حظر استخدام السيارات المفخخة دوليا
جميل عودة
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
للحد من الآثار المترتبة على النزاعات المسلحة غير الدولية، التفت المجتمع الدولي إلى أمرين: الأول: وضع مجموعة قواعد عامة تتعلق بتيسير الأعمال العدائية التي ينبغي على أطراف النزاعات المسلحة غير الدولية الالتزام بها. والثاني: حظر وتقييد استخدام أسلحة بذاتها نتيجة للآثار الجسيمة التي تترتب عليها.
أما ما يتعلق بالقواعد الدولية الخاصة بتيسير الأعمال العدائية في المنازعات المسلحة غير الدولية التي ينبغي الالتزام بها، فهي:
1- ضرورة التمييز بين المحاربين والأشخاص المدنيين، وحظر الهجمات العشوائية.
2- حظر شن أية هجمات على السكان المدنيين أو ارتكاب أعمال العنف التي تستهدف أساسا إشاعة الرعب بين السكان المدنيين.
3- حظر الآلام التي لا داعي لها، خاصة اللجوء إلى وسائل القتال التي تضاعف دون جدوى عذاب الأشخاص العاجزين عن القتال أو التي تجعل من موتهم أمرا محتوما.
4- حظر الغدر، وحظر قتل أي خصم أو إصابته بالجروح أو اعتقاله باللجوء إلى الغدر، وتعتبر من أعمال الغدر الأعمال التي تعتمد على حسن نية الخصم بقصد خداعه لجعله يعتقد أن له الحق في التمتع بالحماية المنصوص عليها في قواعد القانون الدولي الإنساني الساري أثناء أي نزاع مسلح غير دولي، أو أنه ملزم بمنح تلك الحماية.
5- احترام وحماية أفراد الخدمات الطبية ورجال الدين، وكذلك الوحدات الصحية ووسائل النقل الطبي.
6- حظر مهاجمة المساكن وغيرها من المرافق التي يستخدمها السكان المدنيون دون سواهم.
7- حظر مهاجمة الممتلكات الضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة أو تدميرها أو إزالتها أو جعلها غير صالحة لهذا الغرض. فضلا عن إلزام الأطراف المتحاربة باتخاذ كل التدابير الاحتياطية الممكنة عمليا لتفادي إصابة السكان المدنيين بالجروح أو الخسائر أو الإضرار...
أما من جهة استخدام الأسلحة في النزاعات المسلحة، تضع قواعد القانون الدولي الإنساني قيوداً على أطراف النـزاعات المسلحة في اختيارها للأسلحة ووسائل الحرب وأساليبها التي تستخدمها، ويتعين على الدول عند تطويرها أو اقتنائها لأسلحة جديدة التحقق من أنها تمتثل بذلك لهذه القواعد. وخلال المائة والخمسين سنة الماضية، وضعت مجموعة من معاهدات القانون الدولي الإنساني وطورت هذه القواعد التي تتضمن عددا من القيود المفروضة على وسائل وأساليب الحرب الجائز استخدامها في النـزاعات المسلحة.
ويكمن المبدأ العام التوجيهي في أن أطراف النـزاعات المسلحة مقيّدة في اختيارها للأسلحة وكيفية استخدامها. وتشمل هذه القيود حظر الأسلحة التي تتسبب في إصابات أو آلام لا مبرر لها، أو الأسلحة غير القادرة على التمييز بين المدنيين أو الأعيان المدنية والأهداف العسكرية. وهذه قواعد أساسية من قواعد القانون الدولي الإنساني.
فقد نصت المادة (36) من البروتوكول الإضافي الأول إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949 المعتمد عام 1977 على أن تلتزم كل دولة من الدول الأطراف بالتحقق، عند دراسة أو تطوير أو اقتناء أو اعتماد أية أسلحة جديدة أو وسائل أو أساليب جديدة للحرب، من أنها تمتثل لقواعد القانون الدولي الإنساني.
وتطبيقا للقواعد الدولية أعلاه، فقد حظر أو قيد المجتمع الدولي أثناء المنازعات المسلحة غير الدولية، الأسلحة الآتية:
1- الأسلحة الكيميائية والبكتريولوجية (بروتوكول عام 1925) كالأسلحة التي تتكون من عوامل خانقة ومولدة للبثور، واستعمال الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية).
2- الرصاصات التمددية الأثر في جسم الإنسان (كرصاصات دم دم).
3- السم كوسيلة أو طريقة للقتال.
4- الألغام والأشراك المتفجرة والأجهزة الأخرى.
5- الأسلحة المحرقة.
ومع أهمية حظر هذه الأسلحة وتقيد استخدامها في النزاعات الداخلية، إلا ان أسلحة الصراعات الداخلية لم تعد محصورة بتلك الأسلحة التقليدية أو غير التقليدية المحرمة دوليا، بل ابتكرت الجماعات المسلحة والجماعات الإرهابية العديد من الأسلحة المدمرة مثل سلاح (السيارات المفخخة) الذي يعد من حيث الأثر التدميري من الأسلحة الفتاكة التي تحصد يوميا أرواح العشرات من المدنيين الأبرياء في مناطق مختلفة من العالم خصوصا في الشرق الأوسط..
