم توفر المعلومات الكافية لموضوع البحث وتباينها وتضاربها بدرجة كبيرة مما يتطلب التأني والدقة والتحليل الهادئ والاستقصاء العلمي البعيد عن الأهواء الشخصية، والميول الدينية والقومية والمذهبية، والأهم من ذلك، عدم اعتبار رواية أي من الرواة والمؤرخين أمر مُسلم به، بغض النظر عن أهمية ومركز الراوي ودرجة الثقة التي تميزه عن غيره. مع العلم ان معظم الرواة الذين سطروا لنا الأحداث التأريخية، كان للعوامل الداخلية كالدين والمذهب والعنصر والقومية والعشائرية والأهواء الشخصية أثرا كبيرا على رواياتهم، علاوة على العوامل الخارجية مثل التقرب من الحكام والحصول على المزايا والمناصب العالية والحوافز المادية بالإضافة الى الخيانة التي تتجسد عبر التعاون من الأعداء او ما يسمى بالتجنيد لقوى خارجية، أي خيانة الأمة لسبب ما قد يكون ماديا، او دينيا، او مذهبيا، او قوميا.

كما أن سند الرواية وما يسمى بالجرح والتعديل عامل مهم لمعرفة الرجال الذي ذكروا الرواية وتناقلوها من فم لفم، فأحيانا قد يزيدوا عن العشرة رجال، مما يتطلب التحري عنهم بدقة ومعرفة ميولهم ونزاهتهم ومدى تقربهم من الحكام. وهناك إشكال آخر يتعلق بالمخطوطات التأريخية، فأحيانا قد يكون الراوي نزيها لكن الناسخ غير نزيه، لاحظنا مثلا أن بعض الناسخين يزيد من تكريم وتبجيل أئمة الشيعة في حين لا يترحم أو يترضى عن بقية الصحابة بما فيهم الخلفاء الراشدين الثلاثة، وهنا يكون الناسخ قد تلاعب عن قصد مبيت في النسخ، فأساء للراوي إساءة بالغة ونقل لنا صورة غير حقيقية متلاعب بها، وغالبا ما تلاحظ مثل هذه الإساءات عند الناسخين، بل أن البعض منهم يغير من الأحداث فيحذف ما لا يتوافق مع أهوائه، ويضيف ما يراه متوافقا معها. وهذه الحالة موجودة حاليا عند بعض مراجع الشيعة، حيث يدلسوا في نقل الروايات، وقد أشرنا اليها في كتابنا (اغتيال العقل الشيعي)، مع الأخذ بنظر الاعتبار تشويه الحقائق من قبل دور النشر، وهذا ما لاحظناه في الطبعات الإيرانية للكتب الصادرة في العراق مثل الثورة العراقية الكبرى لعبد الرزاق الحسني وغيرها. بل حتى كتب التأريخ التي تعتبر موثوقة فأن فيها ثغرات كبيرة تستوجب توخي الحذر، وتتطلب الاستزادة من المصادر وتنوعها والتحليل العلمي والاعتماد على المنطق والاستقراء للتميز بين المعقول واللامعقول، وعزل اللامعقول، بين الذي يتوافق مع القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والذي لا يتوافق معهما، أي الذي يتقبله العقل والمنطق السليم والذي يرفضه، لذا قال الشاعر الكبير معروف الرصافي:

ما كتب التأريخ في كل ما روت ... لقرائها إلا حديث ملــــــــفق

نظرنا لأمـــر الحاضرين فرابنا ... فكيف لأمر الغابريـن نصدق

نصح العلامة إبن خلدون الباحث في التأريخ بأنه" يحتاج إلى مآخذ متعدّدة ومعارف متنوّعة وحسن نظر وتثبّت يفضيان بصاحبهما إلى الحقّ وينكّبان به عن المهزلات والمغالط لأنّ الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرّد النّقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السّياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنسانيّ ولا قيس الغائب منها بالشّاهد والحاضر بالذّاهب فربّما لم يؤمن فيها من العثور ومزلّة القدم والحيد عن جادّة الصّدق وكثيرا ما وقع للمؤرّخين والمفسّرين وأئمّة النّقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرّد النّقل غثّا أو سمينا ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النّظر والبصيرة في الأخبار فضلّوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط ولا سيّما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات إذ هي مظنّة الكذب ومطيّة الهذر ولا بدّ من ردّها إلى الأصول وعرضها على القواعد". (تأريخ إبن خلدون1/13).

على سبيل المثال لو نظرنا في كتابات الجاحظ، وهو من شيوخ المعتزلة الذين يعادون بني أمية وقد أسس فرقة حملت اسمه (الجاحظية) سرعان ما فشلت وانتهت بموته، تجد في رسائله (رسائل الجاحظ) رسالته المسماة (تفضيل بني هاشم) التي لم يقتصر فيها على إتهام الخلفاء الأمويين بالفسوق والمجون واللهو، بل بالغ إلى حد تكفيرهم! للمزيد راجع تكفيره لمعاوية ويزيد وزياد وابنه عبيد الله ( رسائل الجاحظ 2/12). وكرر ما قاله المؤرخ الشيعي المسعودي عن عمر بن عبد العزيز بأنه أعور بين عميان، قال ابن خلدون" قد حكاه المسعوديّ مثله في أحوال بني أميّة عن أبي جعفر المنصور وقد حضر عمومته وذكروا بني أميّة فقال: أمّا عبد الملك فكان جبّارا لا يبالي بما صنع، وأمّا سليمان فكان همّه بطنه وفرجه، وأمّا عمر فكان أعور بين عميان، وكان رجل القوم هشام".(تأريخ ابن خلدون/258). ومثل هذا المؤرخ لا يعتد برسائله طالما تبع اهوائه، ويمكن الاخذ برواياته البعيدة عن سير الخفاء، أي الأدبية ذات الطرف والقصص الجميلة.

