عن حماية الصهيونية في الجامعات الأمريكية
تعوّد المرء أن يجد أسماء جامعات مرموقة مثل هارفارد وكولومبيا على رأس قوائم أفضل المؤسسات الأكاديمية، التي تنشر سنوياً في المجلات والمنابر المختصة والمعنيّة بتقييم أداء الجامعات والكليّات. ويعود ذلك لسمعتها المرموقة ورأسمالها الأكاديمي (والمادي أيضاً بالطبع) واحتضانها واستقطابها لأبرز العلماء والباحثين. ولكون كل واحدة من هذه الجامعات قبلة للمتميزين والمتفوقين من البلاد، ومن أصقاع العالم. لكن هاتين الجامعتين، ومعهما جامعة نيويورك، التي استثمرت الكثير منذ ثلاثة عقود لتلحق بجامعات النخبة، قبعت في أسفل قائمة نشرت في السادس من سبتمبر 2024.
وصدرت القائمة عن «مؤسسة الحقوق الفردية والتعبير المستقلّة» FIRE (Foundation for Individual Rights and Expression) التي تأسست عام 1998، وتعنى بمحاربة الرقابة ومراقبة مخالفات الإجراءات القانونية في الجامعات ضد الطلبة والأساتذة، في قضايا حرية الرأي والتفكير. وهذه هي السنة الثانية على التوالي التي تقبع فيها هارفارد في قعر القائمة، وانضمت إليها جامعتا كولومبيا ونيويورك. وليس سرّاً أن الأسباب هي سياسات هذه الجامعات في السنة الماضية وسلوكها وأفعالها المشينة ضد طلابها وأساتذتها، الذين اشتركوا في المظاهرات ومخيمات الاعتصام الداعمة لغزة، وطالبوا بوقف إطلاق النار، وسحب الاستثمارات وإيقاف الشراكات مع الجامعات الإسرائيلية. فمن فصل أساتذة وطلاب وحرمانهم من التخرّج، إلى استدعاء الشرطة إلى الحرم الجامعي، وتغيير القوانين لمنع الطلاب من التعبير عن رأيهم. ويشير التقرير إلى أن آراء نسبة كبيرة من الطلاب تغيّرت في السنة الماضية، فازدادت نسبة الذين فقدوا الثقة بإدارات الجامعات، والذين لا يتوقعون أن تدافع الجامعة عن حريتهم في التعبير والرأي.
آراء نسبة كبيرة من طلاب الجامعات الأمريكية تغيّرت، فقد ازدادت نسبة الذين فقدوا الثقة بإدارات الجامعات، والذين لا يتوقعون أن تدافع الجامعة عن حريتهم في التعبير والرأي
وتفوّقت جامعة نيويورك على منافساتها بإجراء تعديل خطير على لائحة السياسات التي تخص سلوك الطلاب قبيل بداية الفصل الدراسي الحالي. فقد أضافت «صهيوني/ة» إلى لائحة المجموعات المحميّة قانونياً من التفرقة، ضمن ما يعرف بالفقرة السادسة من قانون الحقوق المدنية، الذي سنّ عام 1964. وتنص هذه الفقرة في القانون على حماية الطلاب في الجامعات الخاصة والحكومية في الولايات المتحدة من التفرقة على أساس العرق، أو اللون، أو الدين، أو الجنس، أو القومية، وأن يتولى مكتب الحقوق المدنية في وزارة التعليم مهمة تنفيذ القانون. كما تخوّل الفقرة المدّعي العام مقاضاة أي جامعة تخالف هذا القانون. وتؤدي المخالفة إلى احتمال حرمان الجامعة من المنح المادية، التي تقدمها وزارة التعليم سنوياً للبرامج الدراسية والمراكز الأكاديمية. وتكمن خطورة وتبعات السياسة الجديدة في أنها تضع الصهيونية (وهي أيديولوجية) ومن يعتنقها، قانونياً، بمصاف ديانة، إذا كان معتنقها «يعتبرها جزءا