قضية للمناقشة
تأتي هذه الرسالة استكمالاً لحوار طويل جرى بيني وبين أحد المحاضرين حول التاريخ العربي الإسلامي وتخلفنا ، وجدت أن أنشرها لتكون مادة للنقاش ، لأن المحاضرة أثارت الكثير من الإشكاليات الحاضرة اليوم في ساحتنا الفكرية .. بانتظار مشاركاتكم الكريمة :
الأخ العزيز الأستاذ ........ المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد : فإنه يسعدني باسم منظمة "شباب الغد السوري" أن أتوجه لشخصكم الكريم بجزيل الشكر لتفضلكم بتقديم محاضرتكم هذه حول ( مقدمات الانحطاط العربي )التي حركت المياه الراكدة ، وعرضت مجموعة من الأفكار والرؤى التي نحن اليوم في أمسِّ الحاجة للتفكر فيها ، وإعطائها حقها من المناقشة والمدارسة ، على أمل أن نجسر الهوة التي باتت تفصل بعضنا عن بعض ، بسبب الاختلاف في الرؤى ، والإيديولوجيات الغريبة التي استحكمت فينا ، على حساب وحدتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية التي أسسها الإسلام ، وهذا حديث يطول ، لعلنا نعود إليه في مناسبة قادمة .
أخي الكريم
نظراً لما أثارته محاضرتكم حول التاريخ الإسلامي والعقل العربي من أفكار ومداخلات وتأييد وملاحظات ، ولأن مداخلتي في أعقاب المحاضرة كانت موجزة عرضت فيها رؤيتي باختصار مراعاة للوقت ، فإنني أود متابعة المناقشة معكم في سبيل المزيد من إنضاج الأفكار ، مع بعض الملاحظات التي أرجو أن تتقبلها بروح أخوية ، وهي تنبع من رغبتي في أن تؤدي مثل هذه المحاضرات واللقاءات الهدف الذي نعمل جميعاً من أجله ، ألا وهو تقريب وجهات النظر ، ورفع المستوى الفكري لجيل الشباب الذي يحملنا أمانة كبيرة باعتبارنا من النخبة المثقفة التي تتصدى اليوم لتغيير حال الأمة إلى ما هو أفضل .. ومن هذا المنطلق سمحت لنفسي بطرح بعض الأفكار والملاحظات التي أرجو أن يتسع صدرك لها ، وأن تكون مادة للمزيد من التواصل بيننا ، وأوجزها فيما يأتي :
1.ملاحظة عامة : يقول علماؤنا الأجلاء : ( إن من بركة العلم أن ينسب كل قول إلى قائله ) وقد لاحظت أنك لم تذكر المصادر التي اقتبست منها معظم محاضرتك ، وكان الأولى أن ترد كل فكرة إلى قائلها ، وبهذا يمكن أن تتجنب بعض النقد الذي يحسب عليك بدلاً من أن يحسب على أصحاب تلك الأفكار ، ولو أنك رددت كل مقولة إلى قائلها لأعفيت نفسك من نقد كثير يعود إلى أولئك لا إليك !
2.من الملاحظات العامة كذلك أنك تناولت تاريخنا من خلال مدرسة فكرية واحدة ، يتصدرها :المغربي محمد عابد الجابري ، والسوريان محمد شحرورو نيازي عز الدين ، والمصريان حسن حنفي و نصر حامد أبو زيد ، وهذه المدرسةمعروفة جيداً بمواقفها السلبية ــ وأكاد أقول العدائية ــ من تاريخنا وإسلامنا ، لأنها تستقي تفسيرها للتاريخ والكون والحياة من "المادية التاريخية"التي تمثلها "الماركسية" الرافضة للدين جملة وتفصيلاً !
3.نقد التاريخ: نحن معك إجمالاً في ضرورة العودة إلى التاريخ للاستفادة من دروسه العظيمة ، لاعتقادنا الجازم بأن التاريخ هو المختبر الحقيقي لصواب الفعل البشري ، وقد حثنا القرآن الكريم مراراً وتكراراً على العودة إلى التاريخ لاستلهامالعبر والدروس منه ، ومن ذلك قوله تعالى : ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل ) وغيرها كثير من الآيات التي تعيدنا إلى التاريخ وتعرض علينا قصص الأمم الغابرة لكي نأخذ منها العبرة ، فجزاك الله خيراً على أنك ذكرتنا بضرورة العودة إلى التاريخ للعظة والاعتبار ، ونحن معك أيضاً في الدعوة للنظر إلى التاريخ بعين ناقدة ، لكن ينبغي أن لا ننسى الموضوعية في نظرتنا هذه ، وهذا ما لمسته في بعض الصور التي تطرقت لها في محاضرتك حول تاريخنا وكانت تحتاج منك نظرة ناقدة أكثر موضوعية ، كما سوف أبين في الفقرات التالية .