لذا نجزم ان الجاحظ لم يكن أمينا في تدوين تأريخ الأمويين البتة. ويمكن تلخيص السبب الرئيس في موقفه هذا علاوة على الخلاف المذهبي، العطايا الكثيرة والمكانة العالية التي منحها العباسيون له. وينطبق على الجاحظ قول عبد الرحمن بن مهدي بصاحب الهوى" ثلاثة لا يحمل عنهم، الرجل المتهم بالكذب، والرجل كثير الوهم والخلط، ورجل صاحب هوى يدعو إلى بدعته". (العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل2/214). وهذا ما يقال عن المسعودي الذي ملأ كتابه بطعن بني أمية والكثير من الخرافات، قال ابن خلدون" وقد تعرّض المسعوديّ للبحث عن السّبب في خفّة السّودان وطيشهم وكثرة الطّرب فيهم وحاول تعليله فلم يأت بشيء أكثر من أنّه نقل عن جالينوس ويعقوب بن إسحاق الكنديّ أنّ ذلك لضعف أدمغتهم وما نشأ عنه من ضعف عقولهم وهذا كلام لا محصّل له ولا برهان فيه". (تأريخ ابن خلدون/109). قال المغربي" حكى المسعودي أن فيها شجراً يخرج منه نبات كالابرنج ويولد منه جوار يتعلقن بشعورهن، وتصيح الواحدة منهن واق واق، فإن قطعن شعورهن وفصلن من الشجرة مُتن". (كتاب الجغرافيا للمغربي/6).

من الكتاب الجدد د. علي سامي النشار مؤلف (شهداء الإسلام في عصر النبوة) و (نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام) فهو يماشي الشعوبيين في نظرتهم للخلافة الأموية ويطعن في كاتب الوحي أمير المؤمنين معاوية بقوله" مهما قيل في معاوية، ومهما حاول علماء المذهب السلفي المتأخر، وبعض أهل السنة من وضعه في نسق صحابة رسول الله، فإن الرجل لم يؤمن أبداً بالإسلام، ولقد كان يطلق نفثاته على الإسلام كثيراً، ولكنه لم يستطع أكثر من هذا". (نشأة الفكر الفلسفي 2/19). ولم يلبث أن استلم أبو سفيان بشتيمته كأنه سبق أن عاشره أو رافقه في سفر أو جادله في أمر، بقوله" لقد كان أبو سفيان زنديقاً أي ممن يؤمنون بالمجوسية الفارسية". (نشأة الفكر الفلسفي 2/31). متجاهلا إن النبي (صلى الله عليه وسلم) عينه عاملا على نجران. وكذلك مواقفه البطولية في معركة اليرموك حيث شارك فيها وهو شيخ كبير السن متطوعا مع ابنيه يزيد ومعاوية وكان له أثرا كبيرا في نصرة المسلمين في اليرموك. (للمزيد رجع كتابنا اغتيال العقل الشيعي). هذا عن كبار الكتاب فما بالك بمن هم بدرجة أدنى! بالطبع النجار انطلق في رأيه الشعوبي هذا من كراهية الفرس لأبي سفيان، الكثير لا يعرف ان أبي سفيان كان مبعوثا من النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى كسرى الفرس وهذا دلالة على أهمية، فهو صاحب البيت الآمن، من دخله لا خوف عليه، فقد كان سيد قريش.

قال ابن خلدون " في آخر سنة ست من الهجرة كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كتابه من المدينة مع دحية الكلبي يدعوه إلى الإسلام، ونصّه على ما وقع في صحيح البخاري" بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرّتين فإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين. ((ويا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا الله وَلا نُشْرِكَ به شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً من دُونِ الله فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) 3/ 64 . فلمّا بلغه الكتاب جمع من كان بأرضه من قريش وسألهم عن أقربهم نسبا منه فأشاروا إلى أبي سفيان بن حرب، فقال لهم: إنّي سائله عن شأن هذا الرجل فاستمعوا ما يقوله. ثم سأل أبا سفيان عن أحوال تجب أن تكون للنبيّ صلى الله عليه وسلم أو ينزه عنها، وكان هرقل عارفا بذلك، فأجابه أبو سفيان عن جميع ما سأله من ذلك". (تأريخ ابن خلدون2/276). فهل يعتبر ان النبي (صلى الله عليه وسلم) اخطأ في اختيار أبي سفيان؟

عندما يخوض الكاتب في غير اختصاصه غالبا ما يقع في إخطاء، وهذا ما يمكن تشخيصه حتى عند كبار الرواة، على سبيل المثال قال إبن خلدون وهو مؤسس علم الاجتماع بلا جدل، كما إنه حجة في التأريخ " للأستاذ أبي الحسن عليّ بن هلال الكاتب البغداديّ الشّهير بابن البوّاب قصيدة من بحر البسيط على رويّ الرّاء يذكر فيها صناعة الخطّ وقواعدها من أحسن ما كتب في ذلك. رأيت إثباتها في هذا الكتاب من هذا الباب لينتفع بها من يريد تعلّم هذه الصّناعة، وأوّلها:

يا من يريد إجادة التّحرير           ويروم حسن الخطّ والتّصوير
إن كان عزمك في الكتابة صادقا  فارغب إلى مولاك في التّيسير
أعدد من الأقلام كلّ مثقّف         صلب يصوغ صناعة التحبير
وإذا عمدت لبرية فتوخّه           عند القياس بأوسط التّقدير
انظر إلى طرفيه فاجعل بريه     من جانب التّدقيق والتّحضير
واجعل لجلفته قواما عادلا         خلوا عن التّطويل والتّقصير
والشّق وسطه ليبقى بريه            من جانبيه مشاكل التقدير
حتّى إذا أيقنت ذلك كله             فالقطّ فيه جملة التدبير

(تأريخ ابن خلدون/530). وهذ بالتأكيد من روائع الشعر، والقصيدة من بحر الكامل وليس من بحر البسيط حسبما تصور إبن خلدون. لأن التأريخ وعلم الاجتماع هو اختصاصه وليس الأدب فلا ملامة عليه، بل عتب قليل. وهذا ما يمكن قوله على الكتاب المحدثين ومنهم طه حسين، الذي كتب ( الفتنة الكبرى) بجزئين، وجاء كتابه فتنة كبرى لأنه اعتمد على الروايات الشيعية، وعلى تسعة مصادر في كتابه فقط! والأغرب منها إن ستة منها شيعية من بينها بحار الأنوار للمجلسي. ضاربا بمنهج الجرح والتعديل عرض الحائط، على العكس مما ذكره في مقدمة كتابه حول التضارب والتعارض في الروايات التأريخية وضرورة تمحيصها من قبل الكاتب. وكتابه الفتنة الكبرى هو قصة أقرب منه إلى بحث تأريخي يفتقر الى النظرة العلمية، وربما لأنه تعلم على أيدي المستشرقين في فرنسا والتزم بمنهج بعضهم التحريفي ضد المسلمين والإساءة اليهم.

