الإسلام السياسي والمؤامرة الدولية عليه

م. محمد حسن فقيه

[email protected]

الإسلام السياسي الذي يصفه أهله بالوسطية والاعتدال ويؤمنون بسياسة التدرج والتعامل بحكمة ومرونة مع الناس ، والتعاون مع فئات المجتمع الأخرى تحت ظل الوطن ، والذي نجحت تجربته في عدة بلدان وحقق نقلات تدريجية ملموسة ومتقدمة في أكثر من دولة ، أصبح اليوم هدفا لأعداء الإسلام وأصبح في خطر محدق أكثر من غيره .... وفي سابقة جديدة وفريدة من نوعها .

كثيرون لا تروق لهم  فكرة الإسلام السياسي كأحزاب أو جماعات ، وتوجه عليه السهام من أكثر من جهة ، فهو لم يرض – الإسلاميين - أصحاب الفكر المتشدد الذين يكفّرون أغلب مجتمعات المسلمين فضلا عن تكفير الأحزاب والجماعات الإسلامية التي تؤمن بالتجربة السياسية ، لأنهم يطمحون بالخلافة الإسلامية وإعادتها بالجهاد ، ولو كانوا عاجزين عن تحقيقها ، وحتى لو حققوها فهم أعجز عن المحافظة عليها وحمايتها  من أعدائها المتربصين بها ، سواء كان ذلك التحدي أو العدو في الداخل أم الخارج ، فضلا عن أنهم لا يملكون مقومات دولة .

 كما لم يرض الغالبية والسواد العام من  العلمانيين مع قلة عددهم وضعف مناصريهم ، مستعدين على قومهم وأبناء جلدتهم بدعم أجنبي وأجندة خارجية ، والذين يتخذون من الدين عدوا لهم ، ويريدون أن يفرضوا رؤيتهم وفكرهم في مجتمع  متدين أصلا وكانت أرضه مهدا للرسالات السماوية .

 وأما الطرف الأهم والمتمثل في المجتمع الدولي فهو من يحيك المؤامرات ويصطنع الفتن ويدعم العلمانيين من  جهة دعما مباشرا .... ويمهد لتوسيع رقعة الفكر المتشدد بشكل خفي وغير مباشر لتنفير عوام المسلمين ومعاداته للإسلام ، هذا من جهة ومن جهة أخرى للبحث عن ذرائع ومسوغات للتدخل في بلاد المسلمين وتنفيذ مخططاتهم ، وغالبا ما يكون ذلك باستفزاز القاعدة العريضة من شعوبنا المسلمة  وإثارة حفيظتهم مما يحاك حولهم من مكائد ومؤامرات بتفجير فتاشات هنا أو صواريخ  هناك ، فيدفعوهم ليقوموا بردات فعل غير مدروسة ، تفوق الفعل وتنادي بالعنف ضد العلمانيين من جهة ، وضد أحزاب الإسلام السياسي من جهة أخرى .

 ومما لا شك فيه إن كثيرا من الأنظمة الشمولية والطائفية والغربية المعادية للإسلام ، وبعض الأنظمة العربية ممن تخاف على نفسها من رياح التغيير التي قد تطول كراسيها بسبب دكتاتوريتها وفسادها واستبدادها ..... إن لم تك أصلا تحارب الإسلام في جوهره .... ولو أعلنت تمسكها به وتطبيقها لأحكامه .

