علمانيو السلطة وعلمانيو العقيدة

عثمان أيت مهدي

جاء في إحدى مسرحيات برشت Bertolt Brecht مايلي: ثار الشعب ضد اللجنة المركزية، اجتمعت اللجنة المركزية واتفقت على تغيير الشعب.

إن الحالة هذه، تنطبق على الحركة العلمانية بمصر التي استعانت بالعسكر للقضاء على المتشبثين بالشرعية الدستورية، والرافضين لبيع أصواتهم رخيصة للذي استلبها منهم عنوة وجهرا. إنّ هؤلاء العلمانيين المزيفين أشبه بالذي يتخبطه الشيطان من المس، يتمتم المسكين بما لا يفهم ويصرخ مرددا أصواتا لا يفقهها إلا هو، وهذا لسببين هما:

استنجادهم بالعسكر، وهي دلالة ضعف وخبث ليضربوا بيد غير أيديهم ويورطوا العسكر في نهر من الدماء والخراب والأيتام...

الحملة الإعلامية الشعواء عن طريق القنوات المضللة والصحافة المأجورة، وهذه الحملة يغيب عنها العقل السليم والحجة الدامغة والرأي والرأي الآخر.

إن الاستنجاد بالعسكر يعتبر خيانة عظمى في حق الشعب المصري المسالم وسلوكا شائنا يشوه صاحبه لأنه لا ثقة له بسلامة أفكاره وعافية مبادئه التي يناضل من أجلها، ولا عقيدة له بالعلمانية التي ناضل من أجلها مفكرو وأدباء الثورة الفرنسية ضد الكنيسة. إنّ غاية ما يسعى إليه هو الوصول إلى كرسي الحكم، كرسي التسلط على رقاب الشعب المقهور.

ثم هذه الحملة من الكذب والتلفيق غير المؤسس الذي ينتهجه أشباه العلمانيين، جرّت معها موقعا إلكترونيا كثيرا ما ارتويت من مائه العذب واستلذيت ثماره وفاكهته، والمؤسف حقا هذا الموقع المحترم "المثقف" الذي فتح لهم أبوابه لبث سمومهم دون أيّ وجه حق، كأنّه يصبّ الزيت في النار.

ليس هكذا تعالج الأمور، فالعصر الحالي وفّر للمواطن البسيط وسائل إعلامية رهيبة لا تملكها السلطة ولا تستطيع أن تقف دونها، لقد شهد العالم كله صور التعذيب في سجن "أبو غريب" ومقتل "صدام حسين" و"القدافي" وما جرى في أماكن يعتقد أنها محصنة. إنك لا تحتاج إلى قنوات وصحف مأجورة بما أنّ اليوتوب والفايسبوك يغنيان عنهما. وقد طلب مرة علي بلحاج الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالكف عن هذه الدروس النارية بالمساجد، فردّ عليهم: أعطونا التلفزيون نعطيكم المساجد. 

إن نسبة الوعي السياسي في العالم العربي في ارتفاع مقارنة بالسنوات الماضية، وهذه أيضا تحول دون تحقيق أغراضكم المبيته أيها العلمانيون المزيفون الذين يتسترون تحت عباءة الأنظمة الساقطة، الأنظمة البائدة التي ترغب في العودة بمسميات أخرى وأشكال وألوان مختلفة.

يقول المثل الشعبي، لا يبقى في الواد غير حجاره. فلا أقلامكم ولا قنواتكم تغنيكم عن هذا الواقع الذي يعيشه المواطن لأنه الأصل، ولا يغني الوهم عن الأصل؟

هل يملك العسكر قوة القضاء على الإخوان ومن سار في ركابهم؟ إنّه تكفيه قنبلة في الرابعة العدوية للفضاء عليهم جميعا؟ وهل يملك العلمانيون قوة القضاء على الإخوان ومن يدور في فلكهم إذا امتلكتم جميع قنوات وصحف الدنيا. وملكوا هم المساجد والشوارع؟

أيها العلمانيون المزيفون إنّ الحركات الإسلامية أمر واقع لا مفر منه. لمَ لا نتعامل معه كواقع وشرّ لا بدّ منه. نحاوره، نصارعه فكريا، نظهر له حسن نوايانا، نظهر لهم تجارب العالم، نبيّن لهم محيطنا والتحديات التي يجب علينا رفعها وتخطيها.

ومتى كان العلماني عدوا للدين؟ ومتى كان الإسلامي عدوا للتمدن والحضارة؟ لنبحث معا عن القواسم المشتركة بيننا، فنتكامل ونتآزر ونصبح كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.