السوريون والبند السابع
د. محمود نديم نحاس
صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 بالإجماع يدين استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا (دون إشارة إلى مرتكب الجريمة) ويطالبُ النظامَ بنزع الأسلحة الكيماوية وتدميرها، مشيراً إلى أنه في حال الإخفاق في الالتزام ببنود التخلص من الأسلحة الكيماوية فإن المجلس سيتوجه لاتخاذ إجراءات بموجب البند السابع. أي إنه لن يقوم بعمل عقابي تلقائي ضد النظام السوري إذا لم يمتثل للقرار، بل لابد من العودة إلى مجلس الأمن للتوافق من جديد على الانتقال للبند السابع. وتؤكد روسيا على أن هذه العودة تكون في حال حدوث انتهاكات مؤكَّدة للقرار. في حين يرى ريتشارد باتلر كبير مفتشي الأسلحة السابق لدى الأمم المتحدة أنه من الممكن أن تتخذ الأمور مسارا طويلا ما لم يحصل تعاون تام من قبل النظام السوري.
هناك من يرى أن هذا تقدم كبير في التعاطي مع الأزمة السورية، لكونه أول قرار يتبناه المجلس تجاه النظام السوري منذ بدء الثورة ضده في آذار/مارس 2011، بعد أن سبق إعاقة مثل هذا القرار ثلاث مرات عندما استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو). فما هو البند السابع؟ وما الذي تحقق بهذا القرار؟
يتكون ميثاق الأمم المتحدة من 111 مادّة تنتظم في 19 فصلاً أو بنداً. وأهمها الفصل أو البند السابع المعنون: فيما يُتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان. ويضم هذا البند المواد 39-52 من الميثاق. ففي المادة 39 يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به. وفي المادة 41 يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته. وفي المادة 42 إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه.
أما البند السادس فعنوانه: في حل المنازعات حلاً سلمياً، والقرارات المتخذة بموجبه غير ملزمة، بل هي توصيات. ومن أشهر القرارات المتخذة بموجبه القرار 242 الذي ينص على انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة سنة 1967، والتي لم تنسحب منها حتى الآن.
فهل تحقق شيء بالقرار الجديد؟ القرار يتعلق فقط باستخدام السلاح الكيماوي الذي قتل ألفاً وخمسمائة من البشر، لكنه لم يتطرق إلى أي آلية لمحاسبة رأس النظام وأعوانه على ما اقترفوه من جرائم ضد الإنسانية، كما إنه لم يشر إلى الأسلحة الفتاكة الأخرى التي قتلت مائة وخمسين ألفاً من الشعب السوري! ولم يلتفت القرار إلى أهداف الثورة في إسقاط النظام الظالم وإقامة دولة العدل والحرية. فالقرار إذاً لم يحقق إلا إطالة عمر النظام ليقوم بمزيد من الجرائم، إضافة إلى ضبط السلاح الكيماوي فلا يُستخدَم ضد إسرائيل. والخشية هنا ليست من النظام السوري، ولكن الخشية هي أن يجن جنون أي ضابط وهو يرى النظام يقتل شعبه فيقرر توجيه السلاح الكيماوي إلى إسرائيل، أو أن يستطيع الثوار الوصول إلى مخازن هذا السلاح.
والقرار الأممي لم يكن مفاجئاً، فقد تم الاتفاق عليه بين القطبين في جنيف، وإرهاصات القرار أدت إلى تفريق المعارضة. فمنذ أيام أعلنت مجموعة من القوى والفصائل الثورية عدم اعترافها بمرجعية الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ولا بالحكومة المنبثقة عنه، في حين سبق صدور قرار مجلس الأمن بيوم واحد إعلان أكثر من ثلاثين فصيلا من المعارضة انفصالهم عن الائتلاف وجناحه العسكري، معللين ذلك بفشلهما في عمل أي شيء للثورة، وتهميشهما للقوى الثورية العاملة على الأرض، وانحرافهما عن طريق الثورة. كما وجّه بيانُ الانفصال اللومَ إلى المجتمع الدولي لفشله في وقف الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الأسد وميليشياته التي يأتي بها من الخارج.
لقد اتخذ الثوار هذا الموقف من الائتلاف، الذي حضر مؤتمر أصدقاء سوريا الموسع في مقر الأمم المتحدة قبيل صدور قرار مجلس الأمن، لأنهم يتهمونه بأنه ذاهب إلى مؤتمر جنيف ليبيع الثورة والثوار بأبخس الأسعار ويرضى بأقل ما يمكن الحصول عليه من هذا النظام المخادع الذي يقف معه أقطاب المجتمع الدولي، وتضيع بذلك دماء الشهداء وحقوق المعذبين من المعتقلين والمهجرين والمشردين.