تقسيم سورية
محمد زهير الخطيب/ كندا
لا أحد يريد تقسيم سورية، عصابات الاسد تحلم بسورية كلها، والثوار ينتظرون سقوط الاسد
في أية لحظة، ولكن الواقع يقول أن التقسيم بات اليوم أكبر الحقائق على الارض.
التقسيم لمن لا يريد أن يرى أو يصدق آيل إلى مزيد من التبلور والوضوح ما لم تتدخل عناصر جديدة في الصراع لتغيير المعادلة كتوفر أسلحة نوعية للثوار أو توفر حظر جوي...
سألني أحد الاصدقاء، هل يمكن أن تتصور عودة سيطرة عصابات الاسد على سورية فأجبته بالنفي قطعاً، والعلة في ذلك أن معظم الشعب السوري بات ينظر لعصابات الاسد كقوة احتلال غير مقبولة، إنها قد تكون قادرة على نشر الموت والهلاك ولكنها لم تعد قادرة على استئناف أي شكل من أشكال الحياة، فهي بين الحين والآخر تحتل مناطق جديدة بطريقة الارض المحروقة، فتدخل دباباتها المنتصرة على بقايا الخراب والاشلاء ثم لا تلبث أن تغادر تجر أذيال الخيبة والفشل...
لقد أساء النظام إلى الطائفة العلوية أكبر الاساءة بربط مصيرها به، وعلى الثوار من طرف والعقلاء من الطائفة العلوية من طرف آخر إيجاد مخرج لسورية بكل أطيافها وطوائفها دون عصابات الاسد، وهذا يحتاج إلى كثير من العمل السياسي وبناء للثقة. وإلا فان مئات الآلاف من العلويين الذين يحملون السلاح سيبلورون تقسيم سورية بالنزوح إلى مناطقهم وتكريس سيطرتهم عليها مما يعني التقسيم.
لا بد أن يساهم الجميع في إيجاد مخرج للاستقطاب الطائفي الدموي الذي لو تُرك دون رعاية واهتمام فإنه سيخلف جروحاً لا تندمل.
يجب أن تدرك الطائفة العلوية أن الخيارات قليلة وأن كثيراً من أبنائها قد استُجروا إلى مغامرة غير عادلة لا يمكن أن يخرجوا منها رابحين لكثرة ما استحرّ من القتل والاساءة، فلم يبق إلا الاوبة إلى الوطن كمظلة للجميع، وطن ينهض من جديد على الحرية والديمقراطية والعدل والمساوة والثقة والمسامحة دون عصابات الاسد التي أساءت للوطن ومزقت نسيجه الاجتماعي.
إذا لم يقم العقلاء من الطائفة العلوية بهذا الدور التاريخي الذي يتوجب عليهم لاصلاح ما أفسده كثير منهم، فاننا غالبا مقدمون على بلورة التقسيم الواقع على الارض والذي لا يريد أن يصدق وجوده أحد، ولن يكون التقسيم بر أمان للمقتسمين، فالشعب السوري متداخل ومختلط، وسيسبب التقسيم له مزيدا من الآلام والترحال والتطهير العرقي الذي سيؤذي الجميع.
وبكل الاحوال لا بد أن تتضاعف الجهود لتوفير الاحتياجات المدنية والمعيشية لكل الناس في كل المناطق بحيث لا نعلق الخدمات على النصر والحسم بل يجب أن تتم بكل الاحوال فما ذنب الناس الآمنين المسالمين ليجوعوا ويعطشوا ويعيشوا عيشة العصر الحجري دون ماء أو كهرباء أو أمن. إذا كان كثير من الثوار لا يجدون الفرصة لتنظيم هذه الامور فلا أقل من أن يسمحوا لمن يهتم بها أن يأخذوا دورهم في توفير الخدمات والرعاية لعامة المواطنين.
وتشجيع الناس للعودة إلى بيوتهم وأعمالهم قد يكون من أنسب الامور لاقامة أمر واقع من الحياة تفرض نفسها على الحرب والدمار.
إن كثيرا من الافكار المتطرفة غير الناضجة والممارسات الفجة التي يمارسها بعض الثوار يمكن أن تتعدل وتنصلح من خلال الحوار والعلم، لذا على أصحاب الافكار واساتذة الحوار والعلماء عليهم أن يعودوا إلى الاراضي المحررة في أقرب وقت، يعيشوا مع الناس ويقاتلوا مع الثوار ويحاوروهم ويرشدوهم بالحجة والبيان والعلم والقدوة، ولايجوز أن نقول لهم اذهبوا انتم فقاتلوا وإنا في المهاجر قاعدون.
أذكر عندما كنا في سجون النظام أن نوعية السجناء التي حولنا لها تأثير كبير على باقي السجناء، فهناك سجناء يحاورن ويعلمون ويناقشون ويؤلفون الاشعار وينشدون... فكيف بنا في المناطق المحررة التي هي اليوم في أمس الحاجة إلى أصحاب الفكر والعلم والادارة...
عندما يعود كثير من الناس المنظمون الواعون المتعلمون إلى المناطق المحررة فانهم لن يقبلوا بالخطأ والنقص والخلل، سيسعون جادين إلى إيجاد حلول تحت ضغط الحاجةِ والحاجةُ أم الاختراع.
لذا أدعو نفسي والمستبطئين لنصر الثورة بان يشدوا الرحيل إلى المناطق المحررة ليحرروها، هي محررة بالبندقية وعليهم تحريرها من جديد بالعلم والرعاية وتوفير الخدمات.
وعيدنا القادم في ربوع الوطن باذن الله.