مناقشة هادئة لنظرية مريبة

أحمد الجمال الحموي

أحمد الجمال الحموي

طلع مفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة على المسلمين بنظرية السواد الأعظم التي اتكأ فيها على حديث نبوي شريف وأول ما يتراءى لأهل البصائر من هذا الطرح أن المفتي يريد أن يتوصل بهذه النظرية إلى أن فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة جمهورية مصر فوز باطل لأن السواد الأعظم لم يكن حليفه في تلك الإنتخابات. والحديث اللذي حمله المفتي ما لا يحتمل هو في سنن ابن ماجه ومسند الامام أحمد وإليكم رواية ابن ماجه لهذا الحديث " عن انس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أمتي لا تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم) " في الزوائد : في اسناده أبو خلف الأعمى واسمه حازم بن عطاء وقد جاء الحديث بطرق في كلها نظر , قاله شيخنا العراقي في تخرج أحاديث البيضاوي ا ه .  من سنن ابن ماجه . كتاب الفتن . باب السواد الأعظم .

قال محقق الكتاب العلامة محمد فؤاد عبد الباقي : السواد الأعظم أي الجماعة الكثيرة فإن اتفاقهم أقرب الى الإجماع . قال السيوطي في تفسير السواد الأعظم : أي جماعة الناس ومعظمهم الذين يجتمعون على سلوك المنهج المستقيم والحديث يدل على أنه ينبغي العمل بقول الجمهور .

وقد أثارت نظرية المفتي لغطا كثيرا وتلقاها العلماء الأحرار في كل مكان بالرفض ويمكن أن اسجل على هذه النظرية الملاحظات التالية :

1 : إن الحديث ضعيف ومن الخطأ الكبير استنباط نظرية بهذه الدرجة من الخطورة منه .

2 : علينا أن نقف عند كلام السيوطي وهو قوله : جماعة الناس ومعظمهم الذين يجتمعون على سلوك المنهج المستقيم , نعم وليس على الكفر والنفاق .

3 : ليس موضوع هذا الحديث اختيار الامة للخليفة أو لرأس الدولة بل ليس فيه جملة ولا كلمة واحدة تشير الى موضوع الاختيار والانتخاب وانما فهم منه الامام السيوطي أنه ينبغي العمل بقول جمهور العلماء لا جمهور العلمانيين .

4 : إن الاختلاف المذكور في الحديث هو اختلاف بين المسلمين وليس بين المسلمين واليساريين والعلمانيين والليبراليين وبابا الأقباط كما هو حاصل في مصر . والواجب في مثل هذا الاختلاف أن يكون المسلم مع المسلمين لا مع العلمانيين ومناصريهم وإن كثروا .

5 : اذا سلمنا جدلا بنظرية السواد الأعظم , فما هي النسبة المئوية المطلوبة ليقال إن السواد الأعظم اختار زيدا أو اختار عمروا, وهل هذه النسبة هي بالنظر الى مجموع الشعب او الى من يحق لهم التصويت من هذا الشعب , وعلى كل فإن أي نسبة يقررها المفتي أو غيره كائنا من كان هي وهم وتحكم لا دليل عليه وليس في هذا الحديث الشريف ولا في غيره ما يحدده ويبينه .

6 : لقد ارتضت دول العالم ومنها مصر الطريقة المعروفة في الانتخاب والتي تم انتخاب الدكتور مرسي على اساسها , وهي طريقة منصوص عليها في دستور مصر القديم منه والجديد ولا يصح بحال أن تنسف نظرية غامضة ابتدعت مؤخرا المواد الدستورية الثابتة والمتفق عليها .

7 : لقد عارض هذه النظرية القاصي والداني من علماء الأمة ولم يقبلها إلا بعض متابعي المفتي من مؤيدي الانقلاب الغادر .

8 : لماذا لم ينطق المفتي بهذه النظرية الا بعد الانقلاب المشؤوم ولماذا صمت أيام المخلوع حسني مبارك ولم يتحف الأمة بنظريته هذه بل أعلن أيام ثورة الخامس والعشرين من يناير عدم جواز الخروج على الحاكم ومن المعروف عند المصريين وغيرهم أن النسبة الحقيقية للذين كانوا يشاركون في الاستفتاءات والانتخابات المزورة أيام المخلوع لم تكن تزيد في أحسن حالاتها عن العشرين بالمئة وربما لم تكن تبلغ ذلك فهل تحقق هذه النسبة السواد الأعظم الذي تخيله المفتي من غير صورة واضحة له , هذا اذا تجاهلنا إكراه الناس على الانتخاب والاستفتاء وتجاهلنا التزوير في تلك الأيام .

9: ونسأل المفتي من الذي حظي بسوادك الأعظم من الانقلابيين أعداء الاسلام , ومن منهم كان عدد الذين اختاروه أكثر من الذين اختاروا الدكتور محمد مرسي !  أم أن المفتي يريد أن يجمع الأصوات التي حصل عليها أحمد شفيق وحمدين صباحي وغيرهما ليصبح مجموعها أكتر من ما حصل عليه الرئيس المنتخب , وعلى الرغم من هذا فإن مجموع أصواتهم لا يبلغ خمسين في المئة من أصوات الناخبين وتبقى هذه النسبة دون مستوى السواد الأعظم الذي يتخيله المفتي .

