محادثات أمريكا وحماس… دلالات مهمة
المحادثات التي جرت بين حماس والولايات المتحدة، وتم الكشفُ عنها مؤخراً تشكل تطوراً مهماً في مسار الأحداث، خاصة أنها لم تتوقف عند النقطة التي بدأت بها، وهي الأسرى الذين يحملون الجنسية الأمريكية في غزة، وإنما امتدت إلى البحث في مستقبل غزة وسيناريو اليوم التالي للحرب.
من المؤكد بطبيعة الحال أن هذه المحادثات لا تعني أن الولايات المتحدة ستتعامل مع حماس على أنها بديل لمنظمة التحرير، ولا على أنها ممثل للشعب الفلسطيني، ولا أنها ممثل لقطاع غزة، لكنها قناة مهمة للاستماع مباشرة إلى حماس بعيداً عما ينقله الوسطاء العرب، كما أنها قد تؤدي إلى إطلاق سراح الأسرى الذين يحملون الجنسية الأمريكية وهو ما يُهدئ من الغضب الأمريكي. وعلى الرغم من أن هذه المحادثات الحمساوية الأمريكية ما زالت مجهولة المضمون والنتائج، إلا أن مجرد انعقادها يجعلها تحمل جملة من الدلالات المهمة، وفي ما يلي أبرزها:
أولاً: هي اعتراف ضمني بفشل الحرب الإسرائيلية على غزة، وفشل إسرائيل في التعامل مع ملف الأسرى، خاصة بعد أن تبين عبر وسائل الإعلام الأمريكية مؤخراً أن الغارات الإسرائيلية، هي التي أدت إلى مقتل عدد من المحتجزين في قطاع غزة، وأن الجيش الإسرائيلي علم بذلك منذ نحو عامٍ كامل من الآن، لكنه تكتم على هذه الفضيحة، ما يعني أن إسرائيل لم تفشل فقط في استعادة الأسرى بالقوة، بل كانت سبباً في مقتل الذين ماتوا منهم وتحولوا إلى جثث يتم التفاوض عليها.
المحادثات مع أمريكا فرصة غير مسبوقة لأن تقوم حركة حماس بناء علاقات دولية مهمة ومباشرة مع القوى الكبرى، شريطة أن تنجح الحركة في الاستفادة من هذه الفرصة عبر شرح وجهات النظر التي تتبناها
ثانياً: تحاول الولايات المتحدة فصل المسار المتعلق بالأسرى من حملة الجنسية الأمريكية عن غيرهم، لقناعتها بأن إسرائيل غير عازمة على المضي قدماً نحو المرحلة الثانية من صفقة التهدئة، أو على الأقل ثمة عدم ثقة في البيت الأبيض بالحكومة الإسرائيلية، وهذا بدا واضحاً عبر التقارير الإعلامية الإسرائيلية التي كشفت عن “أزمة صامتة بين تل أبيب وواشنطن”.
ثالثاً: هذه المحادثات تعني أن الولايات المتحدة لم تعد تثق بالتقارير التي تردها من حلفائها في المنطقة حول حركة حماس، وباتت دوائر صنع القرار في واشنطن تستشعر العداء الذي تكنه بعض الدول العربية لحركة حماس، خاصة مع اعتبارها ذراعاً لجماعة الإخوان المسلمين، التي ترى فيها بعض الأنظمة العربية تهديداً لها.
رابعاً: المحادثات تُشكل اعترافاً ضمنياً من الولايات المتحدة بأن مشروع الإطاحة بحكم حماس في غزة ربما لن ينجح، وعليه فإن هذه المحادثات قد تشكل بداية للتعامل مع سلطة الأمر الواقع القائمة هناك، على غرار حركة طالبان في أفغانستان التي انتهى بها الأمر للعودة إلى حكم البلاد، بعد أن فشلت الولايات المتحدة في الإطاحة بها عبر عشرين عاماً من الاحتلال المباشر للبلاد.
خامساً: هذه المحادثات فرصة غير مسبوقة لأن تقوم حركة حماس ببناء علاقات دولية مهمة ومباشرة مع القوى الكبرى، شريطة أن تنجح الحركة في الاستفادة من هذه الفرصة عبر شرح وجهات النظر التي تتبناها، سواء ما يتعلق بعملية السابع من أكتوبر، أو نظرتها للصراع مع الاحتلال ككل وكيفية الحل الممكن.
من المؤكد أن أي اتصالات فلسطينية مع دول العالم هي تحرك مهم، ومن المؤكد أيضاً أن موقفا دوليا مساندا للفلسطينيين هو أمر بالغ الأهمية، بل إن الموقف الدولي مجرد أن يكون محايداً فإنه يشكل تحولاً مهماً بعد سبعة عقود من الانحياز الكامل على المستوى الدولي للإسرائيليين. ودعونا نتذكر بأن تل أبيب تحاصر الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، حتى الرئيس محمود عباس الذي يعترف به العالم ممثلاً للشعب الفلسطيني لم يجلس على أي مائدة للتفاوض مع الإسرائيليين منذ عام 2014، كما أن منظمة التحرير التي يعترف بها العالم، تم إغلاق مكاتبها في واشنطن منذ عام 2018 وانقطعت أي اتصالات بينها وبين الأمريكيين منذ ذلك الحين.
وسوم: العدد 1119