إذ أصبح بالإمكان قتل رئيس جمهورية، أو قهر أي دولة عظمى، أو إجبار حكومة على التخلي عن الحكم، أو إبادة مجموعة من البشر مرة واحدة، أو التحريض على القتال الطائفي، بسيارة مفخخة واحدة!! والتي تتضح خطورتها باعتمادها على استخدام التكنولوجيا، وبوجود فريق عمل يقوم عليها، بداية من المسئول عن سرقة السيارة ووضع المواد التفجيرية بداخلها وتوصيل الدوائر الكهربائية داخل القنبلة، واستخدام جهاز التحكم عن بعد والذي يحدد توقيت التفجير، وهناك (المصور) للحدث الإجرامي، وهؤلاء يمثلون خطورة كبيرة لأنهم منظمون ومدربون على أعلى مستوى.
السؤال هنا هل يمكن العمل على اعتبار سلاح (السيارات المفخخة) من الأسلحة المحظورة دوليا؟.
السيارة المفخخة هي تلك السيارة التي يتم زراعة متفجرات بداخلها لتنفجر في لحظة معينة وفي مكان معين، وهي تستهدف بشكل منظم أو عشوائي شخصيات سياسية وأمنية وحزبية وسفارات وأسواقاً تجارية وصالات سينما وثكناًت عسكرية ومباني سكنية ومكاتب إعلامية وأحياء شعبية ومتنزهات ومصلين ومساجد وصحافيين وفنادق وسيارات تاكسي.
إن السيارات المفخخة بمختلف أنواع المتفجرات والعبوات والمسامير والشظايا المعدنية الحادة، تشكل وسيلة من وسائل القتل الجماعي والتطويع السياسي للجماعات والأحزاب والشخصيات السياسية. في معظم الأحيان يكون مرسل السيارات المفخخة غير مهتم بالأشخاص الذين يُقتلون، سواء أكانوا من الأطفال أو الشيوخ أو النساء. يهمّه القتل أولاً وأخيراً، ولا يرى في البشر والأحياء السكنية إلا مجرد تفاصيل. في بعض المرات لا يرى مرسل السيارات المفخخة في الزعماء والقادة إلا مجرد أشكال يجب إزالتها واستئصالها.
وانتقلت السيارة المفخخة إلى العراق بعد 2003، حيث بدأ تنظيم القاعدة في تأسيس قاعدة له في العراق وبدأت سلسلة لا تنتهي من التفجيرات باستخدام السيارات المفخخة فكل يوم تطالعنا الصحف والقنوات التلفزيونية بتفجير هنا وهناك وأيضا استخدمت تلك السيارات في تصفية حسابات طائفية بالعراق ومات على أثر هذه السيارات المفخخة اللآلاف من المواطنين العراقيين.
وتشهد سوريا العديد من السيارات المفخخة التي راح ضحيتها المئات من المواطنين السوريين المدنيين، منها تفجير مبنى الأمن القومي السوري الذي حصل بتاريخ 18 تمّوز/يوليو 2012. ويبدو أن تنظيم القاعدة حول نشاطه إلى مصر مؤخرا بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي في بعد ثورة 30 يونيو ومنها محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم عن طريق سيارة مفخخة.
وفي ليبيا استهدفت سيارات مفخخة عدة مباني حكومية وأممية، منها مبنى السفارة الفرنسية في طرابلس، وانفجار شديد آخر نجم عن سيارة مفخخة وقع أمام مبنى فرع وزارة الخارجية الليبية في بنغازي ملحقا أضرارا مادية جسيمة بالمبنى والمباني المجاورة له.
وبناء على ما تقدم، يمكن القول إن سلاح (السيارات المفخخة) أصبح سلاحا عالميا يهدد أمن واستقرار الدول كافة، ويلحق بالبشرية جمعاء أنواعا من الأذى والدمار، ويعد من الأسلحة ذات الأثر العشوائي أو التي تتسبب بطبيعتها بأضرار مفرطة أو آلام لا داعي لها. وهو اليوم لا يقل خطورة وأثراً عن الأسلحة الذرية والكيمياوية، علاوة عن الأسلحة التقليدية المحظور استخدامها في النزاعات الدولية أو الداخلية.
إن المجتمع الدولي مدعو إلى اعتماد بروتوكولات جديدة لمواجهة تطوير أسلحة جديدة والتغييرات التي تطرأ على سير الحروب والنزاعات الداخلية، كسلاح (السيارات المفخخة) وتستطيع الدول من خلال عمليات التشاور والاستعراض، إضافية فقرات عن أسلحة تقليدية لم يتم تناولها في البروتوكولات السارية. فكما يقول السيد بان كي مون إن وضع (خط أحمر لنوع معين من الأسلحة لا يعني منح ضوء أخضر لاستخدام أسلحة أخرى).