10 : إننا اذا جمعنا الأصوات التي نالتها هذه الزمرة فإنها كما قلنا لن تبلغ ما اراده المفتي لكن الأهم هو هل سيصبح هؤلاء جميعا رؤساء جمهورية في وقت واحد ام على التناوب هذا اذا جمعنا اصواتهم , أم أنهم يمنحون أصواتهم لواحد منهم , وهذا ليس من حقهم لأن الذين أعطو أصواتهم لأحمد شفيق مثلا لا يريدون حمدين صباحي ولو أرادوه لانتخبوه ابتداءا , ويتضح من هذا أن فهم المفتي للحديث الشريف فهم متهافت وفهم مريب ملغوم .

11 : ان فهم المفتي للسواد الأعظم ليس له أصل في كتب السياسة الشرعية , ولم يقل به أحد من السلف ولا من الخلف ولم يطبق ولو مرة في التاريخ الإسلامي ولا يمكن تطبيقه في العصر الحديث .

12 : هل يمكن للمفتي أن يفتري على شرع الله فيزعم أن لدى عدلي منصور النصراني السبتي أهلية الخلافة وهل يعقل أن يحكم هذا الرجل مصر المسلمة , بل هل لدى أحمد شفيق وحمدين صباحي وعبد الفتاح السيسي هذه الأهلية .

وربما قيل إن الشروط التي يجب أن تتوفر في الخليفة ليست موجودة أيضا في الدكتور محمد مرسي والجواب أنه لم يكن بين المرشحين من حوى من هذه الشروط أكثر مما حواه رئيس مصر الشرعي الدكتور محمد مرسي .

13 : اذا كان المفتي يريد أن يعتمد على أعداد المحتشدين في ميدان التحرير يوم الثلاثين من حزيران ليبني على هذا أن السواد الأعظم مع الانقلابيين فلن ينفعه هذا وذلك للاسباب التالة :

أ : إن مقدم أحد اللبرامج في احدى قنوات الكذب والتزوير المصرية تباهى بأنه تم انفاق ستة مليارات ونصف من الدولارات وليس ستة ملايين ونصف , لحشد الناس في ذلك اليوم ومعنى هذا أنه تم شراء الناس واستئجارهم بالمال وتحريضهم على حاكم شرعي , فهل الرشوة والتحريض جائزان ؟

ب : وعلى الرغم من هذا كله فإن أعداد المعتصمين في ساحة التحرير وغيرها لدعم الانقلاب لم تزد على أربعة ملايين في تقدير جهات محايدة مصرية وغير مصرية ولا قيمة لكلام الانقلابيين وتقديراتهم هنا فقد أصبح كذبهم أشهر من نار على علم .

ج : بالمقابل فإن أعداد المعتصمين في ميدان رابعة والنهضة والمدن المصرية الأخرى قد قدره مراسلون أجانب بأكثر من أربعين مليونا وبعضهم قدره بأكثر من ثلاثين مليونا وبهذا تكون الأكثرية الساحقة معارضة للانقلاب ومؤيدة للحاكم الشرعي ويكون السواد الأعظم معه .

14 : ومن العجائب استشهاد علماء السلطان بحديث عرفجة الأشجعي وقد أوردوه حجة للانقلابيين على قتل الناس وإقصاء الاسلام وهو في الواقع دليل على جواز قتل الانقلابيين " عن عرفجة قال سمعت رسول الله صلى االله عليه وسلم يقول : من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم او يفرق جماعتكم فاقتلوه " فمن الذي شق العصا وحرض الناس ودعاهم الى الخروج على الحاكم المنتخب أليسوا هم الانقلابيين وهم الذين ينطبق عليهم هذا الحديث .

فهل قفز الدكتور محمد مرسي على الحكم بانقلاب دموي يدعمه العلمانيون وأشياعهم أم أن العكس هو الصحيح , هل بقي خافيا على أحد الألاف التي قتلها الانقلابيون تحت سمع العالم وبصره والجثث التي أحرقوها في المستشفيات بعد أن شهدت الدنيا أن مؤيدي الشرعية مسالمون , ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى , إذا لم تستح فاصنع ما شئت "

حقا ان السواد الاعظم قد يغطي بعض العقول والقلوب فتعمى عن الابصار وتتعطب العقول عن التفكير

وقبل الختام أود أن أعرف ما سر عداوة المفتي للاخوان الساجدين الراكعين , هل قتلوا أولاده وأحرقوا جثثهم , هل انتهكوا حرمة المساجد , هل نهبوا البيوت , هل ملؤوا السجون بالأحرار بتهم ملفقة , وهل عاونوا اليهود على خنق غزة وتجويع أهلها وقتل الفلسطينيين .إن الذين ارتكبوا هذه الآثام هم الانقلابيون الذين يؤيدهم المفتي ويدافع عنهم مشاركا بابا الأقباط في استحسان القتل والحرق والتدمير .

إن الدنيا لا تغني عن الآخرة وإنني والله أشفق عليك أيها المفتي وأذكرك بالوقوف بين يدي من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور , والحمد لله رب العالمين .

أحمد الجمال الحموي

نائب رئيس جمعية علماء حماة سابقا .

عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام .

عضو مؤسس في رابطة العلماء السوريين .

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين .