لماذا حَرَّموا سلاحاً دون سلاح وكله قاتل وفتاك؟
لماذا حَرَّموا سلاحاً دون سلاح وكله قاتل وفتاك؟
عابدة المؤيد العظم
لي صديقة صدوقة ثقة قالت لي ذات يوم كلاماً أذهلني: "أمريكا هي السبب في مجاعة الصومال". ضحكت يومها وقلت لها: "أنا أؤمن بنظرية المؤامرة، أما اتهام أمريكا بمجاعة في بلد أفريقي يعاني الجفاف والتصحر... فهذا شيء عُجاب، وكيف تكون أمريكا السبب والمطر والجفاف من الله؟".
قالت: "لنا أراض زراعية واسعة غنية نزرع فيها القمح في سوريا ولبنان، وفيها خير كثير والحمد لله، تأتي أمريكا بُجباتها كل عام، فيفحصون المحصول ويتأكدون من حجم الغلة، ثم يأتون في موسم الحصاد فيأخذونه كله ونحن نراقبهم ويمنعوننا من استخلاص أي شيء منه لأنفسنا مهما كان بسيطاً!؟ يجمعونه كله ويشحنونه إلى بلادهم، ونحن أصحابه، ويعطوننا بدلاً منه قمحاً معدلاً وراثياً من الذي لم يثبت صلاحه صحياً، ويمضون، ولا نستطيع الاعتراض أو الرفض أو الكلام.
وهكذا كان الوضع في الصومال فلما سيطر الثوار المسلمون على بعض الأراضي الزراعية حالوا بين أمريكا وبين ما تفعله واحتفظوا بقمحهم الجيد الأصيل لأنفسهم، فحاربتهم وقطعت عنه المعونات وسَعَّرت الخلافات بينهم، وتسببت بما نراه من الحرب الدائرة والهجرة والتشرد وموت الناس جوعاً، وزيادة فقرهم ومرضهم".
هذه الواقعة الحقيقية "مقدمة" أردت منها الوصول لتحليل يناسب ما يجري في العالم من حولنا من أحداث وقوانين تبدو عجيبة وغير متجانسة، ويتناسب مع فكرة "المصلحة" التي تقوم عليها السياسة الغربية. ومن هنا جاءتني فكرة سأعرضها عليكم:
كلنا نعلم أن الغرب اخترع ذريعة "الإرهاب" ليقضي على خصومه وعلى كل من يعاديه، وأولهم "الشعوب المسلمة" التي تهدده بصراع الحضارت المزعوم. وأصبح الموت هو النتيجة الحتمية لكل من يعارض المصالح الغربية، ولكل من يبحث عن الخلاص والحرية... والموت يكون بالجوع والقتل والفقر والجهل فيكون الفرد حياً ميتاً! (أي موتاً معنوياً بالتجويع والتعذيب...) أو موتاً حقيقياً (بالإجهاز عليه). ولا فرق عند الغرب بين الموتتين، المهم أن يُوقِف نشاط من يعاديه بأي سبيل، ويضمن الهيمنة الكاملة على العالم والسيطرة على خيراته .
وأمريكا إذا عزمت على الإبادة الجماعية فماذا سيضرها لو مات أعداؤها بالسيف أو الرصاصة أو الخنق بالغاز أو الهدم؟ فكلها طرق سريعة وسهلة وغير مكلفة، ولا يتعذب فيها المرء أكثر من خمس دقائق ثم يذهب إلى حيث لا يعود الناس ويرتاح من هذه الدنيا، وتتخلص أمريكا من خصومها ومنافسيها، والناس ماذا يهمهم من طريقة الموت إذا كان محتماً عليهم؟! بل كأن الوفاة السريعة تساوي "القتل الرحيم" وهي منحة تهبها الدول القوية -في بداية الصراعات- لمن تصطفيهم من القادة والزعماء والمدنيين؛ لأنه حين يشتد الصراع يتمنى الناس الموت لتعذر الحياة ولصعوبتها في ظل النزاعات (كما هي الحال في العراق، وكما أصبحت في سوريا وغيرهما من الدول.
إذن ما السر في تحريم الغرب أسلحة دون أسلحة؟
ولماذا جعلوا بعض الأسلحة خطيرة دولياً دون بعضها الآخر؟
المسألة أهمتني، فقرأت عن الأسلحة، فوجدت أنهم حرموا ما وصفوه بأسلحة الدمار الشامل، وعرفوها بأنها الأسلحة التي تؤدي إلى أضرار خطيرة، فحرموها دولياً واعتبروا من يستخدمها ضد المدنيين "مجرم حرب" وتشمل: 1-:
1- الأسلحة النووية
2- الأسلحة الجرثومية.
3- الأسلحة الكيماوية.
