لماذا تصر الكنيسة المسيحية على الحديث عن سورية كطرف في الصراع ؟!
لماذا تصر الكنيسة المسيحية على الحديث عن سورية
كطرف في الصراع ؟!
زهير سالم*
في البداية يجب أن نمتلك الرؤية المساعدة على الفصل بين موقف الكنيسة المسيحية وبين موقف المسيحيين ، سواء حول العالم أو في بنية المجتمع السوري ؛ كما نفصل بين موقف جماهير المسلمين في سورية وبين موقف المفتي حسون ، أو موقف المسلمين في مصر وموقف الأزهر ، أو موقف المسيحيين في مصر وموقف الكنيسة القبطية ..
وحين تنغمس مرجعية دينية لها احترامها في نفوس أصحابها في الصراع السياسي بشكل ظاهر أو خفي ، فيجب أن يكون مقبولا أن يوجه النقد أو النقض لخطاب تلك المرجعية لأهميته وخطورته وتأثيره في قلوب عدد أكبر من الناس ؛ ولاسيما في قلوب ذلك الفريق من البشر الذين يجمعهم الإيمان بالواحد الأحد إلههم وربهم وداعيهم إلى دار السلام ، حسب تعبير القرآن الكريم : ( والله يدعو إلى دار السلام ) . وحسب تعبيرات المفسر المسلم لهذه الدعوة الربانية الكريمة: حذف مفعول يدعو ليكون التفسير : الله يدعو جميع الناس أو كل البشر أو كل إنسان إلى دار السلام ..
ومنذ انطلاقة الثورة السورية ، والسوريون يعلنون أنها ثورة للعدل ضد الظلم ، وللسلام ضد التغول على أمن الناس في حقهم في الحياة بقتلهم ، وفي حقهم بالحرية بسجنهم وتكميم أفواههم ، وفي حقهم في الاستقرار بتخويفهم وتشريدهم وسرقة أعمارهم وأرزاقهم . ومع عدالة كل ما يطرحه السوريون ووضوح حجم مظلوميتهم ببعدها التاريخي الذي دام لعقود لم تلق ثورتهم الاستجابة الإنسانية والروحية التي كانوا ينتظرون من حملة كلمة الرب ولاسيما المسيحيين منهم : ( وفي الناس المسرة وعلى الأرض السلام ) ..
أعلن السوريون إعجابهم وتعاطفهم وتمسكهم وتأييدهم لنشاط الأب باولو الراهب الإيطالي ، الذي أقام بينهم وتفهم معاناتهم وحاول أن يكون سفيرا لقضيتهم ؛ والذي سنظل نناشد الذين يستضيفونه أن يبادروا لرده إلى دوره الألق في خدمة مشروع الثورة السورية ، وبإيصال حقائقها حيث يعجز الكثيرون .
ولكن هؤلاء السوريين بسوادهم العام مسلميهم ومسيحييهم ما زالوا يفتقدون موقفا واضحا وصريحا من حقيقة الصراع الذي يدور بين الخير والشر ، بين الإيمان بكل فضائله وأسراره وبين الكفران بكل شروره وآثامه على الأرض السورية . بل الأنكى من ذلك فإن ما سمعه السوريون وما زالوا يسمعونه من أقطاب الكنيسة المسيحية كلاما مريبا يتبنى وجهة نظر الظالم ، ويتكلم بلغة الباغي حتى تكاد تظن أن هذه الكنيسة طرفا عمليا من أطراف الصراع . وأنها قررت الانحياز إلى الصف الذي لا يمكن لأصحاب رسالة االإيمان أن يقاربوه ، والذي لا يجرؤون على الإفصاح عنه فيظلون يواربون .
لقد كرم ربنا أبانا آدم بمنحه القدرة على تسمية الأشياء . تسمية الحقائق والأفكار والأشخاص . إن الاختباء وراء لغة الغموض وضباب العناوين هو فعل المريب الذي يخشى أن يقول للناس ها أنا ذا ..
في موعظة الأحد في 25 / 8 / 2013 وهو الأحد التالي لوقوع الجريمة الأكبر في القرن الحادي والعشرين في استخدام السلاح الكيماوي ضد مدنيين أبرياء عزل في غوطة دمشق - دمشق منطلق القديس بطرس إلى العالم – الجريمة أو المحرقة التي راح ضحيتها أكثر من ألف إنسان جلهم من الأطفال – أحباب الله – ومن النساء الضعيفات مرت موعظة الحبر الأعظم بتجاهل كامل للمجزرة المحرقة وكأنها لم تكن . وكان سيرضي الشعب السوري أو سيكفيه أن تدان المحرقة والحارق مهما تكن هوية الحارق هناك ..
وعوضا عن هذه الإدانة التي انتظرها الشعب السوري واضحة جازمة تقترن بإعلان الانتصار لمشروع الخير والعدل كان ما سمعه السوريون من الحبر الأعظم هو دعوة مريبة للتسوية بين الضحية والجلاد بين المظلوم والظالم مع الإقرار للظالم بحق البقاء على عرش الظلم يردد مقولة النمرود من قبل ( أنا احيي وأموت ..)
ما قاله الحبر الأعظم في سياق المجزرة المروعة كان هو الآخر مروعا ( ليست المواجهة هي التي تفتح آفاق الأمل بتسوية المشكلات بل القدرة على الالتقاء والحوار )
فهل اللقاء والحوار مع مستخدم السلاح الكيمائي – كائنا من كان – والذي قتل قريبا من دمشق الأثيرة في ومضة العين مئات الأطفال هو الذي يفتح آفاق الأمل الذي يدعو إليه الحبر الأعظم ..
إنه حين يكون الصراع بين الخير والشر بين الحق والباطل بين العدل والظلم بين الأمن والخوف هل يمكن أن تكون أي تسوية بين هذه الأضداد ؟! هل يمكن للإنسان أن يزاوج خطواته خطوة على طريق الله وأخرى على طريق الشيطان ؟! بهذا المنطق وحده يمكن للحبر الأعظم أن يطلق على الحرب الدائرة في سورية على أنها حرب ( للأخوة ) تدور هناك ..!! وحين يفقد الإنسان الجرأة عن الإعلان عن الموقف الذي اختار فهو أدرى بالصف الذي هو فيه . ..
لن نغادر المقام قبل أن نعرج على العزيف على الوتر نفسه استمعنا إليه من الكاردينال بطرس الراعي من لبناننا القريب الحبيب ، البطرك الراعي وهو الذي ما زال يخلط الأوراق منذ خرج الشعب السوري مطالبا بحقه في العيش الكريم ، فقد قال الكاردينال الراعي في الأحد نفسه متهما الضحايا الأبرياء : ( إن الذين يمعنون في الشر تخطيطا وتنفيذا ويثيرون النزاعات ويفتعلون الحروب وممارسة العنف والإرهاب ويرفضون التفاهم والحوار والمصالحة قلوبهم خالية من الإيمان والحب وهم مستعبدون لشرورهم مباعون لأسيادهم أمراء الشر ...)
أقول للكاردينال الراعي يسلّم عليك ابن رعيتك ميشيل سماحة وأسياده أمراء الشر في دمشق مملوك وشعبان ..
عن وكالة سانا الأسدية ووكالة روسية اليوم البوتينية اقتبست النصوص ووجدت الحفاوة والتأييد فهل قرر أصحاب هذه المواعظ ان يحولوا مثلث شر : روسية – إيران – بشار إلى مربع ....
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية