الحائرة
د. ماهر أحمد السوسي
الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والقانون
بالجامعة الإسلامية - غزة
استأذنت سعاد من صديقتيها وغادرتهما بعد جلسة ممتعة، تجاذبت فيها الصديقات الثلاث أطراف الحديث، وبعد خروجها التفت فاطمة إلى مها قائلة لها: أني أحسد سعاد كثيراً، بل إني أغار منها، نظرت إليها مها مندهشة وهي تقول: ما الأمر؟ ردت فاطمة على عجل قائلة: ألم تري كم كانت جميلة وهي ترتدي زيها التي كانت ترتديه؟ ألم تري إلى حجابها؟ هو نفسه الحجاب الذي أمر الله تعالى به، فقد التزمت سعاد بكل مواصفات الزي الذي أمرنا الإسلام أن نرتديه.
لم تتبدد دهشة مها وما زالت ترى أنها بحاجة إلى أن تفهم صديقتها جيداً، ماذا تقصدين؟ ولم لا تكونين مثلها؟ ما الذي يمنع من ذلك؟ ما دمت تعلمين أن هذا هو الزي الذي يجب أن ترتديه الفتاة المسلمة؟ إنك يا صديقتي فتاة ملتزمة، صاحبة أخلاق رفيعة، ما علمت عليك من شيء يعيبك، لم لا ترتدين مثل هذا الذي تحسدين صديقتنا سعاد عليه؟
استمعت فاطمة إلى تساؤلات مها، وهي مطرقة تحاول أن تستجمع الكلمات التي ترد بها عليها، فقالت وهي تبدأ بتنهيدة الحائر الذي أعيته الأفكار: أنا أعرف ما هو المطلوب مني كمسلمة، ولا أجهله، لكن هناك ما يمنع من أن أكون ملتزمة كسعاد، والسبب في ذلك هو …. السبب في يذلك هو أمي، قالتها على استحياء بصوت منخفض، وكأنها لا تريد أن ترسم في مخيلة صديقتها صورة سيئة عن أمها، ثم واصلت: أمي لا تريد أن أرتدي الحجاب الشرعي رغم أنها ملتزمة به تمام الالتزام … قاطعتها مها ولا تزال علامات الدهشة مرسومة على وجهها، إذاً لماذا لا تريدك أن تلتزمي أنت مثلها؟!!
واصلت فاطمة: لا أدري هي تريدني أن أخرج بهذه الشالة التي لا تكاد تستر شعري، وبهذا البنطال والقميص العريضين، وتقول أنهما يستران العورة، وتقول لي إذا ما تزوجتِ فإنه من الممكن أن ترتدي ما شئت، فإذا أراد زوجك أن تلتزمي الزي الشرعي فله ذلك، ثم رفعت رأسها إلى صديقتها مها قائلة، أشعر أن أمي تعتقد أن الحجاب الشرعي قد يعيق زواجي، من أجل ذلك أعتقد أنها تحاول عرضي للزواج بهذا التصرف، والأغرب من ذلك أنني كلما حاولت إقناعها بأن هذا ليس صحيحاً، فإنها تهددني بأن تغضب عليّ إن أنا خالفتها أو جادلتها في هذا الأمر.
صديقتي مها أرجو ألا تظني بأمي الظنون، لكنها معذورة، حظها من العلم ليس كبيراً، ثم إنها كلما نظرت إلى بنات أعمامي وهن كثيرات لم يتزوجن بعد، يجن جنونها، وتعتقد أن أمهاتهن قد قصرت فيهن.
صديقتي أنا حائرة، وأرجو أن أجد عندك ما يخفف عني آلا هذه الحيرة، تتجاذبني مشاعر كثيرة تؤلمني وتؤرقني، أولها شعور الخوف من الله سبحانه وتعالى من أن أكون عاصية له، وثانيها خوفي من غضب أمي عليّ، وثالثها، خوفي على أمي من غضب الله عليها لأنها منعتني الالتزم الكامل، ورابعها حبها في الحجاب، وغيرتي من صديقاتي المتحجبات وإعجابي بهن. دليني ماذا أفعل، ما المطلوب مني حتى أحتجب حجاب الملتزمات المرضيات لله تعالى؟
وبعد.
فإن الحجاب هو فريضة فرضها الله تعالى على المؤمنات إذا ما بلغن سن الرشد، يقول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا]، وبناء على هذا النص وغيره من النصوص الشرعية التي تأمر بالحجاب فإنه لا اعتبار لغضب أمك إذا ما غضبت غليك بسبب ارتدائك للحجاب الشرعي؛ ذلك أنه "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، والله وغضب أمك يكون مؤثراً لو كانت تأمرك بما يتفق مع شرع الله وتخالفينه أنت.
ثم إن عليك أن تذكري أمك بلباقة ولطف، دون استعلاء بأن الحجاب هو فريضة من فرائض الإسلام، وتثبتين لها ذلك بالدليل، كما يجب عليك أن تذكّريها لها أن الزواج وعدمه هو أمر متعلق بإرادة الله تعالى، ولا أحد يملك أن يقرر في هذا الأمر ما يخلف إرادة الله عز وجل، وجل؛ بل إن الالتزام بالشرع قد يكون سبباً من أسباب تيسير الزواج.
وإذا لم يفلح نقاشك معها، فإنه بالإمكان أن تكلمي في الموضوع أباك، أو أحدى قريباتك التي لها قبول عند أمك بحيث تقنعها بضرورة الحجاب وبفرضيته.
كما يمكنك أن تستغلي برامج الفتاوى في وسائل الإعلام وتحاولي أن تمكني أمك من متابعتها ولو بطريقة غير مباشرة.
وكذلك يمكن أن تحتكمي أنت وهي إلى أحد المفتين الثقات الذين يبينوا لهاحكم الشرع في تصرفها.