ثمار الربيع العربي

عثمان أيت مهدي

من يتابع الأحداث في سوريا قد يصاب بخيبة أمل، بلاد تحت رحمة وحش يدكها دكا باسم الشرعية التي منحها له أزلامه والمنتفعين من ريعه. وفي ليبيا، بعد مقتل القدافي، استبشر العالم خيرا بميلاد دولة أساسها العدل والمساواة والحرية، لكن ما تصلنا من أخبار مأساوية تزيد من مخاوفنا وتعمق من جراحنا خوفا على أحلام لم تتحقق بعد. وفي مصر، شرعية شعبية جاءت عن طريق صناديق الاقتراع يسطو عليها العسكر ويعثو فيها فسادا. وفي تونس يتربص بها أعداء الثورة والديموقراطية وينتظرون الفرصة المواتية للانقضاض على الشرعية. وفي اليمن، مازالت ثورتها بين المد والجزر لا تستقر على حال. والعراق الذي ضحى ومازال يضحي بقرابين من الشهداء من السنة والشيعة، مازال الضباب القاتم يخيم على الوضع السياسي القائم في البلاد.

في هذا الوضع الأليم، يحقّ للمواطن أن يسأل عن محل هذا الربيع من الإعراب؟ هل هو مفعول فيه أم مفعول به؟ هل حلّ الخريف محلّ الربيع؟ أم أنّ أحلامنا كانت مجرد أحلام يقظة سرعان ما تبخرت واندثرت؟

إنّ الجواب عن هذا السؤال يجرنا حتما إلى أسئلة في غاية الأهمية، تفكك خيوط هذا الجواب الصعب وتذلل الطريق إلى بر الأمان. الأسئلة التي تطرح نفسها في هذا المقام هي كالتالي:

1.    كيف كان الشعب العربي يرى زعيمه بشار الأسد قبل قيام الثورة ضده؟ لقد كان على رأس الدول الممانعة، حامل مشعل القومية العربية، الدرع الواقي للحركات الثورية ضد إسرائيل.. لقد انهار هذا الصرح العالي لشخصه وأصبح بين عشية وضحاها وحشا يمتص دماء شعبه الأعزل وينام على جثث الأبرياء والمساكين من شعبه. 

2.    كيف كانت صورة الجيش المصري قبل الانقلاب وبعده؟ هذا الجيش الذي أعطى أحسن الأمثلة وأجمل الصور عن التضحية والجهاد في سبيل الله والوطن في حرب 6 أكتوبر 73 ضد العدو الإسرائيلي، أين هو الآن هذا الجيش الذي أسال دماء شعبه وانقلب على شرعيته؟ كان جيشا من الأبطال وأراد له البعض أن يصبح جيشا من الأنذال.

3.    ماذا فعل القذافي لما شعر بلهيب الثورة يمتد من بنغازي متجها إلى طرابلس؟ لقد أقلع بطائراته ليدك بنغازي دكا دكا ويجعلها درسا لمن يريد أن يعتبر. لقد أنجاهم الله من كيده بتظافر جهود العالم ضده.

4.    كيف كنّا نرى حزب الله في جنوب لبنان، وإيران؟ لقد كان حزب الله نعم الثائر ونعم الحركة في سبيل تحرير الأوطان، لقد كان نصر الله الرجل البطل في مخيال كل عربي ومسلم. وإيران كانت الدولة الديموقراطية التي أوصلت رئيس بلدية طهران إلى سدة الحكم عن طريق انتخابات شرعية. لقد انتزع الغطاء عنهما وظهرا جليا على حقيقتهما.

5.    كيف كانت الشعوب العربية الثائرة أو التي ستثور يوما قيل وبعد الربيع العربي؟ لقد حصحص الحق وانكشف الغطاء وعرفت الشعوب العربية النائمة منها والمستيقظة أنها تحكم من أراذل يمتصون دماءهم ويستبيحون خيراتهم.

إن لم تكن هناك نتائج آنية لثورات الربيع العربي، فيكفيها فخرا أنها علمتنا نفرق بين العدو والصديق، بين المجاهد والحركي، بين المخلص والمنافق. لقد انكشف الجميع، ولم تعد الشعارات الجوفاء والنداءات المغرضة للمسيرات الشعبية للحاكم المتجبر، القابع على رقاب الشعب يستجاب لها.

أين الزعماء الذين بنوا لنا صرحا من الرمال وعندما هبت زوبعة انهار الصرح على من فيه؟ أين جمال عبد الناصر؟ وأين هو الهواري بومدين؟ وأين هو معمر القدافي؟ وأين هو حافظ الأسد؟ بعد أن كشف التاريخ عن مجازرهم وطغيانهم وإصابتهم بمرض الزعامة، سيحالون على مزبلة التاريخ وبعد ذلك، عندما نتكلم عن عصر الانحطاط سنتكلم لا محالة عن هؤلاء الزعماء.