مستقبل سورية في ظل الجماعات المخترقة
م. عبد الله زيزان
باحث في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
جاءت أحداث مدينة "إعزاز" الحلبية في شهر أيلول الماضي، وما تخللها من مواجهات بين الجيش الحر ودولة العراق والشام، لتعيد فتح ملفات مهمة في مستقبل سورية، أراد كثير من السوريين تجنب الخوض فيها من منطلق أنّ الوقت والجهد الآن يجب أن ينحصر في قتال النظام السوري، وتطهير البلد من هؤلاء المجرمين.
فمنذ أن تعسكرت الثورة رحب السوريون بإخوانهم من الدول العربية والإسلامية المختلفة، الذين جاؤوا ليدفعوا الظلم وينصروا الحق، فمعركتنا معركة حق وباطل، وأي يد مدت للسوريين لتساعدهم في تحقيق أهدافهم في دفع الظلم ونشر الحرية؛ كانت محط إعجاب وتقدير من الشعب.
إلا أنّ تصرفات "دولة العراق والشام" خلطت الأوراق، وأعادت الناس إلى التفكير مجدداً لا بواقع حالهم اليوم فحسب، بل بمستقبل سورية ما بعد سقوط الأسد، فالتساؤلات الآن كثيرة، فهل سيحكمنا "إسلاميون متشددون"؟، هل سندخل في صراع ما بين كتائب الجيش الحر والجماعات القادمة من الخارج؟ هل ستتحول سورية إلى دولة فاشلة لتصبح صومالاً جديداً؟
بداية لا بد من التأكيد على أنّ مصطلح الإرهاب ومصطلح التشدد هما مصطلحان دخيلان على ثقافتنا، استطاع الغرب الترويج لهما بيننا، حتى بتنا نرددهما من دون التأكد من مدلولاتهما وتأثيراتهما، فليس في الإسلام إرهاب بالمعنى الاصطلاحي الحالي الذي يعني إرهاب المدنيين الآمنين، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ وترويع من هم خارج إطار المعركة، كما ليس في الإسلام تشدد بالمفهوم الحالي الذي يعني عند كثيرين تكفير كل من يخالف تلك الجماعات، ومن ثم الحكم عليهم بالقتل...
إنّ ما تقوم به بعض العناصر من "دولة العراق والشام" يتجاوز مفهوم الإرهاب ومفهوم التشدد، فالقتل لمحض الشبهة ليس له أصل في الدين، لذلك لا يجب وصف من يقوم بذلك بالمتشدد، ففي ذلك ظلم كبير، فاستباحة الدماء، واستسهال القتل يخالف أهم مقصد من مقاصد الدين الإسلامي الذي يقوم على حماية الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من سفك دم مسلم واحد، فكيف نسمي من يمارس ذلك بالمتشدد؟
وهذا ربما ما دفع كثيرًا من أبناء المناطق التي شهدت احتكاكاً مع هذا التنظيم للظن بأنّ "دولة العراق" تمثل النظام في المناطق المحررة، ولا تمثل حتى ما يتعارف عليه "بالإسلام المتشدد"، ويستدلون على ذلك بحرص التنظيم على الوجود في الأماكن المحررة، بدلاً من الذهاب إلى جبهات القتال ضد النظام، وحين تذهب إلى تلك الجبهات فهي تختار جبهات قريبة السقوط، بمثل مطار منغ، أو مستحيلة السقوط في الوقت الراهن بمثل جبهة الساحل، مما لا يغير كثيراً في المعادلة الحالية.
هذا الاعتقاد الذي ساد في تلك المناطق التي احتكت بهذا التنظيم، وسرعة انتشار هذا الفهم في بقية المناطق المحررة، وتلك التي في طريقها إلى التحرير يدل على عمق الوعي الذي بات يحمله الشعب السوري الذي لم يعد تنطلي عليه شعارات براقة أو كلام منمق، وهذا يبشر بخير كبير لهذا البلد في المستقبل القريب والبعيد.
فتصرفات "دولة العراق" أسهمت بصورة غير متوقعة في توحد الكتائب على الأرض، حيث شعروا بأنهم باتوا مهددين في حال استمر تفرقهم، ليس من النظام فحسب بل من الدخلاء على سورية، ممن لا يريدون الخير لهذا البلد، خاصة بعد ما تأكد للكثيرين بأن تمويل وتوجيه هذه الجماعة يأتي بشكل مباشر من نظام المالكي الحليف لنظام الأسد، لذلك فإن خطرهم لا يأتي من مجيئهم من الخارج بل من شبهة تمويلهم وانحراف أهدافهم، فكان تصرف هذا التنظيم سبباً في توحد ما فرقه النظام، وهو ما سيساعد على سرعة تشكيل رأي عام شعبي ضد هذه التصرفات التي كانت سبباً رئيسياً في تدمير المقاومة العراقية في السابق، حيث أسهمت تصرفات هذه المجموعات في العراق في تدمير ما فشل به الجيش الأمريكي.
وهذا يؤكد أنّه لا خوف على مستقبل سورية من هذه المجموعات، شريطة الحذر من تصرفاتهم، وتشكيل رأي عام موحد ضدهم، فالشعب السوري بفطرته شعب مسلم ينتهج الوسطية في حياته كلها، بعيدًا عن التكفير أو التخوين أو تهميش أي مكونّ أو مجموعة وطنية سورية.