تطبيع العالم مع القتل الجماعي للفلسطينيين
أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة رقما مرعبا في دلالاته العالمية: 7 بالمئة من إجمالي عدد السكان في القطاع، والبالغ عددهم مليونين وأربعمئة ألف نسمة، «باتوا في عداد ضحايا حرب الإبادة الجماعية» المتواصلة بين شهيد وجريح.
لو حصل ذلك في الجانب الإسرائيلي (بعدد سكان يقارب 9 ملايين و757 ألفا) فإن عدد الضحايا سيقارب ستمئة وثمانية وثلاثين ألف شخص، أما إذا تم احتسابه مقارنة بعدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية فإن نسبة عدد الضحايا إلى عدد السكان سيبلغ قرابة 24 مليون شخص!
تمّ توسيع مفاعيل هذه المقتلة الجماعية الفظيعة في الأيام الأخيرة عبر الحصار الشامل الذي يضربه جيش الاحتلال على سكان القطاع عبر إغلاق المعابر إلى القطاع أمام المساعدات الإغاثية والإنسانية والطبية والبضائع، والوقود المشغل للمولدات البديلة في المستشفيات، بشكل يدفع بسكان القطاع وبشكل ممنهج إلى أولى مراحل المجاعة، كما يحكم على المصابين والجرحى بالموت بحرمان المشافي من القدرة على إنقاذ المصابين.
يجري هذا بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة الأمريكية التي قال مبعوثها الخاص، ستيف ويتكوف، أمس الأحد، إنها «تقف إلى جانب دولة إسرائيل» لأن «المسؤولية تقع على حماس» وأنها «هي المعتدي»!
يشير ويتكوف طبعا إلى رفض حركة المقاومة الإسلامية الخرق الذي قامت به حكومة بنيامين نتنياهو لاتفاق وقف إطلاق النار، عبر التراجع عما اتفق عليه مع الحركة وبوساطة من ويتكوف شخصيا، وبرعاية من الوساطتين القطرية والمصرية، المدعومتين، كما هو مفترض، من باقي الدول العربية.
لقد أدركت «حماس» (وعديدون ربما) أن ما يحصل هو إعلان عن القبول المتواصل بخرق إسرائيل أي اتفاق مرعيّ أمريكيا وعربيا، وأن مطلوب حكومة نتنياهو هو إعادة احتلال القطاع مع فتح إمكانيات ضمّه لإسرائيل وتهجير سكانه وليس فقط القضاء على «حماس».
لا يتعلّق خرق إسرائيل للاتفاق على الانتقال إلى المرحلة الثانية، بـ«تعديل» على الاتفاق فحسب، أو بضرورات ترتيب البيت الداخلي لحكومة نتنياهو فقط، أو في الحالة الأمريكية، بالنفوذ الإسرائيلي عليها (الذي أدى لإقالة آدم بوهلر، مبعوث ترامب بخصوص الرهائن، بسبب تفاوضه مع «حماس» مباشرة) والذي تجلى بتصريح ويتكوف الذي يلقي المسؤولية على «حماس».
يتعلّق أكثر بأجندة الكاهانية الإسرائيلية التي تمثّل حكومة نتنياهو وشركاه إنجازها الأكبر حتى الآن، بالتوازي مع الأجندة الترامبية التي تقدّم نموذجا عالميا جديدا لسيادة القوة العارية المتغطرسة ودفن مبادئ النظام العالمي السابق الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية.
يجري هذا في ظل ضعف عربيّ واضح، وعجز عن الدفاع عن الخطة العربية التي تم إقرارها، إضافة إلى وجود أطراف عربية أقرب للخطة الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين، من دون حساب للتداعيات العربية والعالمية الخطيرة لهذه الخطة.
يتزامن هذا أيضا مع جزع أوروبي من الانقلاب الأمريكي في المسألة الأوكرانية، واتجاه أغلب حكوماتها إلى التقشف في خطط التنمية والعدالة الاجتماعية وذلك لرفع قدرات التسلّح والدفاع في مواجهة احتمالات التقارب الروسي ـ الأمريكي.
ما نشهده، عمليا، هو تطبيع عالمي مع الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وأسوأ ما فيه هو السكوت المتدرّج، والتواطؤ الحقيقي، لدول أوروبية، مع ما يحصل، في نكوص إلى عقلية الاستعمار والإجرام المعمم، وابتعاد حثيث عن القيم الحضارية والإنسانية التي تجمع البشر.
وسوم: العدد 1121