كل هؤلاء وغيرهم يعادون الإسلام السياسي  ويخططون بمكر للإطاحة به وتشويه صورته ، لاستبعاده عن المشهد السياسي وإقصاءه من الساحة السياسية ، ويحاولون زرع عملاء لهم في رأس الهرم لتلك الجماعات المتطرفة ويسوّقون لهم تحت مسميات الجهاد ومقارعة الكافرين ، ويقدمون لهم الدعم المادي واللوجستي بشكل خفي ، حتى يتم توجيههم من خلف تلك القيادات الخفية لتحقيق مآربها وتنفيذ ما يخدم أهدافها وسياساتها وتوجهاتها ، ولا أريد أن أدلل على ذلك من مكائد اليوم حفاظا على الفتنة وأملا في أن يصحو بعض هؤلاء من أوهامهم وخيالاتهم ويكشف الله على بصائرهم فيخرجوا من مصيدة الفخ والشرك الذي أوقعهم به أعداء المسلمين ، دون أن يدروا حقيقة ما يدبر لهم ويحاك من حولهم ، مكتفيا بالإشارة لتجربة النظام السوري مع أبي القعقاع ومعسكراته لتصدير المجاهدين والإستشهاديين الى العراق ، وبالتنسيق الكامل مع إيران ، وهي العدو اللدود المفترض لهؤلاء المجاهدين ، ورغم أن هذا الأمر أصبح من الماضي  إلا أن  ذيوله لم تقطع وتنته بعد ، وما زلنا نكتوي بنيرانها من بقايا أولئك المجاهدين والمجندين في العراق وسورية وغيرهما .   

إنّ المؤامرة العالمية على الإسلام السياسي الذي يدعو للوسطية والاعتدال والتي تحاك بواسطة المجتمع الدولي وعملاؤهم الطواغيت ورجالهم من أبناء جلدتنا الذين يحاربون هذا الفكر، لأنهم يخافون من سعة انتشاره  وقبوله لدى سواد الأمة ، فيغتالون خيارات التبادل السلمي للسلطة ويدفعون بالفكر المتشدد بطريقة غير مباشرة ليطفو على السطح بشكل منفر، وترتفع  ضده صيحات الغضب والاستنكار، ثم يثيروا الخلافات ويؤججوا الفتنة حتى يدفعوا بهذه الأطراف في عالمنا الاسلامي للعنف والاصطدام ...........

وعندما يصل الإسلام السياسي إلى مواقع هامة ومؤثرة ويخشى عليه أن يصبح لاعبا دوليا له وزنه وثقله ، ويمكن أن يكون له دوره في نهضة المسلمين وصحوتهم  ، عندها تصدر الأوامر العليا من أولئك الأعداء مجتمعين ، ليتم قمع الإسلام السياسي تحت مسميات مضللة كالحرب على الإرهاب ، وتحقيق مطالب الشعب ، مستخدمين عبارات التضليل والتخوين يشرعن لهم ذلك مرجعيات دينية ورجال دين صنعوهم على أعينهم ، ومتسلحين بقوة عسكرية غاشمة وجحافل جيش انكشاري مدجن جندوهم  من ملحقات أنظمة الفساد والإستبداد التي كانت تعيش في كنفهم وترتزق فسادا من فتات فسادهم ، مترافقا ذلك مع  حملة إعلامية ممنهجة تعتمد على الدجل والتضليل ، يساعدهم ويتستر عليهم إعلام رسمي وإقليمي ودولي ، مع صيحات الشجب والإدانة والإستنكار من بعض منظمات حقوقية رسمية وغير ذلك ، لا تعدو عن صيحات منفردة خافتة في بيداء قاحلة واسعة .  

إذا صدرت الأوامر العليا وحركوا ضدك قواهم الغاشمة ، لن ينفعك بعد اليوم أي شعارات ترفعها عن السلمية ونبذ العنف ، فقد قرروا ان يصنفوك مجرما وإرهابيا .....

 عندها لا ينفع حكمة حكيم ، ولا حلم حليم ، ولا عقل عاقل ، ولا منطق مخلص غيور متحمس .

عندها تخرج الأمور عن السيطرة ويتحكم في القرار الرويبضة والرعاع ، ومن خلفهم أسيادهم الذين يحركونهم  بخيوط خفية ، فقد شرعن لهم أرباب الفتنة وعلماء السوء والضلال أن يستبيحوا كرامتك ويسلبوك انسانيتك ويحرموك من أدنى حقوقك ، أو أن ترضى بالعيش بينهم ذليلا مستعبدا تحت البسطار العسكري بالخزي والعار ، ومحروما من أدنى حقوقك الدينية والساسية والكرامة الانسانية .....

