تقويم الزوجة بين الشرع والقانون

الطيب عبد الرازق النقر

نبض الحروف

الطيب عبد الرازق النقر

الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا

[email protected]

تقويم الزوجة حق أوجبه الشارع للزوج، وأساس هذا الحق قوله تعالى:﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾. وقوله تعالى:﴿ َاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلا﴾النساء:34

ومما لا يند عن ذهن، أو يغيب عن خاطر،أن الضرب يرسم في وجدان الشخص المضروب الكثير من اللوحات المفعمة بالحزن والأسى، ويؤدي للعديد من الشروخ التي تلقى بظلالها على شخصية من وقع عليه النكال، لذا نجد أن الآية الكريمة جعلته آخر خيار يلجأ إليه الزوج بعد الوعظ والهجران، ولعل الحقيقة التي رسخت رسوخ الجبال أن الإسلام سعى للحفاظ على جذوة العائلة حتى لا ينطفئ وميضها، وقدم شتى الحلول الناجعة التى تكفل الحفاظ على كيان الأسر من التهدم والإضمحلال، فقد دعا الشرع الحنيف بادئ ذى بدء أن يحكم الزوجين العقل والعدل فيما شجر بينهم، وأن يتقارضوا النصح والإرشاد حتى لا يستفحل الخلاف الذي يوهن، وتستشرى الخصومة التي تميت، فالضرب ليس غاية فى حد ذاته، بل هو وسيلة تكفل لقافلة الزوجين أن تسير غير ظلعاء أو وانية، فالزوج الذي تفدحه تكاليف الحياة، وأعباء السعى وراء الرزق الشرود، والذي يقضي جل يومه سائراً على طريق دامى المسالكن وعر الفجاج، لا يطمع في شيء سوى أن يجد السكينة والراحة عند قرينة تبش عليه بشاشة الألفة، وترف عليه رفيف ذوي القربى، وتنسي عقله المكدود، وجسده المهدود، ما سايره من ضنك وعناء طوال يومه، فينبغي على الزوجة التي تلبي كل نداء، وتؤدي كل واجب، أن تسرى عن زوجها بعض ما عاناه، وتزيح عنه بعض ما كابده، وتشاركه لأواء الدهر وقسوته بتخفيف ما تجرعه من غصص، فما الزوجة إلا واحة مورقة فى بيداء حياته المحرقة، فإذا كانت هي الأخرى حرباً عليه وتصاوله بأفدح الخطوب، فحتماً سوف تنفض الشراكة، ويتداعى البنيان، وتنحدر الثمار إلى أقاريز الشوارع، وحواف الطرق، وعليهم هلاهل من ثياب رثة بالية، تستدر الأكف بالسؤال، بعد أن غاب العائل الذى تركهم أنضاء للجهل، وأرزاء للفاقة، هذا هو الواقع المرير الذي يكسف البصر، ويرمض الفؤاد، والذي حذر الإسلام من مغبته، فحتى لا يتقوض البناء، ويتفرق الشمل، أجاز الإسلام للزوج أن يضرب زوجته الناشز ضرباً مؤطراً بعدة شروط، أولها ألا يقدم الزوج على هذه الخطوة إلا بعد أن يلوح له فشل ما دونها من خطوات، وأن يكون ضربه إياها ضرباً غير مزمن أو مبرح"وهو الذى لا يكسر عظماً، ولا يشينُ جارحة، كاللكزة ونحوها، فإن المقصود منه الصلاح فلا جرم إذا أدى إلي الهلاك وجب الضمان"

فالزوج عند جل الفقهاء إذا تجاوز حدود الضرب المتعارف عليه، وأمعن في ضرب زوجته، وأوغل في ركلها حتى خلفّ لها عاهة مستديمة، فإنه يسأل عن ذلك الضرر الذي بدر منه، وعن التلف الذي نتج عن ضربه وتشنيعه بزوجته، فالتأديب حق للزوج، وليس واجباً عليه، والحق مرهون بقيد السلامة، كما يفترض أن يكون دافع الضرب هو تحقيق الغاية التى شُرع من أجلها، وهو اصلاح حال الزوجة وليس الغرض من ورائه التشفى والإنتقام، ويجب على الزوج أيضاً أن يتقي في عقابه وجه الزوجة ومقاتلها، أي يتجنب الأماكن الحساسة في جسدها التي لو أعمل فيها يده أفضت إلي الوفاة، ولعل الشئ الذى يجب أن ندركه فى هذا السياق أن القصد من الضرب ليس هو استعلاء الرجال على النساء، وابراز ضعفهن، وقلة حيلتهن، أمام مجدولي الخلْق، وغلاظ الألواح، بل المراد منه حملها على الخير، فالضرب الغير مبرح قمين بأن يعصمها من الكثير من الزلل، ويجعلها تدرك جريرتها فلا تعود إليها، فيعود الشقاء نعيم، والحسرة ذكرى،

"وقد استقر قضاء المحاكم في مصر وبعض الدول العربية على أن التأديب حق للزوج من مقتضاه اباحة الإيذاء ولكن لا يجوز أن يتعدى الإيذاء الخفيف، فإن تجاوز الزوج هذا الحد فأحدث أذى بجسم زوجته لم يزد عن سحجات بسيطة فإن هذا القدر كاف لاعتبار ما وقع منه خارجاً عن حدود حقه المقرر بمقتضى الشريعة ومستوجب للعقاب".