هذا ما قاله الغرب، ولكن ومن استقراء الواقع نلمس ما يلي:
1- الدول الصغيرة والمكتظة بالسكان قد تتدمر بغير أسلحة الدمار الشامل!؟ وصواريخ سكود والقنابل الفراغية كانت كافية لتدمير البنى التحتية في سوريا، وتسوية بعض المدن بالأرض وجعلها خاوية على عروشها.
2- هم الذين سموها "أسلحة الدمار الشامل" وهم الذين حرموها، ولكن ثبت أن أمريكا تستعمل هذه الأسلحة وقت تشاء، وقد رمت الأطنان من الفوسفور الأبيض على المناطق التي استعصت عليها، وما الفلوجة منا ببعيد؟!
3- إذا طالت مدة الحروب ارتفع أعداد الضحايا، وزاد الخراب، وانتشرت الكوارث والأوبئة، فتقتل الأسلحة الخفيفة في شهر أو أكثر ما تحصده أسلحة الدمار في ساعة، فلماذا يغضون الطرف عن هذا؟! أليس القتل جريمة في كل حال؟!
والظاهر أنهم سموها "دمار شامل" من باب التغطية والتقية، ولتخويف العالمين منها فيكونون عوناً لهم في محاربتها. ولأنهم عرفوا أننا نأخذ كلامهم على إطلاقه لأننا لا زلنا نثق بهم، ونظن بهم الخير ونعتقد أنهم يعملون لصالح البشرية. والحقيقة أن أمريكا حرمت هذه الأسلحة لأنها تحتاج دقة شديدة في إعدادها، وتحتاج لمقادير دقيقة جداً في تركبيها، وقد لا يحسنها إلا الخبثاء الذين صنعوها، وإذا تركوها مشاعة في أيدي الدول قد يتسبب سوء استعمالها بكوارث كبيرة على أعوان الغرب وعلى الدول الصديقة التي يرعاها. فالمواد التي تتألف منها هذه الأسلحة تَرْسُب في المياه وتلوث الطعام، وتتغلغل في الجسم البشري وفي خلاياه، وتدخل في الجينات فتبقى آثارها لأجيال. ومهما تنوعت وتباينت المواد الداخلة في تركيبها فإنها سواء في التسبب بالسرطان (وخاصة لوكيميا الدم ولقد تضاعفت الإصابة به بطريقة أُسية، وأكثر المصابين من الأطفال)، وفي زيادة تشوهات الأجنة، ولقد ارتفع موت المواليد -في الأماكن التي استعملت فيها- من 9 حالات من كل ألف حالة إلى 80 من كل ألف... فتأملوا . وتقول الإحصائيات أن الغبار المشع المتطاير ينتشر إلى دائرة قطرها يصل إلى 300 كيلو متر من مركز الانفجار. وقال أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأردنية الدكتور غسان الجندي: "ذرة واحدة من اليورانيوم المنضب تحتاج الى 24 مليون سنة لكي تختفي... إذن لا يحتاج المرء لعقل أرسطو ليدرك مدى تغول وتوحش هذه الأسلحة المحرمة دولياً".
وحول تأثير هذه المواد يقول د. أحمد حلمي المتخصص في أمراض القلب والصدر الذي عمل في مستشفى جنوبي غزة أنه رأى "حالات وجروحاً غير مفهومة". ويروي أن فتى في الرابعة عشر من عمره كان يعاني ظاهرياً من ثقب صغير جداً في الرأس لكن تبين أن هناك تلفاً كبيراً جداً في الدماغ ما جعل من غير الممكن إنقاذ حياته. يقول د. حلمي: "لا أعرف نوع أو طبيعة هذه الأسلحة التي تسبب جرحاً صغيراً جداً في حين أنها تقوم بإتلاف كبير للأنسجة في الداخل.
وفي مقابلة مع قناة "الجزيرة" قال د. رائد العريني: "بعض الجرحى يصلون إلى المستشفى من دون أن تكون هناك أي عوارض خارجية ظاهرة عليهم وعندما نخضعهم للأشعة لا يرى الأطباء أي أثر لشظايا داخلية، لكن وخلال فترة قصيرة، يبدأ هؤلاء الضحايا بالنزف داخليا وتظهر أضرار على أعضائهم الداخلية ثم يتوفون قبل أن يتمكن الأطباء من عمل أي شيء لهم".
والخلاصة:
هذه الأسلحة تخرج عن السيطرة وتنشر دمارها، ومن أجل هذا يريد الغرب قصر استعمالها على نفسه وعلى من يثق بهم؛ فنراه لا يهتم بالقتل ولا يهتم بمجرد استعمال السلاح. وإنما يصب جل اهتمامه على الجهة التي تملك هذا السلاح، وعلى قدرتها على حمايته من الوقوع في يد الآخرين، وعلى أنه سَيُوَجّه -فقط- لقتل أعدائها. وأعدائه هو أيضاً.