النظام الانتخابي الناجح وحماية صوت المواطن

أحمد جويد

مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

أصبحت حالة عدم الرضا تكتنف العملية الانتخابية في العراق، سواء من قبل الناخب الذي يتم إهدار صوته دون وجه حق أو من قبل بعض المرشحين والأحزاب الصغيرة التي لا تنال حظاً وافراً في النظام الانتخابي المعمول به، إذ توجد جملة من المعوقات التي تؤثر سلباً على واقع التوازنات السياسية داخل العملية السياسية وبالخصوص داخل قبة البرلمان، ويمكن تسجيل ملاحظتين أفرزتهما آلية الانتخابات العراقية؛

الملاحظة الأولى: تخص أداء النواب في البرلمان العراقي؛ لأكثر من دورة برلمانية مضت لاحظنا إن أصحاب القرار هم مجموعة أشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة يتفقون فيما بينهم على مشاريع القوانين ورسم السياسة العامة للدولة وينحصر عمل الباقين من الـ(325) برلماني برفع الأيدي مع إبداء بعض الملاحظات البسيطة والهامشية التي لا تؤثر بالنتيجة على اتفاق القادة، وعلى هذا الأساس يكون البرلمان رهينة بقرارات هؤلاء القادة وأمزجتهم، لأنهم منذ البداية كانوا رهينة نظام انتخابي غير عادل.

الملاحظة الثانية: تخص أداء المفوضية المستقلة للانتخابات؛ فمن الملاحظ إن هناك تخبط واضح في عمل المفوضية باعتمادها نظام يسهم في تحقيق العدالة بتوزيعها للمقاعد والحفاظ على حق الناخب بعدم ضياع صوته، فقد استخدمت المفوضية المستقلة للانتخابات في آخر عملية انتخابية أشرفت عليها نظام التوزيع بطريقة (سانت ليغو) وهي طريقة ساهمت إلى حد ما بإشراك القوائم الصغيرة للتمثيل في مجالس المحافظات، ورغم إتباعها لهذا النظام إلا أنها أخفقت في ضبط التوازن داخل المجالس وبالذات فيما يخص تمثيل المرأة أو ما يسمى بـ"الكوتا" النسائية، الأمر الذي دفعها وبشكل متأخر إلى استبدال بعض الأعضاء الذين تم إعلان فوزهم وتسلمهم لمهامهم بشكل رسمي بآخرين من العنصر النسوي مما تسبب إرباك عملية إدارة المحافظات.

 وعلى أثر استخدام نظام (سانت ليغو) استشعرت بعض الكتل السياسية الكبيرة التي تسعى وراء الحصول على أغلبية نيابية في الدورة البرلمانية القادمة خطورة هذا النظام لتوزيع المقاعد لأنه يؤثر على حساباتها كما حدث معها في مجالس المحافظات، وبالتالي فإنها لم ترق إلى القوائم والأحزاب الكبيرة التي تحاول التفرد بالقرار وتبقى في السلطة مع القوى التقليدية الأخرى أطول فترة ممكنة.

 وفي ضوء الجدل القائم وغياب عدم الثقة بين المكونات والأحزاب السياسية وضبابية الرؤية بالنسبة للناخب العراقي الذي لا يدري إلى أين سيتجه صوته ولمصلحة من سوف يكون، وفشل الأنظمة الانتخابية السابقة في تحقيق التمثيل الحقيقي، نحاول هنا طرح بعض النماذج الانتخابية التي اثبتت نجاحاتها في الحفاظ على التوازنات السياسية بين الأحزاب وعدم ضياع أصوات الناخبين، متناولين التجربة الألمانية في هذا المقال.

قانون الانتخاب الأماني؛

 بحسب المادة 38 من الدستور الألماني، يتم انتخاب النواب عبر انتخابات عامة ومباشرة وحرة ومتساوية وسرية. ويحق الانتخاب لكل مواطنة مواطن ألماني بلغ سن الرشد. ويتم الانتخاب حسب القانون النسبي، الذي يتضمن مبادئ قانون الانتخاب الأكثري، إلا أن نسبة الأصوات الثانية التي تكسبها الأحزاب هي التي تحدد مبدئيا الغالبية في البوندستاغ (البرلمان الألماني).