4.تاريخنا وتخلفنا : إن تعميمكم بأن سبب تخلفنا الراهن يرجع إلى تاريخنا العربي الإسلامي فيه إجحاف كبير بحق هذا التاريخ الحافل ، ففي كل تعميم نوع من الإجحاف كما لا يخفى عليك .. كما أن إرجاعك تخلفنا الحاضر إلى الماضي يوحي ببراءة جيلنا من المسؤولية ، وفي هذا نوع من ادعاء الطهارة الزائفة لدى جيلنا !
5.مع إيماننا بأن الحاضر هو غرس الماضي ، وأن للتاريخ العربي والإسلامي نصيباً مما نحن فيه اليوم من تخلف وإشكاليات فإننا ــ وفاء بالموضوعية التي طالبتنا بها مراراً ــ يجب أن لا نستبعد بقية العوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر في حاضرنا تأثيراً لا شك فيه ، ولعل أقرب مثال على هذا ما تعانيه أزمتنا السورية الراهنة من تشتت المعارضة (عامل داخلي) ومن تدخل الدول الأخرى (عامل خارجي) مما أثر تأثيراً سيئاً في سير أزمتنا ومآلاتها المرتقبة !
6.إن تأكيدي على ضرورة التزام الموضوعية في نقد التاريخ لا أبنيه من فراغ ، فإن عندي الكثير مما يمكن أن أقوله حول هذا الموضوع ، وأنا الآن بصدد المراجعة النهائية لكتابي المقبل (موسوعة تاريخ العالم الميسرة)التي تجاوزت حتى الآن ألفي صفحة وقدمت لها بمقدمة تجاوزت ثلاثين صفحة في نقد التاريخ ، وفي كيفية تناول التاريخ تناولاً موضوعياً يجعله مادة نستفيد منها ، وحذرت في الوقت نفسه مما يفعله بعضهم إذ يجعل من التاريخ أبجدية يصوغ منها القصيدة التي يريد ، وهذا ــ للأسف الشديد ــ ما يفعله عادة الذين يوظفون التاريخ لخدمة الإيديولوجيا التي يؤمنون بها ، ضاربين عرض الحائط بالموضوعية والنزاهة والحياد ... وهذا بلا جدال خطأ منهجي أربأ بك أن تقع فيه !
7.كل المسائل تحتاج إلى إعادة نظر : هذا ما ذكرته في محاضرتك ، وأكدت عليه أكثر من مرة ، وقلت بالحرف الواحد : إننا بحاجة إلى إعادة النظر في "كل شيء" حتى في الذات الإلهية . وأظنك معي بأن هذا الطرح مثالي طوباوي أكثر من اللازم ، لأن إعادة النظر في كل شيء أمر غير ممكن لأسباب موضوعية كثيرة لا أظنك تجهلها ، ولأن اللحظة التاريخية لا تسمح بمثل هذه المراجعة ، وأعتقد أن حماستك ورغبتك في تغيير حال الأمة إلى ما هو أفضل هو الذي دفعك إلى مثل هذا الطرح غير الواقعي ، لاسيما عندما يكون بهذا الإطلاق الذي طرحته ، وبهذه الحماسة التي تتجاوز أبسط حدود الواقعية !
8.الموقف من معاوية : مع موافقتنا لك على أن ما فعله معاوية بتولية ولده الخلافة من بعده وتحويل الأمر إلى ملك وراثي عضوض هو خروج عن منهج الخلافة الراشدة التي سار عليها الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم ، إلا أن هذا الفعل من معاوية ينبغي أن ننظر إليه نظرة أكثر موضوعية مما عرضته في محاضرتك ، وهو موقف سبقك إليه كثيرون ، أولهم "الشيعة"الذين يتخذون من موقفهم ضد معاوية ذريعة للطعن في التاريخ الإسلامي كله ، بل في الإسلام نفسه ، فأتمنى أن لا نندفع دون تمحيص في ترديد كل ما يقوله هؤلاء ومن لف لفهم حول تاريخنا بعامة ، وتاريخ الأمويين بخاصة ، بل علينا في كل حال أن نتحلى بالموضوعية التاريخية التي دعوت أنت إليها في ثنايا محاضرتك ، هذا مع التذكير بأن النظر إلى التاريخ يحتاج إلى الكثير من التروي والإنصاف قبل إطلاق الأحكام عليه كما أرشدنا القرآن الكريم في قوله تعالى : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ) ، وكما ذكر "ابن خلدون" في مقدمته وغيره من المنصفين ، وما أحرانا أن نتقي الله في تاريخنا الذي حكم الدنيا زهاء 14 قرناً من الزمان ، وأنجز إنجازات عظيمة شهد بعظمتها القريب والبعيد !
9.وهذا لا يعني بحال من الأحوال الإشادة بكل ما في تاريخنا ، ففي تاريخنا مثل أي تاريخ آخر : خطأ وصواب ، بياض وسواد ، غث وثمين.. وإنما نطلب الإنصاف في النظر إلى التاريخ سواء وافق هوانا أم خالفه ، ومن ذلك ما فعله معاوية الذي يمكن النظر إلى ما فعله من زوايا مختلفة ، لا من زاوية واحدة كما فعلت أنت ، وكما يفعل معظم الباحثين الذين تناولوا حياة هذا الرجل الحافلة بالصح والخطأ ، وإليك هذه النظرة الأخرى إلى سيرة معاوية لترى كيف يمكن أن يتغير الموقف :
10.فقد نظر معاوية إلى حال الأمة بعد معركتين أهليتين طاحنتين ( الجمل ، وصفين )راح ضحيتهما آلاف مؤلفة من المسلمين ، وكادتا تعصفان بدولة الإسلام فلا تبقي منها ولا تذر ، ووجد معاوية أن كل قبيلة باتت تطمع بالرئاسة والخلافة لاسيما بعد أن فاض المال واتسعت الدولة ، فرأى أن استمرار الحال على هذا المنوال بات يهدد وجود الأمة ، بل يهدد الإسلام نفسه ، ونظر معاوية حوله إلى الجهة الأخرى فوجد أن الإمبراطورياتوالممالك الوراثية تحقق للدولة استقراراً سياسياً واجتماعياً ، وقوة ومنعة ، وتقطع دابر الاقتتال على السلطة ، فرأى من المصلحة أن يستنسخ هذه التجربة ، فعهد بالولاية إلى ابنه "يزيد" ، وجعل الأمر في بني أمية دون الناس ، ليقطع الطريق على الطامعين بالرئاسة والخلافة ، ولينطلق المسلمون إلى العمل والعطاء بدلاً من الاقتتال على الكراسي ، وقد حققت هذه البادرة من معاوية استقرار الدولة وتوسعها وانتشار الإسلام كما تعلم ، أضف إلى هذا إنجازاً آخر كبيراً يحسب بجدارة لمعاوية ومن بعده للبيت الأموي وهو تأسيس دولة "الأندلس" التي مازلنا إلى اليوم نفتخر بها .. ألا ترى معي أن هذه النظرة إلى ما فعله معاوية وما أنجزه الأمويون أكثر موضوعية من النظرة التي تختصر تاريخ معاوية والأمويين بتولية ولده وتحويل الخلافة إلى ملك عضوض ، وتكتفي بهذه النظرة القاصرة إلى تاريخ الرجل وتاريخ تلك الأسرة العريقة في الإدارة والحكم ؟!
11.ثم ..اسمح لي أن أضيف لك من الشعر بيتين فأقول : إننا اليوم ـ نحن العرب ـ نفعل بالضبط ما فعله معاوية دون أن يرف لنا جفن ، فنحن اليوم ننظر إلى حال أمتنا العربية فنراها في اضطراب وخلاف ونزاع وتمزق ، وننظر بالمقابل حولنا فنجد الديمقراطيات الأوروبية وقد حققت لشعبها الاستقرار السياسي والاجتماعي والقوة والمنعة ، بل الاتحاد كذلك ( الاتحاد الأوروبي ) فأصبحنا في شغف ولهفة لاستنساخ هذه التجربة للخروج من تخلفنا وتمزقنا ، على الرغم من قناعتنا بأن تلك الديمقراطيات تقوم على أسس تخالف عقيدتنا وعاداتنا وتقاليدنا .. فكيف نلوم معاوية ولا نلوم أنفسنا ونحن نفكر بمثل ما فكر به ونفعل مثل ما فعل ؟!