إن السند في الرواية مهم جدا، وعلم الجرح والتعديل من أهم العلوم في الدين والتأريخ، وهو الفيصل الحاسم في قبول الرواية أو رفضها، لابد من معرفة مصدر الرواية؟ وممن استقاها المؤرخ؟ وماهي مصداقية الراوي؟ وما هي ظروف الحادثة وظروف الراوي نفسه؟ وهل هناك مجاهيل في السند او غير أمينيين على نقل الحقائق؟ وهل هناك إدله قطعية على صحة الرواية؟ وما هو رأي بقية الرواة بنفس الحادثة؟ عند الإلمام بكل ذلك، يمكن عند ذاك الحكم على صحة الرواية من بطلانها. ومن الجدير بالإشارة أن أحاديث المصطفى (صلى الله عليه وسلم) تعرضت للتحريف والزيادة والنقصان فما بالك ببقية الروايات التأريخية، ويمكن الجزم ان الدين الشيعي هو الأكثر تعرضا للتشويه وتزييف الحقائق، سيما ان معظم رواته من الفرس الغلاة والشعوبيين؟

من أشهر وضاع الحديث في العهد الأموي والعباسي وما بعده ابن أبي يحي ومقاتل بن سليمان ومحمد بن سعيد وابن الخطاب، وعبد الكريم ابن أبي العوجاء الذي اعترف لما أمر محمد بن سليمان بقتله في أوائل عصر الدولة العباسية سنة 153هـ بأنه وضع (4000) حديثا، حلل فيه الحرام وحرم فيه الحلال. علاوة على ذلك هناك العديد من الكتاب الشعوبيين الذين تفانوا في جهودهم لتشويه صورة الإسلام والعرب مثل يحي بن عدي، وابن البطريق، والكلبي، ويوحنا النقيوسي، والمئات غيرهم، مما يتطلب الحذر من رواياتهم. يضاف الى ذلك الأخذ بنظر الاعتبار مسألة النسخ وهو لا يتعلق بالقرآن الكريم فحسب، بل الأحاديث النبوية الشريفة أيضا، وهذا ما يفوت البعص من الكتاب. قال ابن خلدون" معرفة النّاسخ والمنسوخ من أهمّ علوم الحديث وأصعبها. قال الزّهريّ: أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من منسوخه". (تأريخ ابن خلدون/557)

علاوة على ذلك كتابات المستشرقين، وهم صنفان:

أولهما: صنف قدم خدمة كبيرة للذاكرة العربية من خلال الكشف عن الكتب القديمة وتحقيقها ونقدها وفهرستها ونشرها في المطابع الأوربية والعربية، غاياتهم الكشف العلمي والفائدة العامة، ومنهم من اكتشف اللغات القديمة، فقدم خدمة جليلة للفكر الإنساني.

ثانيهما: صنف اهتم بالعلوم العربية بدفع من المخابرات الأجنبية (كالرحالة والمبعوثين وعلماء الآثار) سيما قبل فترة الاستعمار الحديث، للتعرف على تأريخ الشعوب التي ستصبح مستعمرات لاحقا بما فيها أخلاق تلك الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم وعشائرهم غيرها من المعارف. ويدخل ضمن هذا الإطار جهود بعض الحاقدين على العرب والإسلام من المتعصبين للديانتين اليهودية والمسيحية، وهؤلاء يمكن اعتبارهم امتدادا طبيعيا للشعوبيين الذين انتموا للإسلام ليس عن قناعة، بل لنخر جدرانه من الداخل، وقد نجح البعض منهم، مع ملاحظة ان جميع الفرق الشعوبية من الفرس.

فقد كان لهم الدور الأخطر في هذا المضمار، وهذا لا يعني الفرس عموما، فالكثير من العلماء المسلمين يرجعون لأصول فارسية، لكنها الحقيقة التي تثبتها الشواهد التأريخية. في الوقت الذي لا يترحم ولا يترضى الرواة الشيعة العرب على كبار الصحابة. لاحظ ما يقول الراوي الفارسي ناصر خسرو عن القدس" فيها وَادي جَهَنَّم، وَقد سَأَلت عَمَّن أطلق هَذَا اللقب عَلَيْهِ فَقيل أَن عمر رَضِي الله عَنهُ أنزل جَيْشه أَيَّام خِلَافَته فِي سهل الساهرة هَذَا فَلَمَّا رأى الْوَادي قَالَ هَذَا وَادي جَهَنَّم، وَيَقُول الْعَوام إِن من يذهب إِلَى نهايته يسمع صياح أهل جَهَنَّم، فَإِن الصدى يرْتَفع من هُنَاكَ وَقد ذهبت فَلم أسمع شَيْئا". (السفرنامة/57).

تذكر لنا كتب التاريخ أن يزدجر كسرى الفرس قال في مؤتمره الذي عقده في نهاوند، قولته الشهيرة " اشغلوا عمر بن الخطاب في بلاده وعقر داره". وكانت هذه الخطة التي قد ابتدعها كسرى الفرس تمثل نواة الفكر الشعوبي، وقد سار عليها أحفاده من بعده، ما تزال نافذة المفعول حتى الوقت الحاضر. قال ابن خلدون " كتب به عمر إلى أبي عبيدة بن المثنى حين وجهه الى حرب فارس: انك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والحيرة، تقدم على أقوام قد جرءوا على الشرّ فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه، فانظر كيف تكون". (تأريخ ابن خلدون2/406). لا شك ان الشعوبية مصدرها الضعف والوهن والحقد الأعمى وعدم القدرة على مواجهة الخصم وجها لوجه، لذلك فهي تعتمد على المخادعة والرياء والدجل والتكتيك الطويل الأجل، علاوة على عقيدة التقية وهي أنواع فصلها محمد صادق روحاني" التقية الخوفية، والتقية الإكراهية، والتقية الكتمانية، والتقية المداراتية". (رسالة في التقية/148 ضمن كتاب الأمر بالعروف والنهي عن المنكر).

ما أن تتعزز قوى الشعوبية وتتاح لها الفرصة المناسبة حتى تسفر عن وجهها القبيح البشع وأهدافها الحقيقية، وهذا ما أشار إليه محمد بن حبان بقوله" كان عمرو بن معد يكرب مع المسلمين في القادسية فجعل يحرض الناس على القتال ويقول: يا معشر المسلمين! كونوا أسودا، إن الفارسي تيس".( السيرة النبوية2/ 469).

يُلاحظ أنه مهما كانت المناصب التي يحتلها الشعوبيين في دار الإسلام فأن جانبهم لا يؤتمن البتة، حيث تبقى نزعة الحقد متجذرة في أعماقهم المظلمة، وهناك الكثير من الشواهد التأريخية التي تدعم رأينا هذا، علاوة على شواهد الحاضر. مثلا في أوج عظمة البرامكة ونفوذهم خلال العصر العباسي الأول، لما همٌ الخليفة أبو جعفر المنصور بهدم إيوان كسرى، استشار خالد بن برمك في الفكرة، فنصحه بعدم الهدم. عندئذ قال له المنصور: أبيت إلى ميلا ً إلى العجمية! ومن ذلك أن يحيى بن خالد البرمكي لما حج مع الرشيد الى بيت الله، أشار عليه بإضاءة الكعبة بالنار، ولكن الرشيد فطن إلى هذه البدعة، التي تكشف عن حنين البرامكة إلى عبادة النار. وظل الشاعر الأصمعي يتقرب إلى البرامكة، ويمدحهم عن حق وعن باطل، فلما نكبوا قال فيهم :

إذا ذكر الشرك في مجلـس... أضاءت وجوه بني برمك

وإن تليـت عندهم آيــة أتوا .. بالأحاديث عن مــــــزدك

ما هي الشعوبية؟

الحركات الشعوبية هي حركات معادية للإسلام، ويدخل ضمنها الطعن في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة وسيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) وأزواجه واصحابه، وكل ما يسيء للإسلام وقيمه العليا ويشوه الرموز الإسلامية وينسب لهم أحاديثا كاذبة، ويلفق لهم تهما باطلة. فالشعوبية تسيء الى العرب وتأريخهم عموما وتنسب لهم المثالب. لذا فهي بكلمة مختصرة معاداة الإسلام والعروبة معا. وهذ الأمر شاذ ففي كل الأديان يحترم الاتباع بل يقدسون حواري انبيائهم وصحبهم، ما عدا الدين الشيعي فهو يكفر جميع صحابة الرسول الأعظم الا ثلاثة، بمعنى ان الأئمة انفسهم وابنائهم واحفادهم، وآل بيت رسول الله جميعهم مرتدين وفق هذه النظرة الفارسية الضيقة.

بلا شك أن كراهية العرب تعني كراهية لغتهم وقيمهم وثقافتهم ومعارفهم وتأريخهم وكل ما يمتٌ لهم بصلة، في الوقت الذي كرم الله تعالى العرب بلغتهم العربية، فقد جاء في سورة النحل/103 ((وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ)). وفي سورة الشعراء/192ـ 195((وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ)). وفي سورة يوسف/2 ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)). وغيرها من الآيات الكريمة. قال إبن كثير" ذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات، وأبينها، وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات". (تفسير ابن كثير2/467). وذكر البيهقي " روى عبد الله بن عباس عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: أحبوا العرب فإني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي. وقال عليه السلام: من أحب العرب فيحبني أحبهم، ومن أبغضهم فيبغضني أبغضهم. وروى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله أنه إذا زالت العرب زال الإسلام. وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: العرب نور الله في الأرض، فإذا ذهبت العرب أظلمت الأرض، وذهب ذلك النور". (لباب الأنساب والألقاب والأعقاب/13). وذكر القاضي أبو يوسف" قال عمر بن الخطاب في وصية لخليفته: اوصيه بالأعراب فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام" (كتاب الخراج/ 14). وهذا رأي كتاب الغرب أيضا، فقد ذكر السيد ميكاليس" استمد العرب القدامى مجدهم من ثلاثة أشياء هي: لغتهم وسيوفهم وضيافتهم". (مجموعة أسئلة حول الجزيرة العربية/ ترجمة عبير المنذر).

التهمة الكيدية

في حرق مكتبة الإسكندرية/2

العجم في اللغة والأدب

يلاحظ أن كلمة الأعاجم، وأن أريد بها غير العرب لكن غالبا ما تستخدم في الإشارة إلى الفرس وهذا ما يتبين في قول علي بن أبي طالب لعمر الفاروق عندما قرر فتح بلاد فارس "إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا: هذا أصل العرب، فإذا اقتطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك، وطمعهم فيك. فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين، فإن الله سبحانه هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره. وأما ما ذكرت من عددهم، فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة". (نهج البلاغة/203).

ذكر التوحيدي" الأمم عند العلماء أربع: الروم، والعرب، وفارس، والهند، وثلاث من هؤلاء عجم، وصعب أن يقال: العرب وحدها أفضل من هؤلاء الثلاثة، مع جوامع ما لها، وتفاريق ما عندها". (الإمتاع والمؤانسة1/70). وقال ايضا" كتب سعد بن أبي وقّاص إلى رستم صاحب الأعاجم: إسلامكم أحبّ إلينا من غنائمكم، وقتالكم أحبّ إلينا من صلحكم. فبعث إليه رستم: أنتم كالذّباب إذ نظر إلى العسل. (الإمتاع والمؤانسة1/70). وكتب العتّابي إلى المأمون: إن للعرب البديهة، وللعجم الرّويّة، فخذ من العرب آدابها ومباني كلامها، وخذ من العجم مكايدها ونتائج فكرها، تجتمع لك فصاحة العرب ورجاحة العجم". (البصائر والذخائر7/78).

