كاظم فنجان الحمامي
[email protected]
علمتنا النكبات إنهم خدعونا حين قالوا
لنا إن الزواحف الأليفة لا تجيد التسلل من ثغرات الحدود المفتوحة, وخدعونا حين
قالوا لنا إن الكلاب التي لا تنبح لا تعض, وعلمتنا الويلات إن الذئب لم يأكل ليلى
رغما عنها, وإن جدتنا الطيبة هي التي تنازلت بإرادتها عن حدود كوخها, وهي التي
استغنت عن خدمات الناطور فسمحت للذئب بالقفز فوق جدران حقولنا, وإن زمن الجدات
الطيبات قد انتهى, وان روائح الوصفات السحرية المريبة هي التي ظلت تنبعث حتى يومنا
هذا من قدور الجارات الخبيثات, فكان كيدهن العظيم هو الجسر الذي عبرن فوقه حتى وصلن
إلى مقتربات موانئنا النفطية, فحُسِمت الغلبة لصالح التماسيح الزاحفة نحو مسطحاتنا
البحرية المُهمَلَة, وسُجلت الجريمة ضد مجهول. .
لا مجال للمقارنة الآن بين المؤهلات
البحرية الكويتية الفاعلة وبين المؤهلات البحرية العراقية الخاملة, ولا مجال
للمقارنة بين الخبرات الكويتية الناشطة وبين الخبرات العراقية المهمشة والمُغيبة
والمُبعدة والمعزولة والمتروكة والمُجتثة والخائفة, ولا حاجة لنا هنا لذكر المؤهلات
البحرية الإيرانية التي سجلت تفوقها الساحق على أشرس اللاعبين في الحلبات التنافسية
لحوض الخليج العربي, وبات من المألوف مشاهدة أبراج التنقيب الإيرانية تتسامق
بمشاعلها النارية في المياه الإقليمية العربية, وربما يصاب المتجول بصدمة عظيمة
عندما يرى بأم عينه أذرعها المتشعبة الممتدة في المياه الكويتية والسعودية والقطرية
والإماراتية, ويرى منصاتها النفطية مبعثرة فوق سطح البحر في حقل (حوت), وحقل (درة),
وحقل (فريدون), وحقل (مرجان), وحقل (زولوف), وحقل (فردوس),
">وحقل
(هنجام), وغيرها من الحقول المتداخلة هنا وهناك. .
">
تمتلك إيران (45) ميناءاً ومرفأً,
وساحلاً بحرياً طويلاً يمتد لأكثر من (3200) كيلومتراً في الخليج العربي كله, وبحر
العرب, وخليج عمان, والمحيط الهندي, وبحر قزوين, وتمتلك ست جامعات بحرية تخصصية,
وعندها أكبر أسطول بحري تجاري في كوكب الأرض, يضم الأعداد الهائلة من السفن
والزوارق والمركبات البحرية من كل الأنواع والأحجام والأصناف والمواصفات, مسجلة
بأسماء وواجهات وعناوين لا تُعد ولا تُحصى, وفي إيران أكبر هيئة محلية لتصنيف السفن
في المنطقة, وأقوى سلطة بحرية في الشرق الأوسط, لكنها وعلى الرغم من تفوقها البحري
على الصعيدين التجاري والحربي, استغلت الانحراف الطبيعي الطفيف في مجرى شط العرب,
فزحفت باتجاه حدودنا, وتمددت على حساب سواحلنا بالطول والعرض, فغيرت معالم مدخل شط
العرب من جهة البحر, واستبدلت اسمه باسم (أرفند رود), وغيرت اسم المصب فأطلقت عليه
(قناة خرمشهر Khoramshahir Channel),
وصارت هي التي تتحكم وحدها بمواقع الفنارات والعوامات الملاحية, وهي التي تغير
أماكنها نحو رأس البيشة من وقت لآخر, وكأنما هي المسؤولة
عن تأثيث شط العرب بالعلامات والإشارات البحرية والملاحية. .
ولا مجال لمقارنتنا مع الكويت التي
انضمت قبلنا للمنظمة البحرية العالمية عام 1960, بينما جاء انضمامنا متأخرا بنحو
(13) عاماً, وأجرت آخر تعديلاتها على قانونها البحري التجاري رقم (28) في عام 1980,
بينما ظل العراق يرزح حتى يومنا هذا تحت وطأة الأحكام البالية لقانون التجارة
البحرية العثماني لسنة 1866, والذي أصبح الآن من بقايا الأوراق الصفراء لدولة الرجل
المريض, ولا وجود له حتى في أرشيف مكتبات اسطنبول العتيقة. .
صار اسم الكويت منذ عام 1978 عنوانا
صريحا للاتفاقية الإقليمية للتعاون في حماية البيئة البحرية, وصارت منذ (30) عاماً
مقرا ومركزا إقليميا لمنظمة (ROPME) المعنية
بالبيئة البحرية في حوض الخليج, بينما صار شط العرب مستودعاً هائلاً للنفايات
والفضلات والملوثات. .
لقد أسهمت المؤسسات البحرية في الكويت
في الارتقاء بمستواها المهني والتجاري والتشريعي نحو الأفضل, وأصبحت موانئها قبلة
لخطوط التجارة البحرية المنفتحة على كل القارات, وتتولى شركاتها المعنية بالنقل
البحري تقديم خدمات الرحلات اليومية البحرية في عرض البحر, حتى أصبح الناس هناك على
دراية تامة بتفاصيل مسطحاتهم البحرية, بينما صارت الرحلات البحرية عندنا من
المحرمات والممنوعات التي لا ينبغي التفكير بها. .