 هذا النظام الانتخابي يجعل من الصعوبة بمكان تفرد أحد الأحزاب السياسية بالسلطة وتشكيل الحكومة، الأمر الذي حدث مرة واحدة فقط خلال 56 عاما. أما القاعدة فهي تحالف الأحزاب في الحكم. ولكي يعرف الناخبون من الذي سيكون شريك الحزب الذي ينتخبونه في الحكم، تقوم الأحزاب غالبا بالتعبير عن رغباتها في تشكيل التحالفات والائتلافات قبل خوضها الحملات الانتخابية. وبانتخابه أحد الأحزاب يكون المواطن قد عبر من ناحية عن ميله إلى تحالف معين من الأحزاب، وعن رغبته في توزيع القوى بين الأحزاب الحاكمة في المستقبل من ناحية أخرى.

آلية إجراء الانتخابات؛

 تجري الانتخابات الاتحادية للبرلمان في العادة كل أربع سنوات، ويخص الدستور الأحزاب السياسية بدور محوري في رسم الخريطة السياسية الألمانية، حيث تنص المادة 21 منه على "مشاركة الأحزاب الأساسية في تشكيل الإرادة السياسية للشعب". ويبلغ عدد الدوائر الانتخابية الألمانية 299 دائرة، فيما يتكون البرلمان من 598 مقعدا.

ويملك كل ناخب ألماني وصل إلى سن الثامنة عشرة صوتين:

 الصوت الأول؛ بواسطته يختار الناخب مرشحه المباشر في دائرته الانتخابية، وعلى هذا النحو يتم انتخاب نصف أعضاء البرلمان (299 مقعدا)، وهنا يكفي حصول كل مرشح على أغلبية نسبية من أجل الفوز بمقعد في البرلمان القادم.

الصوت الثاني؛ يمنحه الناخب لحزب ما دون اختيار نائب بعينه، وبواسطته يختار الناخبون النصف الثاني من أعضاء البرلمان. والصوت الثاني هو الأكثر أهمية لأنه يحدد توزيع المقاعد البرلمانية على الأحزاب السياسية وبالتالي يشكل مقياس قوتها الحقيقية في عملية صناعة القرار السياسي.

توزيع المقاعد؛

نصف أعضاء البوندستاغ البالغ عددهم الإجمالي 598 عضوا هم السياسيون، الذين يحصلون على غالبية الأصوات الأولى في الدوائر الانتخابية، بينما يدخل النصف الآخر من الأعضاء إلى البوندستاغ، من خلال لوائح الأحزاب للولايات. لوائح الولايات هذه، يتم وضعها من قِبَل الأحزاب المشاركة قَبلَ الانتخابات. يتمتع عدد المقاعد المباشرة بأهمية كبيرة. فهو يمكن أن يغير عدد المقاعد الموزعة حسب الصوت الثاني: إذا ما ربح أحد الأحزاب عددا من المقاعد المباشرة، يزيد عن عدد الأصوات الثانية التي يفوز بها في إحدى الولايات، فإننا أمام مقاعد متراكمة. جوهر الإصلاح الجديد في قانون الانتخاب 2013 يتناول هذه المقاعد المتراكمة. فإذا ما حصل أحد الأحزاب على عدد من المقاعد المباشرة، يزيد عن حصته من الأصوات الثانية، يتم توزيع مقاعد تعادلية على الأحزاب الأخرى، حتى يصل العدد الإجمالي لمقاعد كل حزب (مقاعد مباشرة ومقاعد لوائح) إلى المقدار الذي يعكس -إلى أقصى درجة ممكنة- توزيع الأصوات الثانية المتحققة بين الأحزاب. بهذا يمكن تحييد أثر المقاعد المتراكمة.