كما ذكر الشيخ البحراني الفرق بين العجمي والاعجمي " العجمي هو المنسوب الى العجم وان كان فصيحا، والاعجمي هو الذي لا يفصح وإن كان عربيا، الا ترى أن سيبويه كان عجميا، وكان لسانه لسان اللغة". (بهجة الخاطر ونزهة الناظر/182). وقال ابن قتيبة" في كتب العجم أن بعض ملوك فارس قال: صونوا أسراركم فإنه لا سرّ لكم إلا في ثلاثة مواضع: مكيدة تحاول، أو منزلة تزاول، أو سريرة مدخولة تكتم، ولا حاجة بأحد منكم في ظهور شيء منها عنه ظنّ ". (عيون الأخبار1/99). قال الشاعر:

تنزو بها العجم في دكن مسعفة ... نزو الجنادب في أعناقها الصوف

كما قال المظفر الحاتمي" العجم: الفرس. والدكن: الزقاق". (حلية المحاضرة/123). قال ابن عبد ربه" كانت العرب تسمي العجميّ إذا أسلم: المسلماني؛ ومنه يقال: مسالمة السواد، والهجين عندهم: الذي أبوه عربي وأمه أعجمية؛ والمذرّع: الذي أمه عربية وأبوه أعجمي وقال الفرزدق:

إذا باهليّ أنجبت حنظليّة ... له ولدا منها؛ فذاك المذرّع

والعجمي: النصراني ونحوه وإن كان فصيحا. والأعجمي: الأخرس اللسان وإن كان مسلما.
ومنه قيل: زياد الأعجم؛ وكان في لسانه لكنة. والفرس تسمى الهجين: دوشن؛ والعبد: واش ونجاش. ومن تزوّج أمة: نفاش، وهو الذي يكون العهد دونه، وسمي أيضا: بوركان". (العقد الفريد7/141).
وقال ابن سعيد المغربي" كتب عن مروان آخر خلفاء بنى أمية إلى فرق العرب حين فاض العجم من خراسان بشعار السواد قائمين بالدولة العباسية: أما بعد: فقد بلغكم قولا شائعا ثم فعلا فاضحا ما كان من ائتلاف كلمة هؤلاء المارقة بعد الشّتات. وظهور باطلهم بعد الغموض، وانسياح ضلالتهم في الأرض بعد الانكماش، وها هم قد تركوا خراسان رأس الدنيا ودار العجم وراءهم، وأقبلوا وراء رقعتكم ليجالدوكم عليها، ويزحزحوكم عنها بجيشي التمويه والسيف، فاتقوا الله في حمايتكم عن دينكم، واحذروا العار في أخذ دنياكم من أيديكم. وكونوا عند الوفاء لمن اعتدّ بكم، ولا تمكنوا ناصية الدولة العربية من يد الفئة العجميّة، واثبتوا ريثما تنجلي هذه الغمرة، وتصحو هذه السكرة، فسينضب السيل وتمحى آية الليل". (المقتطف من أزاهر الطرف/81).

الشعوبية إذن وفق أبسط التعاريف هي كراهية العرب عموما وكل ما يتعلق بهم، هي كراهية الجنس العربي، واللغة العربية، والتراث والأدب، وكل المعارف والعلوم بما فيها الإسلامية، والشعوبية تتعارض مع ما جاء في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة تماما. والادعاء ان المسلمين حرقوا مكتبة الإسكندرية واحدة من افتراءات الشعوبيين وبعض المستشرقين المعادين للعرب والإسلام، كما سيتضح من خلال المبحث.

يمكن تقسيم الفكر الشعوبي الى قسمين هما.

  1. الفكر الشعوبي العربي. حيث توجد الكثير من الحركات الشعوبية التي ترتدي الجلباب العربي وأحيانا الإسلامي وهي تناصب العرب عموما الكراهية والحقد، وتستثمر كل الوسائل الممكنة للطعن بالعرب. ومن هؤلاء الشعوبيين عدد كبير من الكتاب العرب والمسلمين سواء كانوا داخل الوطن العربي أو خارجه، وهؤلاء أشد خطرا من غيرهم بسبب إتقانهم اللعة العربية، ومعرفة تفاصل حياة العرب من ثقافة واجتماع وأدب وعادات وتقاليد، لذا فأن صيدهم في الماء العكر يأتيهم بصيد أوفر من غيرهم. والبعض منهم كتاب مأجورين يتسلمون ثمن كتاباتهم من أذرع الأخطبوط الطويلة والممتدة داخل وخارج الوطن العربي. ومنهم من انسلخ من عروبته لأسباب ذاتية أو اقتصادية واجتماعية بسبب قضاء شطر كبير من حياته في الغرب، أو بسبب الظلم الاجتماعي الذي تعرض له في بلده العربي، او بسبب الحاجة والعوز، او الحصول على حياة افضل، وأسباب أخرى.
  2. الفكر الشعوبي الأجنبي. وهو يتمثل بشكل واضح في حركات وأنشطة الاستشراق الأوربي، علاوة على الأفكار الأتاتوركيه والخمينية التي حاولت طمس الثقافة العربية بكل أشكالها وموروثها الفكري، بل اقتلعت تركيا وإيران الفكر العروبي وتراثه من جذوره. وصارت الأسماء العربية والتسميات العامة واللباس العربي جريمة في هاتين الدولتين الإسلاميتين. مما لا شك فيه أن الأنظمة العربية تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن هذه الانتكاسات الخطيرة. فقد أهملت العرب الموجودين في إيران وتركيا وبقية الدول، وتنصلت من مسؤوليتها اتجاههم، وهذا ما نجده حاليا في أوضاع العرب المأساوية في إيران الساسانية (عربستان) وتركيا العثمانية، رغم ان العرب لهم الفضل الأول في نشر الإسلام فيهما.

الحقيقة المرة ان الفارسي والتركي يشتركان في خاصية كراهية العرب، بل هي السمة التي تجمعهما رغم العداء بينهما.

