سورية المتأرجحة.. والسوريون المتأرجحون

أما وصف سورية المتأرجحة فهو من صناعة غير بيدرسون، المندوب الأممي لمتابعة الشأن السوري، الذي أفاد في مطالعته أمام مجلس الأمن، أن سورية تتأرجح على حافات عواصف عسكرية، وإنسانية، واقتصادية…

وأما السوريون المتأرجحون فهم أراهط من جميع السوريين، وأنا أو نحن منهم بدون شك، أفضل ما تعلموه في حياتهم- هذا لمن تعلموا- الدبكة العربية، لمن يحسنونها، فهم في كل ما يأتون ويدعون على مثل "دبكة حمد" بأرضك بأرضك. خطوة للأمام وأخرى للخلف…

وهذا التوصيف يشمل كل سورية من كل أطياف السوريين. فالكل يعتقد أن وراء الخطوة الثانية، تقدما كانت أو تراجعا، شرا كبيرا..

تعلمون!! الحقيقة تقول أنه حتى في الخطوات تكون إلى الوراء، قد يكون النصر والفرج والانجاز…

تتأخر لتصحح مسارا، وتقوّم انحرافا، وتستدرك بعض ما فاتك، أو لتستمد عزما وقوة، كما يفعل المتسابق يحمّي في مباريات القفز العالي أو القفز العريض…

عملية التحمية هذه تساعد كتلة الجسم على اكتساب التسارع الذي يعينها على.. أن تمضي أو ترتفع…

كل شيء حول السوريين في الجيوسولوجيا قد تغير، دخل العالم والمنطقة في حروب، ثمة دول وأنظمة قد غيرت جلدها، أو قبلتها…!!

السوريون وحدهم ما زالوا في مثل مراجيح العيد، مهما انتهضت أو تراجعت تبقى ثابتة بعروتها المتينة، كالفرس المربوط بآخيته..

في سورية مثلا نظام وحكومة ووزراء ومحافظون وكتاب وصحفيون...لم يحفظوا من شعر المتنبي غير قوله:

أنام ملءَ جفوني عن شواردها

ويسهر الخلق جراها ويختصم

فلا شيء في سورية، يستحق السهر، ولاشيء يستحق التفكير، ولا شيء يستحق التجاذب، ولا شيء يستدعي السوريين على الضفاف كلها.. أن يفكروا معا ولو لساعة من نهار…

الحرب تطرق أبواب سورية، والسوريون من يبالي؟؟ هذه الرشقات أو القصفات أو الامتدادات والتخندقات اليومية، يمكن أن تجعل الصهيوني في أي لحظة في قلب دمشق!! هو مع الأسف يملك القدرة، ولا يمنعه غير ضوء برتقالي يوصوص له من بعيد!! فمن يبالي؟؟

عراقجي "وزير خارجية إيران" يؤكد للصباغ "وزير خارجية الأسد" يعز عليّ أن أصفه "وزير خارجية سورية"، أخشى من لعنات مليون شهيد!!

عراقجي يؤكد للصباغ أن بلاده، يعني إيران الولي الفقيه، ستقف مع سورية ضد أي عدوان صهيوني!! -عراقجي يقول إسرائيلي أنا تصعب عليّ-

أقول للصباغ نعم: كما وقفت دولة الولي الفقيه مع خاصرتها الرخوة في لبنان..

مشاعرنا تجاه ما يجري في لبنان، وعلى اللبنانيين؛ أشد اختلاطا، وفرزها ينكأ علينا جروحا لا قبل لنا بها، ومع ذلك فالصباغ ومن فوقه ومن تحته يشدون أيديهم على ما قال عراقجي وينامون هانئين، أو هكذا نظن…

سورية تتأرجح على حافة الحرب..

كلما نظرت إلى الصور القادمة من الضاحية الجنوبية، تذكرت الصور التي استقبلناها وما نزال عن أحياء حمص وحلب وما تلاهما…

وما الحرب إلا ما قد علمتم وذقتمُ

وما هــــــــو عنهــــــــا بالحديث المرجّم

متى تبعثوهــــــــــا تبعثوهــــــــا ذميمــــــــة

وتضــــــــر إذا ضريتموهــــــــــــا فتضرم

فتعرككــــــــم عـــــرك الرحى بثفالهــــــــا

وتلقــــــــح كشــــــــافا ثم تنتــــــج فتتئم

سورية كل سورية تتأرجح على حافات الحرب في الجنوب والشمال والوسط، في الشرق والغرب…

وكلنا قد يكون الوقود..

"فهل لها من تلاف… وهل لذناباها من مطلب"

وسورية تتأرجح على حافة كارثة إنسانية…

بكل أبعاد كلمة إنسانية

وأبسط ما في الأزمة الإنسانية الخوف والجوع والمرض والجهل وبغي الناس بعضهم على بعض…

ومن يبالي؟؟

وحين يكتفي واعظ مثلي -وما كنت يوما واعظا- أن يعظ…

نصف مليون لاجئ لبناني يصعد إلى سورية، حتى الأمس، اللاجئ الخائف الجائع المنقطع ابن السبيل، له في شريعتنا حقوق.وله في أعراقنا حقوق. ومن حق الإنسان الخائف أن يجد الأمن والأمان والرفق.. كنت أترقب أن تلتفت مرجعيات الرشد فينا، فتصدر لمن حولها إرشادا وتعليما…

هؤلاء الذين ملوا قرانا بالأمس، وهرتنا كلابهم، قد صاروا اليوم إلى ما صرنا إليه. وهذا أوانُ أن ينضح أناؤنا بما فينا…

حكاية قديمة عن هذا التفاوت الذي بين الناس. فكيف يصوغ رجل ضعيف مستضعف مثلي، عبارته يقول للناس: اتقوا الله وهي كلمة لا يقولها إلا الأقدر عليها، والأقدر في زمن الترف الأعوج مشغول بوشي الثياب وزخرفة البيانات…

وسورية ثالثا تتأرجح على حافة الانهيار الاقتصادي..

كل الجدر التي كانت سورية تستند عليها، تكاد تنهار…

مجاعة ليس في ضحوتها إبلٌ لذي النورين عثمان.. يقول يوم الرمادة لمن حوله من السماسرة والتجار: إن الله قد أعطاني عن كل درهم عشرة…

غول الفقر يتربص بسورية بل بالشام وبكل أبناء الشام، وكاد الفقر أن يكون كفرا، وعجبت لمن جاع ولم يشهر سيفه…

بعض الناس يذكر أن من حق الجائع المضطر ليدفع عن نفسه الموت، أن يأكل الميتة والخنزير!! هذا لمن يجد الميتة والخنزير!! فاتقوا الله يا عباد الله..

وندائي لكل أولي الأحلام والنهى: ما ذا عهدُ التسلي بالمراجيح…ولا بشقشقة الكلام، لمن انتدب نفسه لغيره...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1100