12.وأزيدك من الشعر بيتين آخرين فأقول : إن جمال عبد الناصر ، ذلك الرمز القومي الكبير الذي تعتز به أنت قد فكر بالضبط مثلما فكر معاوية ، فقد نظر عبد الناصر حوله فوجد الأمة العربية في حالة من الضعف والتمزق والتخلف ، ونظر بالمقابل إلى التجربة الاشتراكية التي كانت آنذاك في أوج ازدهارها فرأى أن يستنسخها ويطبقها على الأمة العربية لعلها تنهض كما نهض أولئك ، على الرغم من مخالفة الاشتراكية مخالفة صارخة لدين الأمة وعقيدتها ، فكيف تعذر عبد الناصر ولا تعذر معاوية ؟! وتزداد الصورة وضوحاً إذا ما قارنا الإنجاز العظيم الذي حققه معاوية والبيت الأموي ، مقابل النكسة الرهيبة التي أورثنا إياها عبد الناصر ومازلنا نسدد فاتورتها حتى اليوم ؟! فأي الفريقين أحق بالإدانة ؟!
13.أجل ..أعرف أن هذه النظرة إلى التاريخ قد تكون صادمة ، ولكن لا مندوحة عنها إذا أردنا حقاً أن نستفيد من دروس هذا المعلم الكبير .. التاريخ !
14.الموقف من عمر بن الخطاب : عندما مررت في محاضرتك على ذكر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه استكثرت أن تقول ( رضي الله عنه )وأشرت بيدك إشارة حملت الكثير من الاستخفاف بمن يرددون هذه العبارات عند ذكر عمر أو غيره من الصحابة ، مما ترك انطباعاً سيئاً جداً في معظم الحاضرين الذين أسروا لي بعد المحاضرة بعبارات غير سارة ، ثم هل نسيت أن الله عز وجل من فوق سبع سموات قد ترضى في آيات عديدة على عمر وبقية الصحابة السابقين الأولين إلى الإسلام ، وهل نسيت أن عمر قد شهد بعظمته الكفار قبل المسلمين ، منهم الأمريكي "مايكل هارت" الذي جعل "عمر" بين المائة الأعظم في التاريخ ، فكيف بعد كل هذا تستكثر الترضي على شخصية عظيمة بهذه الصورة ؟!
15.الموقف من الشافعي : وهو موقف سبقك إليه "محمد عابد الجابري" في كتابه (تكوين العقل العربي) وسار على منواله "محمد شحرور" و "حسن حنفي" و "نصر حامد أبو زيد"وبقية الشلة المعروفة بانحيازها إلى القراءة الماركسية للتاريخ الإسلامي كما ذكرت لك آنفاً ، وأود أن أذكرك على وجه الخصوص بأن الجابري ــ الذي قدم أوسع أطروحة حول الشافعي في كتابه سابق الذكر ــ بالرغم من اتهامه للشافعي بأنه قيد العقل العربي بمبدأ القياسفإن الجابري نفسه لم يستطع إلا أن يشيد بعمل الشافعي حيث قال بالحرف : ( إن "القواعد" التي وضعها الشافعي لا تقل أهمية بالنسبة لتكوين العقل العربي الإسلامي عن "قواعد المنهج" التي وضعها ديكارت بالنسبة لتكوين الفكر الفرنسي خاصة ، والعقلانية الأوروبية الحديثة عامة ) انظر : تكوين العقل العربي ص 100 . ثم كيف نتهم الشافعي بأنه عطل العقل العربي لمجرد أنه قال بمبدأ "القياس" مع أن القياس قاعدة معتبرة في مختلف القوانين الوضعية في أرقى دول العالم ؟! فالمشكلة إذن ليست في القياس نفسه ، بل في الذين يخطئون القياس .. ولا أريد أن أطيل هنا ، فالموضوع يحتاج إلى شرح مطول عندي منه الكثير ، وقد سبق أن نشر الباحثون مقالات وبحوثاً عديدة جداً فندوا فيها الكثير من مقولات الجابري ومنها مقولته حول مبدأ القياس الذي قال به الشافعي وتابعه عليه الأئمة الأربعة ، ولم يخالفه فيه إلا الشيعة .. فتأمل !