الشعوبية قديما

ليست الشعوبية وليدة العصر الحالي، بل هي قديمة وسبقت الإسلام وهذا ما يتجلى بوضوح في نظرة الملوك الفرس الى العرب، واشتدت الهجمة شراسة مع فجر الإسلام، ومن خلال إجابة كسرى الفرس على رسالة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عندما دعاه الى الإسلام، وكذلك في رسالة يزدجر الثالث الى عمر بن الخطاب بعد معركة القادسية والتي توضح نظرتهم الدونية الى العرب، كتب يزدجر (يزدجرد) الثالث الى: عمر بن الخطاب خليفة المسلمين10997 باسم (هورا مزدان) خالق الحياة و الحكمة " أنت في رسالتك كتبت أنك تريد إرشادنا الى ربك (الله أكبر) بدون أن تعرف حقيقة مَن نكون نحن وما نعبد. العجيب في الموضوع أنك جالس على كرسي خلافة العرب في حين أنّ مستوى فهمك (تفكيرك) هو مستوى فهم أي عربي من العوام. إنّ مستوى فهمك (تفكيرك) بالنسبة لنا هو مثل مستوى فهم رؤساء القبائل العربية المُشفَق عليهم. يا عُمر! أنت تدعوني الى عبادة إله الواحد الأحد من دون أن تعرف أن الفرس منذ آلاف السنين يعبدون إله الواحد الأحد ويسجدون لِربّهم في اليوم خمس مرات. العُرف والفن جزء من حياة الفرس منذ سنوات عديدة. عندما كنا نحن من صُنّاع العادات الفضيلة وحُسن الضيافة وحاملي راية (التفكير الحسن، القول الحسن، الفعل الحسن)، كنتم أنتم تأكلون السحلية والحشرات لأنه لم يكن لكم ما تأكلون غيرها، وكنتم تدفنون بناتكم البريئات. إن العرب لا يحترمون الإنسان، أنتم تذبحون مخلوقات الرب، بل حتّى أنكم تذبحون الأسرى وتعتدون على النساء وتدفنون بناتكم أحياءً وأنتم قطّاع طرق القوافل، تقتلون وتغنمون وتغتصبون أموال الناس. إن قلبكم من حجر. إننا نرفض كل هذه التصرفات الجنونية. كيف لكم أن تجدوا لنا إلهاً وأنتم تقومون بكل هذه الجرائم. أنت تقول لي بأن لا أسجد للنار! نحن نرى حب الخالق ونور الشمس في وهج النار. ان النور والنار تجعلاننا أن نرى شعاع الحقيقة والحق وأن نمنح قلوبنا الى الخالق لينوّرها ويساعدنا في أن نكون لطفاء مع بعضنا ونستنير كي يدوم الحب في قلوبنا الى الأبد. إنّ ربنا هو (هورا مزدان) الذي أنتم الآن عرفتموه وسميتموه (الله أكبر)، ولكن نحن لسنا مثلكم. نحن نطوّر الحب بين البشر. نحن ننشر ونطوّر المحبة على الارض. منذ آلاف السنين ونحن نقوم بتطوير ثقافتنا وعاداتنا وفي نفس الوقت نحترم عادات وثقافات غيرنا، ولكنكم أنتم باسم (الله) تُدمّرون وتنهبون على الأرض، تقتلوننا وتقتلون غيرنا وتأتون بالفقر والجوع، وباسم الإله تخلقون الرعب والفقر. هل أنّ هذا الإله يأمركم بالقتل؟

وهل يأمركم بالتخريب والنهب؟

هل أنتم تبعية الإله (الله)، تقومون باسمه بكل هذه التصرفات المشينة؟ أو باسمه هربتم من الصحراء القاحلة وعن طريق غزواتكم ورؤوس سيوفكم تعطون دروساً لِمحبة الله؟ نحن منذ آلاف السنين لنا ثقافتنا. قل لنا ما الذي سوف تُعلّموننا إياه عن طريق غزواتكم واعتداءاتكم وقتلكم باسم (الله أكبر)؟ ما الذي علّمتموه للمسلمين كي هم بِدورهم يعلّموا غيرهم؟ ما الذي تعلّمتموه أنتم كي تأتوا الآن وتعلّمون به غيركم عن طريق الإكراه؟ مع الأسف كل الأسف… جيشنا الآن قد ُهزم أمام جيشكم. الآن يجب على الناس (مواطنينا) أن يسجدوا لهذا الإله الذي جاء إلينا من خلال سيوف العرب. أقترح عليك ان تجمع جيشك وترجعوا الى صحرائك، المكان الذي كنتم تعيشون فيه، المكان الذي لا توجد فيه ثقافة غير الخوف من النار (نار جهنم)، المكان الذي تحكمه القبائل ويأكلون (قمقمك) ـ هو نوع من الحشرات التي تعيش في الصحراءـ . أنا لا أقبل أن يعيش جيشك في بلادنا الخيّرة. الناس العرب الذين أتيتَ بهم لغرض القتل والنهب، لا تقبل منهم ان يقوموا بهذه الاعمال باسم (الله). أُتركْ تصرفاتكم الإجرامية لأن الناس هنا يقبلون الاعتذار ويحسنون الضيافة. إنهم يزرعون بذور الصداقة أينما يذهبون. أنا أطلب منك ان تبقوا في الصحارى ولا تقتربوا من المدن الحضارية لأنّ معتقداتك رهيبة وهمجية. (ترجمها هاوڕێ كمال من الكردية الى العربية).

ولأن معظم العرب من المسلمين، لذا تغلغلت الشعوبية الى الإسلامية، باعتبار أن تدمير الإسلام يعني تدمير العرب بالنتيجة. ونشط التحرك الشعوبي بعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) واشتد خلال الفتح الإسلامي لفارس وبقية الأمصار، وبدأت حملة تشويه الأحاديث النبوية وتلتها الإساءة الى الذات الإلهية والطعن في القرآن الكريم وأحكام الإسلام والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأمهات المؤمنين وشملت بقية الصحابة الكرام الذين رضى الله عليهم، قال تعالى في سورة الفتح/ 18 (( لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا))، الله رضى على الصحابة والفرس والشيعة يكفرونهم باعتبارهم ارتدوا عن الإسلام، يا للعجب!