وصف آلية الانتخابات؛

وعلى وجه الدقة يمكن وصف آلية الانتخابات على النحو التالي: في كل دائرة انتخابية يقدم كل حزب مرشحه المفضل، وفي كل ولاية ألمانية يضع كل حزب سياسي لائحة لمرشحيه الذين يتم إرسال عدد منهم كأعضاء في البرلمان الجديد وفقاً لنسبة الأصوات الثانية. المرشحون الفائزون عن الدوائر الانتخابية بواسطة الصوت الأول يمثلون دوائرهم في البرلمان في العاصمة الألمانية برلين، ثم يختار كل حزب نوابه من اللائحة التي قدمها وفقا لما حصل عليه من الأصوات الثانية بعد خصم عدد النواب الفائزين من خلال الأصوات الأولى. بمعنى أنه إذا حصل حزب على 10 مقاعد من الأصوات الأولى و15 مقعدا من الأصوات الثانية، فإن العشرة نواب الذين يشغلون العشرة مقاعد الأولى يذهبون مباشرة إلى برلين لتمثيل دوائرهم، ثم يختار الحزب 5 نواب آخرين من لائحته لتمثيله في البرلمان. وفي حالة تساوي المقاعد التي حصل عليها حزب ما من الأصوات الأولى والثانية فإنه يكتفي بالنواب الفائزين بالأصوات الأولى ولا يمكنه إرسال نواب من اللائحة. ففي المثال السابق، إذا كان عدد المقاعد التي حصل عليها الحزب من الأصوات الثانية هو 10 مقاعد، فلا يمكنه إرسال نواب إضافيين إلى البرلمان الاتحادي في برلين، ويكتفي بالعشرة نواب من الأصوات الأولى.

المقاعد العالقة؛

 وفي حالات استثنائية يمكن أن يفوز أحد الأحزاب في إحدى الولايات الألمانية عن طريق الصوت الأول بعدد من المقاعد البرلمانية أكبر من نسبة الأصوات الثانية التي فاز بها. ويرى قانون الانتخابات الألماني في هذا الإطار أن تحتفظ الأحزاب السياسية بهذه المقاعد البرلمانية التي يطلق عليها المقاعد "العالقة"، مما يرفع من عدد المقاعد البرلمانية للأحزاب التي تفوز بها. ويذكر أن هذه المقاعد البرلمانية العالقة ساعدت المستشار السابق شرودر وحليفه حزب الخضر على الحصول على أغلبية برلمانية أهلته للفوز بانتخابات 2002. والبرلمان الحالي يضم 611 مقعدا، أي أن هناك 13 مقعدا عالقا.

حاجز الخمسة بالمائة وأولوية الاستقرار السياسي؛

 يضع الدستور الألماني عوائق صعبة أمام إجراء انتخابات مبكرة بهدف تحقيق أكبر درجة ممكنة من الاستقرار السياسي والحفاظ على هيبة المستشار الألماني وثبات الركائز الأساسية لآلية صناعة القرار السياسي. وقد كان وصول النازيين إلى سدة الحكم في عام 1933 بعد استغلالهم لنقاط ضعف نظام جمهورية فايمار، التي كانت أول دولة ديمقراطية في التاريخ الألماني، الدافع الذي حدا بواضعي القانون الأساسي إلى سن تشريع يهدف إلى تجنب تكرار أخطاء دستور جمهورية فايمار.

هذا التشريع يمنع قوى المعارضة من إسقاط الحكومة الاتحادية، دون أن تكون قادرة على تشكيل ائتلاف حكومي بديل لها ويعطي أولوية خاصة للاستقرار السياسي. وفي هذه الخانة يصب حاجز الخمسة بالمائة الذي يقضي بأن يفوز كل حزب سياسي بخمسة بالمائة من أصوات الناخبين حتى يحصل على حق التمثيل والمشاركة الفاعلة في البرلمان الألماني. ويهدف هذا التشريع إلى الحيلولة دون عرقلة الأحزاب الصغيرة لعملية اتخاذ القرار ودون تهديد استقرار النظام السياسي.

 فإذا تم العمل بهذا النموذج وتم تقسم العراق إلى عدة من دوائر انتخابية وقامت الأحزاب بتحديد تحالفاتها بشكل جلي وواضح قبل إجراء عملية الانتخاب وأصبح للناخب العراقي صوتين يدلي بهما الأول لأحد المرشحين والثاني لإحدى الكيانات، يمكن أن تكون الرؤية واضحة لدى الناخب كما يمكن الحفاظ على حقه في معرفة الوجهة الحقيقة لصوته والحفاظ على هذا الصوت من الضياع والهدر، كما حصل في الانتخابات البرلمانية الماضية والتي أهدرت عشرات الآلاف من الأصوات لصالح الكتل الكبيرة.

.....................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...