وثيقة محلية مشبوهة ومزيفة...
د. محمد عقل
مصطلح "وثيقة محلية" يطلق على الأوراق الخاصة المدونة في حقبة زمنية معينة في مكان محدد مثل حجج بيع أراضٍ أو حيوانات، وصولات دفع ضرائب للدولة، شهادات عسكرية لأفراد خدموا في الجيش، عقود سلم لسلع محددة ورهون أراض بين طرفين، حجج وقف عقار على شخص أو جهة معينة، اتفاقيات مدونة بين الفلاحين حول تداول الأراضي واستغلالها، أوراق عائلية فيها تسلسل نسب أو مشجرات وما شابه ذلك.
في العهد العثماني كانت تلك الوثائق مؤرخة إما بالتاريخ الهجري، أو بالتاريخ الرومي الشرقي(السنة المالية)، أو بكليهما معاً، ولكن لم يجر تحديد التاريخ وفق السنة الميلادية أبداً!. كما أن الوثيقة يجب أن تكون ممهورة باسم كاتبها، أو الجهة الصادرة عنها، وغالباً ما تكون مذيلة بأسماء شهود الحال الحاضرين في المجلس ساعة تدوينها وأحياناً إلى جانب أختامهم.
لا يخفى على النابهين ما لهذه الوثائق من أهمية في دراسة الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمجتمع معين أو دولة من الدول في حقبة زمنية معينة، وهي عرضة للتزييف والتزوير خاصة إذا أراد المزيف إثبات نسب معين لم يكن له؛ ولا بد عند الإطلاع على الوثيقة من فحص صحة المعلومات الواردة فيها بمقارنتها مع معلومات من مصادر مكتوبة، فمثلاً لا يعقل أن تتحدث الوثيقة عن والٍ يقوم بحملة عسكرية في حين أنه توفي قبل تاريخ تحرير الوثيقة بسنين، أو كما يقول المثل "جاء ليكحلها فعماها". مثال على ذلك ما فعله من يسمي نفسه أحمد محمد أحمد، وهو مروان أحمد عبد الله الياسين من الكويت عام 2010م حين عرض على شبكة الانترنت وثيقة مزيفة ومشبوهة للدلالة على أن آل ياسين بن راشد هم من بني تميم وليسوا من قبيلة بجيلة، وقد انبرى له نافع البجلي مبيناً أن الوثيقة مزورة لأنها مؤرخة في 13 محرم سنة 1309 ﻫ بينما مات الوالي التركي مدحت باشا في 9 جمادى الآخرة سنة 1301 ﻫ. فهل قام الميت من قبره وقام بحملة عسكرية ضد بني تميم!. كما فند الدكتور عبد العزيز البجلي مزاعمه وبين أن آل ياسين هم من بجيلة، ونحن نضيف أسباباً أخرى لإثبات كون الوثيقة مزيفة وهي:
1. ظهور السنة الميلادية(1892 م) بعد التاريخ الهجري وهو أمر لم يكن معهوداً في كتابة الوثائق.
2. خلو الوثيقة من الأخطاء اللغوية أو الإملائية إلا ما ندر مما هو دارج في لغتنا اليوم. كما أن الوثيقة تخلو من التجاعيد التي تعتري الوثائق القديمة الناتجة عن طيها.
3. ظهور الهمزة في كلمة قبائل بينما تكتب في المخطوطات العربية والوثائق المحلية بالياء.
4. لم يرد في أي مصدر، أو وثيقة أخرى ذكر لمعركة وقعت في ضاحية شط العرب بغرض صد الجيش العثماني ومنعه من الذهاب إلى قطر لمحاربة حكامها من آل ثاني.
5. ظهور نص الوثيقة ثانية على شبكة الإنترنت مع تغيير اسم الوالي التركي من مدحت باشا إلى عبد الحميد باشا.
6. لا يهمنا إن كانت زوجة ياسين بن راشد تميمية وهو بجلي، أو أنه تميمي، فالناس أُمناء على أنسابهم. من الواضح أن الوثيقة المزيفة لا تنص صراحة على شيء من ذلك. من الواضح أن شخصاً من آل القنبدي في الكويت ساعد على تزييف الوثيقة المذكورة كونهم من نسل مبارك بن صقر التميمي صاحب الختم الوارد في ذيلها!.
إن تزييف هؤلاء للوثائق يشكل سابقة خطيرة، ويهدد تراثنا وتاريخنا، فكفى عبثاً واستهتارا!.