امتدت الهجمة الى خلفاء بني أمية. وكان للفرس السبق والشدة في التوجه الشعوبي من خلال الحركات الهدامة التي أضعفت أمة العرب والإسلام، فمعظم الحركات الشعوبية ذات أصول فارسية مباشرة أو غير مباشرة واستمرت هذه الهجمة الشرسة لحد الوقت الحاضر، بل يمكن الجزم بأن هناك جبهة شعوبية داخلية وأخرى خارجية ولا تقل أحدهما خطرا عن الأخرى.

والشعوبية يمكن أن تلاحظها في الكتب القديمة بوضوح من خلال التفريق والتمييز المشين بين الصحابة الأجلاء، فالكثير من المؤرخين القدامى بالغوا في كيل المدائح لعلي بن أبي طالب وذريته وترحموا عليهم دون أن يكيلوا مدحا أو مجرد رضوان على بقية الصحابة، سيما الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل. والغريب ان الكثير منهم محسوب على أهل السنة! ربما تكون هذه اللعبة القذرة من صنع الناسخ وليس المؤلف كما اوضحنا، ولكن من الصعب التوصل الى الحقيقة لأن هناك نسخ أحادية أو ثنائية من بعض المخطوطات مما يُصعب المهمة على الباحث. وهذه بعض الشواهد.

إبن قتيبة

قال ابن قتيبة" قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في عبد الله بن عباس: إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق".( عيون الأخبار1/91). و" كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتمثّل بهذين البيتين:

ولا تفش سرّك إلّا إليك...   فإنّ لكلّ نصيح نصيحا
فإني رأيت غواة الرجال ... لا يتركون أديما صحيحا

( عيون الأخبار1/97). لاحظ كيف يترضى على علي بن ابي طالب، ولا يترضى على ابن عمه! بل لا يترضى أيضا على عمر الفاروق!

كما ذكر ايضا" قال عمر بن الخطاب: الرأي الفرد كالخيط السّحيل، والرأيان كالخيطين المبرمين، والثلاثة مرار لا يكاد ينتقض".(عيون الأخبار1/86). وقال ايضا " حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال: لما أتي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يقلّبه بعود في يده ويقول: والله إن الذي أدّى إلينا هذا لأمين، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أنت أمين الله يؤدّون إليك ما أدّيت إلى الله فإذا رتعت رتعوا. قال: صدقت.

حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعي قال: لما أتي علي (ع) بالمال أقعد بين يديه الوزّان والنقّاد فكوّم كومة من ذهب وكومة من فضة وقال: يا حمراء ويا بيضاء احمري وابيضّي وغرّي غيري ".( عيون الأخبار1/115). وقال أيضا" وجدت في كتاب لعلي بن أبي طالب كرّم الله وجهه إلى ابن عباس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ: إني أشركتك في أمانتي ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدوّ قد حرب قلبت لابن عمك ظهر المجنّ بفراقه مع المفارقين وخذلانهم مع الخاذلين واختطفت ما قدرت عليه من أموال الأمّة اختطاف الذئب الأزلّ دامية المعزى وفي الكتاب: ضحّ رويدا فكأن قد بلغت المدى وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي به ينادي المغترّ بالحسرة ويتمنّى المضيعّ التوبة والظالم الرجعة". (عيون الأخبار1/121). في حين عندما يرد عمر بن الخطاب لاحظ كيف يذكره! قال" حضر باب عمر بن الخطاب جماعة منهم سهيل بن عمرو وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس فخرج الآذن فقال: أين صهيب؟ أين عمّار؟ أين سلمان؟ فتمعّرت وجوه القوم. فقال واحد منهم: لم تتمعّر وجوهكم؟ دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعدّ الله لهم في الجنة أكثر".( عيون الأخبار1/157). لكن ربما هذا الأمر من فعل الناسخ، وليس الكاتب والله اعلم.

إبن الدجاجي

قال ابن الدجاجي " قال عبد الله بن عمر: اتقوا من تبغضه قلوبكم. وقال يحيى بن خالد البرمكي رحمه الله: إذا كرهتم الرجل من غير سوء أتاه إليكم فاحذروه، وإذا أحببتم الرجل من غير سوء أتاه إليكم فاحذروه وإذا أحببتم الرجل من غير سبق منه إليكم فارتجوه". وذكر" قال سعد بن أبي وقاص لابنه: يا بني إذا طلبت الغني فاطلبه بالقناعة، فإن لم يكن لك قناعة فليس يغنيك مال".(سقط الملح/2).

لاحظ ترحمه على البرمكي، وليس على الصحابيين سعد بن ابي وقاص وعبد الله!

 

الشمشاطي

ذكر الشمشاطي" قال عُمَر بن الخَطّاب لعَمْرِو بن مَعْدِ يكَرِبَ: أَخْبرْني عن السِّلاح، قال: سَلْ عما شِئْتَ منه، قال: الرُّمْح، قال: أَخوك وربّما خَانَك، قال: النَّبْل، قال: مَنَايَا تُخطِئُ وتصِيب، قال: التُّرْسُ، قال: ذاك المِجَنُّ، وعليه تَدُورُ الدَّوائر، قال: الدِّرْع، قال: مُشْغِلَةٌ للراجِل، مُتعِبَةٌ للفارِس، وإِنَّهَا لَحِصْنٌ حَصِينٌ، قال: السَّيْف، قال: ثَمَّ قَارَعَتْك أُمُّك عن الثُّكْل، يا أَميرَ المؤمنين، قال عُمر: بل أُمُّك، قال: الحُمَّى أَضْرَعَتْنِي لك". لاحظ لا أمير المؤمنين ولا خليفة ولا (رض). في حين عندما تكلم عن علي قال" قال أَمير المؤمنين عليٌّ (ع): السَّيْف أَنْمَى عَدَداً، وأَكْرم وَلداً. وذَكَرَ أَعرابيٌّ قَوْماً تَحَارَبُوا فقال: أَقْبَلَت الفُحُول، تَمْشي مَشْىَ الوُعول، فلمّا تَصَافَحُوا بالسُّيُوف فغَرَت المَنَايَا أَفواهَها. وذكَر آخَرُ قَوماً أَغارُوا على قومٍ فقال: جَعَلوا المُرَّان أَرْشِيَةً فاسْتَقَوا بها أَرْوَاحَهم". (الأنوار ومحاسن الأشعار1/1). وذكر" كتب عمر بن الخطّاب إلى عمرو بن العاص: إنّي أريد أن أغزي جيشاً من المسلمين البحر، فأخبرني عنه. فكتب إليه: إنّ البحر خلق عظيم، يركبه خلق ضعيف، دود على عود إن يمسكوا يفرقوا، وإن يصرعوا يغرقوا. فقال عمر: لا أحمل فيه مسلماً كارهاً أبداً". (الأنوار ومحاسن الأشعار/76)