هذه التصرفات الهدّامة المستوردة - لا بل المفروضة - من أعداء أمتنا  والمنفذة علينا برعاية  حكامنا الطغاة والمستبدين ، سوف تقسم مجتمعنا إلى طابور من المنافقين والمصفقين من عشاق العبودية ومدمني الاسترقاق .... وإلى فصيل آخرتمرد على التدجين وسياسة الرق والإستعباد ومنهج الذل ، فرفض العبودية والاستبداد وحكم الطاغوت .... ولم يجدوا مكانا وسطا ليقفوا  فيه ، فقد احتله الطواغيت وعسكر فيه أتباعهم وأزلامهم من قواهم الغاشمة وأدواتهم القمعية وأبواقهم الإعلامية  التي تصفر بسم الأفاعي .

عندها سيتم تصنيفك وكل من معك  إن لم تك معهم ، تطبل لهم وتزمر وتأتمر بتعليماتهم وترضخ للعيش تحت كنف بسطارهم العسكري الثقيل ..... ستصنف عدوا مجرما أو  إرهابيا ظلاميا تعمل لمصلحة أجندة خارجية وتتآمرعلى سيادة البلد للنيل من رموزه وتدمير مقدراته .

نعم هكذا سيكون تصنيفك وربما أكثر بكثير من هذه الصفات ..... ستجد أن التهم قد ألصقت بك .... في قائمة طويلة لم تسمع بها ولا يمكن أن تتخيلها .... فتجد نفسك قد حشرت في مربع ضيّق :

  لا يسعك أن ترى من خلال هذا المربع الضيق الذي حشروك بداخله وأغلقوا عليك كل المنافذ ، إلّا أن هذا الحاكم أصبح طاغوتا مستبدا ، والخروج على هذا الطاغوت أصبح  واجبا مقدسا ، وجهاده فرض عين على كل مسلم قادر .

وتصبح الدولة على مفترق طرق : 

* إما أن يتوقف الاستبداد وحكم الطاغوت ، وتنتهي أدواته القمعية ونهجه البوليسي وتطوى صفحة الذل والاستعباد ومن أدمنوا الماسوشية والإسترقاق للطواغيت ، ويستبدل ذلك كله بنظام مؤسساتي شوروي تسوده الحرية ، وعنوانه العدالة وكرامة الانسان ، مستندا على أسس ومبادئ راسخة وثوابت لا يمكن تجاوزها والإلتفاف عليها من دين سواد الأمة ومرجعيتها السماوية السمحاء .

 * أو أن يتوقف الإسلام السياسي ويغيب التوسط والإعتدال عن المشهد السياسي ، وينسلخ عنه ممتدا  على الساحة السياسية تيارات وأحزب متعددة تنادي بالتشدد وتنهج التطرف ، وتنتشر على الساحة لتغطيها كبديل عن الإسلام السياسي ، بعد أن اقتص منه الطواغيت رقعا صغيرة متناثرة تريد أن تتاجر بها وتضعها أمام منظار مكبر لتسعير الفتنة وزيادة البلبلة ، فتقع الفتنة .......... وتصحو الأمة !!!!!

ويقع الصدام بين قوى الطواغيت والإستبداد وأركان الظلام والفساد من جهة ، وبين جماعات التشدد والتطرف من جهة أخرى ، وقد انضم لها والتحق أو ألحق بها كل من رفض الاستبداد وحكم الطاغوت ولم يرض السير في قافلة الفاسدين والظالمين ، في معركة لا تبقي ولا تذر، وقودها البلاد والعباد لا تنتهي إلا بهزيمة أحد الطرفين أو استسلامه .    

إذا تطورت الأمور عندها إلى هذا الحد ، هل ستكون بلادنا عندها في فتنة دهماء  ........... أم محنة وابتلاء ؟    

أم يميز الله الخبيث من الطيب ويهيء الله لهذه الأمة رجالا على قدر المسؤولية يقودونها إلى الهدى والرشاد بعيدا عن الفتنة ونارها ، لتستعيد الأمة كرامتها وتسترد عزتها وتمارس حريتها  ، ويعود للأمة مجدها وآمالها .

( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) – ( الشورى – 30)

( يا ايها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) – ( محمد – 7 )