16.وبهذه المناسبة اسمح لي ان أعبر لك عن استغرابي الشديد أنك عندما تحدثت عن قول الشافعي في "القياس" ذكرت كتابه "الأم" وهو كتاب في الفقه وليس في الأصول ، وكان الأحرى بك أن تذكر كتابه "الرسالة"الذي تحدث فيه عن القياس ، لا كتاب الأم كما ذكرت في محاضرتك ، ولهذا لزم التنويه !
17.العبادات شعائر ، والصراط المستقيم هو الأركان : هذه من مقولات " محمد شحرور" ومن قبله "حسن حنفي" وإن كان الشحرور قد غرد فيها بنشاز أشد وأسوأ من حنفي ، وخلاصتها أن ما يعتقده عامة فقهاء الإسلام من أن الصلاة والصيام والحج هي العبادات إنما هو خطأ فادح بزعم هؤلاء ، لأن هذه مجرد "شعائر" أما أركان الإسلام الحقيقية فهي التي ورد ذكرها في الصراط المستقيم الذي جاء النص عليه في الآيات 151 ــ 153 من سورة الأنعام ، وقد غاب عن بال الذين قالوا بهذه الفرية العجيبة أننا لو أخذنا برأيهم هذا لأصبحت العبادات هامشية في حياة المسلم ، لأنها في زعم هؤلاء "مجرد شعائر" ويكفي المسلم وفق هذه المقولة أن لا يقتل ، لا يزني ، لا يكذب ... حتى يكون على الصراط المستقيم ، وهي كما ترى نتيجة تنطوي على خطأ منهجي كبير ، لأنها تهون أمر العبادة في حس المسلم وفي حياته ، وترسخ عنده المقولة التي يدندن بها كثير ممن يجهلون دينهم فيقولون : (الدين المعاملة ! ) والنتيجة التي تسفر عنها مقولة هؤلاء أنه لا فرق إن صلى المسلم وصام وحج أم لم يفعل ذلك ، مادام ملتزماً بما ورد في صفة الصراط المستقيم ، وهذه فرية عظيمة تخالف وتعارض عشرات الآيات الكريمات التي تدعو لإقامة الصلاة والصيام والحج وبقية العبادات لأنها بمثابة الروح للإنسان ، أو هي بتعبير آخر أشبه بالتمارين التي لابد منها للرياضي لكي يتأهل للمباراة الفعلية ويفوز بالكأس ، فكذلك هي العبادات التي لا غنى عنها حتى يتأهل المؤمن للالتزام الصحيح بالصراط المستقيم ، وتستقيم حياته ، ويقوم بأمر دينه كما أمره ربه سبحانه وتعالى .. وهذا يعني وجوب تحري "المآلات" قبل أن نطلق الأحكام جزافاً فلا ندري إلام تؤول ، وما الذي يمكن أن تسفر عنه من نتائج قد تكون كارثية !
أخي الكريم
هذا غيض من فيض وددت أن أبثه إليك لكي يكون فاتحة حوار مثمر بيننا إن شاء الله تعالى ، وأظنك مثلي تؤمن بأن كل أحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا الأنبياء عليهم السلام ، فليس لدينا ـ نحن المسلمين ـ من معصوم إلا الأنبياء عليهم السلام ، وأنت تذكر بلا ريب أن مشروع الجابري وشحرور ونصر حامد أبو زيد وبقية الشلة المعروفة قد ووجهت بانتقادات علمية كثيرة جداً ، وهذه هي طبيعة العمل البشري الذي لا يسلم في الغالب من الخطأ ، مع ما قد يكون فيه من صواب ، والمطلوب منا اليوم ــ في ظل الأزمات الطاحنة التي تعركنا برحاها ــ أن نتمتع بعقلية ناقدة ماضية كحد السكين ، ولكن بشرط أن تكون عقلية موضوعية ، غير مرهونة لأحكاممسبقة نبنيها على أوهام الإيديولوجيات التي نؤمن بها .. فإن الحق أحق أن يتبع ..وللحديث بقية إن شئت .
د.أحمد محمد كنعان