الشريف الادريسي

قال الشريف الادريسي" سمي بجبل طارق لأن طارق بن عبد الله بن ونموا الزناتي لما جاز بمن معه من البرابر وتحصنوا بهذا الجبل أحس في نفسه أن العرب لا تثق به فأراد أن يزيح ذلك عنه فأمر بإحراق المراكب التي جاز فيها فتبرأ بذلك عما اتهم به". ( نزهة المشتاق2 /540). في حين ذكر الحميري" طارق بن زياد، قيل هو فارسي وقيل هو من الصدف وقيل ليس بمولى وقيل هو بربري من نفزة، فعقد له وبعثه موسى بن نصير في سبعة آلاف من البربر والموالي ليس فيهم عربي إلا القليل، فهيأ له يليان المراكب وحل بجبل طارق يوم سبت في شعبان من سنة اثنتين وتسعين وهو من شهور العجم شهر أغشت، وقيل في رجب من السنة، في اثني عشر ألفاً غير ستة عشر رجلاً لم يكن فيهم من العرب إلا قليل وأصاب طارق عجوزاً من أهل الجزيرة قالت: إنه كان لي زوج عالم بالحدثان وكان يحدث عن أمير يدخل بلدنا هذا ويصفه ضخم الهامة، وأنت كذلك، ومنها أن بكتفه الأيسر شامة عليها شعر فإن كانت بك هذه الشامة فأنت هو، فكشف طارق ثوبه فإذا بالشامة على كتفه كما ذكرت العجوز، فاستبشر بذلك هو ومن معه. وذكر عن طارق أنه كان نائماً في المركب فرأى في منامه النبي (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الأربعة يمشون على الماء حتى مروا به فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح وأمره بالرفق بالمسلمين والوفاء بالعهد، وفي حكاية أنه لما ركب البحر غلبته عينه فرأى النبي (صلى الله عليه وسلم) وحوله المهاجرون والأنصار قد تقلدوا السيوف وتنكبوا القسي فيقول له النبي (صلى الله عليه وسلم): يا طارق تقدم لشأنك"، ونظر إليه وإلى أصحابه قد دخلوا الأندلس قدامه، فهب من نومه مستبشراً وبشر أصحابه ولم يشك في الظفر، فنزل بالجبل شاناً الغارات في البسائط ولذريق يومئذ غائب في غزاة له واتصل به الخبر فعظم عليه أمره وفهم الخبر الذي منه أتي مع يليان، وأقبل مبادراً في جموعه حتى احتل بقرطبة أياماً والجنود تتوافى عليه، وكان لحينه ولى ششبوت بن الملك غيطشة ميمنته وأخاه ميسرته وهما موتوران قد سلبهما ملك أبيهما، فبعثا إلى طارق يسألانه الأمان إذا مالا إليه عند اللقاء بمن معهما وعلى أن يسلم إليهما ضياع والدهما غيطشة إن ظفر، فأجابهما طارق إلى ذلك، وعاقدهما عليه فلما التقى الجمعان انحاز هذان الغلامان إلى طارق فكان ذلك سبب الفتح، وكان الطاغية لذريق في ستمائة ألف فارس". ( الروض المعطار1/35).

وقال الادريسي" شرب أهل المدينة من نهر صغير يأتي إليها من جهة المشرق جلبه عمر بن الخطاب وجاء به إليها من عين كبيرة إلى شمال المدينة وأجراه بالخندق المحتفر بها ومقدار مدينة يثرب على قدر نصف مكة ومياه نخيلهم وزروعهم من الآبار يسقيها العبيد وبقيع الغرقد خارج باب البقيع في شرقي المدينة". ( نزهة المشتاق /143). وقال أيضا " يتصل بأرض عمان من جهة الغرب ومع الشمال أرض اليمامة وهي بلاد الزرقاء اليمامة وكانت هذه الزرقاء اليمامة في عهد الجاهلية ولها أخبار مشهورة مذكورة في الكتب وتولى قتلها وسببها وأخذ أموالها وال من قبل عمر بن الخطاب". ( نزهة المشتاق /159). كما قال " إن مدينة سبيطلة كانت مدينة جرجيس ملك الروم الأفارقة وكانت من أحسن البلاد منظرا وأكبرها قطرا وأكثرها مياها وأعدلها هواء وأطيبها ثرى وكانت بها بساتين وجنات وافتتحها المسلمون في صدر الإسلام وقتلوا بها ملكها العظيم المسمى جرجيس". ( نزهة المشتاق /283). لاحظ يعظم الملك جرجيس ولا يترحم على عمر! وانظر الى رأيه في العرب " إن الذي تضمنه هذا الجزء الثالث من الإقليم الثالث من الأرضين أكثرها خلاء وعامرها قليل وأهلها عرب مفسدة في الأرض مغيرة على من جاورها، في وسط الرمل وماؤها ماء زعاق لا يسيغه شارب". ( نزهة المشتاق1/348). كذلك قول آخر عن عرب الأهواز" الأهواز: مدينة نزهة جدا ليس في خوزستان مدينة أكثر نزاهة منها. ذات نعم وفيرة وشكل حسن. أهلها صفر الوجوه. ويقال إن من أقام بالأهواز وجد في عقله نقصا". ( حدود العالم/149).

وسوم: العدد 1094