من هويته الدينية». وبذلك يصبح أي نقد للصهيونية بمثابة تفرقة عنصرية ضد اليهودية. وتتعدى خطورة التعديل في صياغته قضية فلسطين لأنه يسمح أيضاً مستقبلاً بحماية الأيديولوجيات القومية الأخرى، واعتبارها مجموعات محمية قانونياً، إذا كان من يعتنقها يؤمن بأنها «جزء من هويته العرقية أو الإثنية». وبذلك ستطلق العنان لليمينيين المتطرفين، سواء كانوا من القوميين الهندوس، أو القوميين البيض. وستسمح لهم باستغلال الغطاء القانوني لنشر عنصريتهم ضد الآخرين، وإسكات ومعاقبة من ينتقدها ويعارضها. وبعد الإعلان عن هذا التعديل، بعث عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، ريتشي توريس (الذي تخرّج من جامعة نيويورك) والذي يمثل مدينة نيويورك، برسالة إلى إدارة جامعة كولومبيا يحثّها على أن تحذو حذو جامعة نيويورك. وتشير التقارير إلى أن كلية بارنارد، التابعة لجامعة كولومبيا، حولت سياسة مؤقتة كانت قد بدأتها في فصل الربيع الماضي، إلى سياسة دائمية. وهي تمنع وضع أي علامات أو إعلانات كشكل من أشكال الاحتجاج أو التظاهر على أبواب غرف السكن، أو أماكن أخرى داخل بنايات سكن الطلاب الجامعي، بضمنها ألواح الإعلانات والسلالم وجدران الحمامات والجدران، لأنه «قد يكون لها أثر غير مقصود يؤدي إلى عزل أولئك الذين يحملون آراء مختلفة». كما ذكر القسم الخاص بالتفرقة والتنمّر أن مفردة «صهيوني» قد تكون «شيفرة» ويمكن عدّها تمييزاً ضد الطلاب اليهود والإسرائيليين.
كانت صحيفة «الغارديان» قد نشرت تقريراً في يونيو الماضي، بعد حصولها على وثائق عن حملة منظمّة تمولها الحكومة الإسرائيلية لمواجهة الحراك الطلابي في الولايات المتحدة. ويذكر التقرير أن الكنيست استدعى أميخاي شكلي الوزير من حزب الليكود، ليتحدث عمّا يمكن القيام به للتأثير على الجامعات الأمريكية، وبالذات جامعات النخبة. وما أوصى به هو شن هجوم منظّم. ويذكر التقرير تخصيص الحكومة الإسرائيلية لميزانية وإنفاقها ثمانية ملايين دولار بين أكتوبر ومايو من العام الماضي لتمويل أكثر من 80 برنامجاً، ولإعادة إحياء حملة كانت تركز في الماضي على الجامعات في أوروبا والولايات المتحدة وتعمل على سن قوانين في الولايات المتحدة تجرّم حملة المقاطعة. وتهدف حملة العلاقات العامة الجديدة إلى مجابهة موجة المظاهرات والمخيمات وإعادة تأطير الخطاب السائد في الجامعات الأمريكية والضغط على الجامعات لإعادة تعريف معنى معاداة السامية، عبر منظمات غير ربحية ومؤسسات مختلفة لا تكشف عن مصادر تمويلها.
هل ستنجح هذه الحملات والسياسات في إضعاف الحراك الطلابي وترهيب الطلاب؟ وأنا أكتب هذه السطور نظم طلاب جامعة نيويورك المنتمين إلى «تحالف التضامن مع فلسطين» مظاهرة، هي الثانية خلال أسبوعين، في المتنزه المجاور للجامعة، ورفعوا الشعارات ذاتها التي رفعوها في السنة الماضية ومن بينها «الصهيونية عنصرية» و «إسرائيل دولة إبادة». وتذكّرت أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام «رجعوا التلامذة للجدّ تاني».
وسوم: العدد 1095